بقلم : عبد القادر العفسي لقد كانت زيارة الدولة التي قام بها رئيس جمهورية فرنسا للمغرب مثقلة بالدلالات والإشارات و المواقف ، و لم تكن هذه الزيارة التي تعلن عن إذابة الجليد في العلاقات المغربية خلال السنين الأخيرة إلا بعد اقتناع كل الأطراف بضرورة الجلوس الى طاولة التفاهمات و المصالح المشتركة . إن العقل السياسي الفرنسي الذي تفاجأ ! بصلابة الموقف المغربي و الذي يحدد مستوى العلاقات من خلال منظور الوحدة الترابية قد قام بخطوة كبيرة ليس حبا في المغرب فقط و لكن من أجل مصلحة فرنسا كذلك ، فلا يمكن لدولة عضوة بمجلس الأمن و ثامن اقتصاد عالمي أن يتخلى عن نفوذه التقليدي و التاريخي بشمال إفريقيا و بإفريقيا عموما خصوصا مع توالي الصفعات لفرنسا بدول الساحل ، و استمرار التوجه الجنوبي وفق مبدأ " رابح-رابح " و تعزيز التواجد المغربي الديني و الاقتصادي بهذه الدول . إن الاقتصاد المغربي الذي يحتل الرتبة 60 عالميا حسب تصنيف صندوق النقد الدولي ، وهو يأمل في دخول نادي الخمسين في مطلع 2029/2030 و الرفع من ناتجه الخام الوطني لأزيد من 220 مليار دولار سنويا يوفر مناخ أعمال و أجواء تشجع الاستثمار و تحميه خاصة مع الاستقرار السياسي لنظام الحكم بالمغرب و الضمانات إلي تقدمها الدولة لكل استثمار داخلي وطني ، كما أن انخراط المغرب في سياسة البنيات التجهيزية الكبرى ( الطرق السيارة ، السكك الحديدية ، النقل الجوي ، الموانئ البحرية ...) كلها مؤشرات تجعله بيئة واعدة للاستثمار. فرنسا إذن ، قامت بحساباتها و لم يكن أمامها للتعامل مع هذه القوة الإفريقية الصاعدة إلا الاستجابة لمنطق التاريخ و لواقع الجغرافية و للمسؤولية السياسية لفرنسا اتجاه الإمبراطورية الشريفية ، خاصة بعد التزاماتها بإرجاع جزء من الأرشيف الوطني المغربي المنهوب و ما تحتويه من وثائق ودلائل تثبت حجم المؤامرة التي تعرض لها المغرب من محاولة تفكيكه من طرف الدول الكولونيالية ، وهو ما أثار الرعب و الفزع لدى البعض و جعلهم يشحنون خطباتهم بالتشنج و التهجم إدراكا منهم لحقيقة واضحة هو أن : المغرب ماض في تكريس رؤيته الإستراتيجية وإحياء دوره الحضاري الإنساني على المستوى الإقليمي والدولي . المغرب هو كذلك قام بحساباته و قراءاته ملتزم لسياسة خارجيته واضحة لا وجود فيها لدولة عميقة أو دولة سطحية ، بل سياسة ترسمها يد واحدة لا ترتعش و لا تناقض ، لأنها حاملة لإرث تاريخي مديد و من تواجد مادي قديم لمفهوم الدولة بالمغرب . إن استمرار المغرب في تعزيز تواجده الجنوبي والانفتاح أكثر على الدول الإفريقية الانجلوفونية وعلى رأسها نيجيريا و إنشاء خط الغاز الأطلسي العابر لغرب إفريقيا خاصة بعد تبني منظمة " سيداو" لهذا المشروع العملاق ، لا تغيب عنه دائرة غرب المتوسط وخاصة العلاقات مع إسبانيا و فرنسا و البرتغال ، و بذلك يستشرف المغرب دوره التاريخي لنشيد علاقات تجعله قنطرة أساسية بين إفريقيا وأوروبا في كافة المجالات. فالمغرب الذي حصد مواقف مجموعة من الدول الكبرى الى جانب حقوقه مدفوعات بإنجازاته الاقتصادية و بصلابة مواقف السياسية و أخذ المبادرة عوض تدبير الملف المغربي و اعتبار موقفه المطروح هو الحل الوحيد للنزاع المفتعل من طرف الجار الشرقي ، وهو ما تدركه كل القوى الكبرى الدولية والإقليمية خاصة التأثير الكبير لإمارة المؤمنين بشمال إفريقيا والساحل وجنوب الصحراء و التي كان لوائها دائما معقودا بسلطان المغرب و هو تأثير غاية في الحسم حينما تعجز السياسة أو الاقتصاد. وحتى نكون موضوعيين ، فالسياسة لا تدار بالعواطف بالمصالح المشتركة والمتبادلة ، فشراكة المغرب الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي و دول الخليج و الصين و روسيا و دول أمريكا الوسطى و اللاتينية و الولاياتالمتحدةالأمريكية و شرق آسيا و الحلف الأطلسي ...أكسبته الثقة و الندية في التعاطي مع ملفاته الكبرى ، ولعل رياح التوقعات الدولية الجديدة نراها قريبا لتكريس المغرب كرقم أساسي الخريطة العالمية. إن هذه الإنجازات لابد أن يوازنها انعكاس اجتماعي على المغاربة و انعكاس معيشي حتى لا تختل آلية الاستفادة من الثروة الوطنية و من تطور المغرب لصالح فئة معينة ، فالدولة الاجتماعية يجب أن تكون موضوع انكباب حكومي لطرح نموذج دولة الرفاه للمغاربة و الاستفادة من العائدات الاقتصادية لإحياء الطبقة المتوسطة المسحوقة و إخراج ملايين المغاربة من تحت عتبة الفقر و كسر الفوارق الطبقية الكبيرة التي لازلنا نعيشها و نلاحظها ، فالمغرب لا يمكن أن يمشي بسرعتين ! . قال تعالى : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } صدق الله العظيم .