بين الثوابت الوطنية والتحالفات الإستراتيجية واجه المغرب في بداية حكم الملك محمد السادس عدة أزمات دبلوماسية، تمثلت بالخصوص على مستوى محيطه الأوربي في تداعيات أزمة جزيرة ليلى، والإهانة السياسية التي لحقت هيبته الإقليمية والدولية من طرف الجار الإسباني، إلى جانب ضغوط الشركاء الأوربيين التي تمثلت في اتفاقيتي الصيد والفلاحة، خاصة ما يتعلق بمنتجات الأقاليم الصحراوية؛ كما واجه ضغوطا أمريكية همت بالأساس الالتفاف على مبادرته حول الحكم الذاتي، إما من خلال اقتراح تقسيم الصحراء أو توسعة مهام البعثة الأممية لتشمل المسألة الحقوقية؛ في حين اصطدم مع عمقه الإفريقي الذي كان يحركه القطب الثلاثي المكون من الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا، والذي استغل سياسة الكرسي الفارغ التي انتهجها المغرب منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي لكي يحاصر أي اختراق مغربي لعمقه الإفريقي. وبالتالي كان لزاما أن يبلور صانع السياسة الخارجية إستراتيجية جديدة استندت إلى ثلاثة محاور أساسية: اختراق العمق الإفريقي استمالة القطب الأمريكي الضغط على الشركاء الأوربيين الدبلوماسية الملكية واختراق العمق الإفريقي إن المستجدات التي عرفها العالم، سواء في تغير هرمية القوى العالمية، خاصة بصعود قوى عالمية جديدة على رأسها الصين، جعل من المجال الإفريقي رهانا اقتصاديا وإستراتيجيا، خاصة في بداية القرن 21. ولعل هذا المستجد هو الذي جعل المغرب يبلور إستراتيجية خاصة بإفريقيا تقوم على تغيير مرتكزات المقاربة الدبلوماسية في التعامل مع الدول الإفريقية، وتنويع آليات التعامل الدبلوماسي -تغيير المقاربة الدبلوماسية في التعامل مع الدول الإفريقية تمثل هذا التحول في ما يلي: *عدم اقتصار التحرك الدبلوماسي على دول غرب إفريقيا الفرانكفونية، بل تتعداها ليقتحم المنطقة الإفريقية الأنجلوفونية التي بقيت طيلة العقود السابقة بعيدة عن الاهتمام المغربي، بفعل الانسياق وراء السياسة الخارجية الفرنسية (أزمة الكونغو في 1960 و1978)، والافتقاد إلى لغة التواصل اللغوي، خاصة اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى البعد الجغرافي الذي يبعد المغرب في أقصى شمال القارة الإفريقية عن دول هذه المنطقة التي تتموقع في أقصى جنوبها. * تجاوز بعض الأخطاء السياسية، حيث ضيعت الدبلوماسية الرسمية فرصة ترؤس الرئيس مانديلا لدولة جنوب إفريقيا كأقوى قوة إقليمية بهذه المنطقة، بحكم العلاقات التي كانت تجمع بين هذا الزعيم الإفريقي والمغرب، ودخول المملكة في مزاحمة هذا البلد على تنظيم كأس العالم ل 2010، وعدم انتقاء الطاقم الدبلوماسي الملائم لاجتذاب ود هذه الدولة للتموقع داخل هذه المنطقة بكل ما تمثله من ثقل إستراتيجي وسياسي في القارة الإفريقية. *العمل على تجاوز سياسة الكرسي الفارغ حيث تبلور الوعي العميق بأن انسحاب المغرب من مجلس الوحدة الإفريقية في 1984 بعد القبول بعضوية (جمهورية البوليزاريو) خدم إلى حد بعيد الدبلوماسية الجزائرية، وكذا الليبية آنذاك. إذ بدل أن يشكل ورقة ضغط في يد المغرب كعضو مؤسس لهذه المنظمة، ترك المجال فسيحا للدبلوماسية الجزائرية لكي تتحكم في قرارات هذه الهيئة الإفريقية، وتستخدمها ضد المغرب لتدعيم موقف البوليساريو. وبالتالي فقد أدرك صانع القرار الدبلوماسي أنه من الممكن للمغرب أن يستغل تحول هذه الهيئة إلى اتحاد، خاصة بعد تغيير تسميته لانضمامه واستعادة مقعده الشاغر لمواجهة المناورات والخطط الجزائرية داخل هذه الهيئة، والعمل على إقناع الدول الأعضاء بوجاهة مقترح المغرب في ما يتعلق باستحالة الاستفتاء، وأهمية اللجوء إلى مقترح الحكم الذاتي، خاصة أن جل الدول الإفريقية تعاني بشكل من الأشكال من النعرات القبلية والانفصالية، كنيجيريا ( بيافرا) ووكينيا (الماوماو) والكونغو (كاتنكا). * إدراك الدبلوماسية الملكية أنه من الجوهري لأي دبلوماسية ناجعة ألا تربط السياسة الخارجية للمملكة بمشكل الصحراء؛ فمشكل الصحراء وإن كان يشكل أولوية بالنسبة للمغاربة على الصعيد الداخلي إلا أنه في مواجهة الدول، خاصة الإفريقية، ينبغي تحديد التعامل معها وفق عدة مقاربات ومداخل تهم الجانب الاقتصادي الذي أصبح ذا أهمية كبرى في تقريب الرؤى وتقارب المصالح، والجانب الأمني الذي لا يقل أهمية، بالإضافة إلى الجوانب السياسية والدينية وغيرها. فمشكل الصحراء لا ينبغي أن يشكل دائما العين الوحيدة التي ينبغي أن يقيم بها صانع الدبلوماسية الأمور، إذ يمكن للمغرب أن يتعامل مع كافة الدول المغربية ويربط معها علاقات دبلوماسية رغم موقفها من مشكل الصحراء. ولعل استقبال الملك رئيس رواندا، والزيارة التي قام بها مسؤولون لإثيوبيا مؤخرا على الرغم من اعتراف هذه الأخيرة بجمهورية البوليساريو، شكل أسلوبا ومنهجا جديدا للمقاربة الدبلوماسية الملكية التي أصبحت تتبنى في تحركاتها الإفريقية مبدأ المردودية والفعالية وتنوع المصالح. وبالتالي فإن تعبئة الجهود الدبلوماسية وفق هذه المقاربة الجديدة أثمرت عن سحب بعض دول هذه المنطقة اعترافها بجمهورية البوليساريو، كان آخرها سحب زامبيا اعترافها، واستقبال الملك لرئيس رواندا الذي كان رئيسا لمؤتمر الاتحاد الإفريقي كان تحولا إيجابيا لهذه المقاربة. -تنويع آليات التعامل الدبلوماسي مع الدول الإفريقية منذ تولي الملك محمد السادس، توالت زياراته للعديد من الدول الإفريقية، همت في البداية بعض دول غرب إفريقيا كالسنغال، والغابون، ومالي والنيجر، لتمتد إلى بعض دول شرق إفريقيا الأنجلوفونية كرواندا وتنزانيا. وقد اندرجت هذه الزيارات الملكية المتتالية لبعض الدول الإفريقية ضمن دبلوماسية ملكية هجومية يختلط فيها البعد الإشعاعي بالبعدين الاقتصادي والديني -البعد الإشعاعي للدبلوماسية الملكية الإفريقية يشكل المغرب بعمقه التاريخي دولة متجذرة في إفريقيا، لها تراكم كبير في التدبير السياسي والدبلوماسي مع دول لما يتوفر عليه من: *إشعاع ثقافي وديني وروحي، من زيارات حج مريدي الطرق الإفريقية إلى العاصمة العلمية فاس سنويا، وبنائه مساجد في غينيا وغيرها. * وإشعاع سياسي لاعتبار المغرب أول مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية ومشجعي حركات التحرر فيها، بالإضافة إلى تكوينه العديد من الأطر الإفريقية في مختلف الميادين الإدارية والاقتصادية والعسكرية، وربط علاقات وثيقة مع العديد من قادته، كالراحل سيكتوري، وعمر بانغو الذي كان الملك الراحل الحسن الثاني هو من أطلق عليه هذا الاسم. * تواجد أمني من خلال قيام المغرب بالاشتراك في إقرار الوضع العسكري في بعض هذه الدول، ككوت ديفوار، ومالي، بالإضافة إلى وجود وحدات أمنية تشتغل ضمن الأجهزة الأمنية في بعض هذه الدول. *وتواجد اجتماعي من خلال استقرار جاليات مغربية في هذه الدول، إلى جانب النشاط الاستثماري للمجموعة الاستثمارية الملكية (أونا) في بعض القطاعات الاقتصادية والبنكية في هذه الدول. كل هذا وغيره يجعل الحضور المغربي في هذه الدول ظاهرا وفعالا في مختلف المجالات الفكرية والدينية والاقتصادية؛ ولعل هذا ما عكسته مختلف الزيارات الملكية التي أرادت أن ترسخ النموذج المغربي في هذه البلدان التي ترى فيه نبراسا يمكن أن يهتدى به في خضم التقلبات السياسية والعسكرية والاجتماعية التي تعرفها المنطقة الإفريقية. -البعد الاقتصادي للدبلوماسية الملكية الإفريقية إن الزيارات الملكية التي قام بها الملك محمد السادس إلى كل من مالي، وكوت ديفوار، وغينيا كوناكري، والغابون...تكتسي دلالة دبلوماسية خاصة، لا في الترتيبات التي واكبتها ولا في المدة التي استغرقتها، ولا في طبيعة وحجم الوفد الذي رافق الملك إلى هذه البلدان. فهذه البلدان تربطها بالمغرب روابط تاريخية تمتد إلى عهد الأسرة السعدية، إذ لا ننسى أن السلطان المنصور الذهبي بنى قوته الاقتصادية من خلال استجلاب الذهب من هذه البلدان بعد ما طوقته الإمبراطورية العثمانية في الشرق، وحاصرته إسبانيا في الشمال. وبالتالي فإن مرافقة وفد اقتصادي هام للملك محمد السادس، يتكون خاصة من ممثلي المجموعة البنكية، وبعض المجموعات الاقتصادية الكبرى في المغرب، في وقت يعاني من إقفال الحدود الجزائرية ومنافسة حادة من طرف المنتجات التركية، وكذا من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها دول الاتحاد الأوربي، يجعل الباحث منجذبا إلى الإشارة إلى هذه المفارقة التاريخية. -البعد الديني للدبلوماسية الملكية الإفريقية بالإضافة إلى طابعها الدبلوماسي والاقتصادي، فقد اكتست الزيارات الملكية إلى هذه البلدان الإفريقية، سواء بغرب القارة أو شرقها، رمزية دينية خاصة؛ فقد ارتكز التحرك الدبلوماسي للملك محمد السادس ليس بوصفه رئيسا لدولة أو ملكا فقط، بل أيضا بصفته أميرا للمؤمنين. وقد انعكس ذلك من خلال موافقة وزارة الأوقاف قبل الزيارة الملكية لبعض هذه الدول الإفريقية، وبأمر من جلالة الملك، على تأطير ديني للقيمين في كل من تونس وليبيا ومالي، والتي تعاني كلها من الانعكاسات السلبية للتطرف الديني. بالإضافة إلى أنه خلال هذه الزيارات الملكية، التي عادة ما يكون وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ضمن الوفد الرسمي المرافق للملك فيها، يقوم الملك كأمير للمؤمنين بتوزيع آلاف من المصاحف بقراءة ورش في كل بلد من هذه البلدان. كما تميزت زيارة الملك لهذه البلدان، كالسنغال، بترميم بعض المساجد بها، والالتقاء ببعض الطرق النشيطة هناك، وعلى رأسها الطريقة التيجانية، حيث تم التوقيع على اتفاقية بين هذه الطريقة وشركة الخطوط الملكية المغربية لنقل مريديها إلى فاس، مدفن شيخ الطريقة، بأثمان تفضيلية. كما حرص الملك خلال زياراته لهذه البلدان الإفريقية المسلمة أن يِؤدي صلاة الجمعة في مساجدها، في إطار الطقوس الخاصة بأمير المؤمنين، التي من بينها الصلاة على زربية ذات ألوان خاصة، تحدد المجال المقدس الذي لا ينبغي لأي أحد من النخبة المصلية تجاوزه حتى ولو كان رئيس الدولة المضيفة. الدبلوماسية الملكية والتحالف الإستراتيجي مع الولاياتالمتحدة شكل انهيار جدار برلين وهجمات 11 شتنبر 2001 على العاصمتين السياسية والاقتصادية الأمريكيتين، وتكثيف التواجد الصيني بإفريقيا، عوامل أساسية في عودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة المغاربية، وبالأخص المغرب. واستغلت السلطات المغربية مستجدات هذا الوضع لتقيم مع الولاياتالمتحدة تحالفا يقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية، تتمثل في الانخراط في الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة الإرهاب الدولي. – الانخراط في الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة الإرهاب الدولي بعد تفجيرات نيويورك في شتنبر 2001 التي وجهت ضربة قاصمة إلى الهيبة السياسية والعسكرية لأكبر قوة عظمى، وبعد تعرض المصالح الأمريكية لتهديدات إرهابية تمثلت في تفجير السفارة الأمريكية في كينيا ومقتل 4 جنود أمريكيين بالنيجر، بلورت السلطات الأمريكية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب الدولي في مختلف أنحاء العالم. وعملت الولاياتالمتحدة على إرساء تعاون مع السلطات المغربية، تجسد في تبادل المعلومات، وتدريب الكوادر، بما في ذلك استلهام التجربة الأمريكية لخلق المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي كلف بملاحقة وتفكيك الخلايا الإرهابية بالمغرب، أو تبادل المعلومات بشأن تلك الخلايا الناشطة بأوربا أو دول أجنبية أخرى. لكن بالإضافة إلى هذا الجانب الأمني حرص المغرب على التعاون العسكري مع الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال تنظيم مناورات تنظيم مناورات الأسد الإفريقي، التي عكست الاهتمام الأمريكي بمحاصرة الحركات المتطرفة بمنطقة الصحراء والساحل، بناء على العوامل التالية: – أولها انفتاح المنطقة المغاربية على دول الساحل من خلال مناطقها الصحراوية، وهي دول تعاني أنظمتها من عدم الاستقرار السياسي، وتفتقر حكوماتها لأدوات فرض الأمن والاستقرار، ما سمح بتواجد الحركات المتطرفة، خاصة بوكو حرام التي أصبحت توسع نشاطها في عدة دول إفريقية، خاصة نيجيريا التي تعتبر من أكبر الدول الإفريقية التي تتوفر على مخزون بترولي مهم. وفي هذا السياق تعتبر الجزائر من أهم الدول المغاربية التي لها حدود مع هذه الدول، كمالي والنيجر وغيرها من دول الساحل، في حين ترتبط موريتانيا بدول كالسنغال. – ثانيها ولاء بعض قيادات تنظيمات إرهابية مغاربية لتنظيم القاعدة، كجمال زيتوني، زعيم الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية، وعبد الله الصديق، أمير الجماعة السلفية الليبية، ومختار بلمختار، أمير الجماعة المقاتلة الموريتانية، والحسيني، المتورط في تفجيرات مدريد المنضم للجماعة الإسلامية المقاتلة في المغرب. وقد زاد هذا الاهتمام بعد إعلان مالك دوركال، أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال، توحيد الجماعات المسلحة تحت لواء القاعدة في 2004، إذ إن الجماعة المسلحة التي كانت تنشط داخل الحدود الجزائرية أرادت أن تعطي لنفسها صدى عالميا من خلال إعلانها الانضمام إلى تنظيم "داعش" الأم، و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وهكذا انصبت جل تصريحات المسؤولين الأمريكيين في اتجاه تأكيد الأهمية التي تحتلها المنطقة المغاربية في الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب. – ثالثها التركيز على ألا تسقط منطقة المغرب العربي في حرب أو إدارة الجهاديين، لأن موازين القوى في الشرق الأوسط والمتوسط لا يمكن أن تسقط في يد القاعدة، من فوضى العراق إلى فوضى أخرى في المغرب العربي؛ أي إنه من غير الممكن تصدير "فوضى العراق" إلى شمال إفريقيا. والهدف المعلن من القيادة الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" هو الصحراء الكبرى، التي تقول واشنطن إنها تضمّ مراكز تجمُّع وتدريب لناشطي تنظيم القاعدة، وإنها تحمِل في واحاتها تهديدات تنظيم القاعدة للدول المُحيطة بها، خاصة الجزائر ومالي والنيجر والمغرب وموريتانيا، إضافة إلى الدول الإفريقية الأخرى. وهكذا استغلت السلطات المغربية هذا الاهتمام الأمريكي بمحاصرة الحركات المتطرفة في هذه المنطقة ليتم الاتفاق بين البلدين على تنظيم مناورات الأسد الإفريقي سنويا، حيث نظمت أول مناورات ميدانية سنة 2007، وتضمنت مشاركة جنود أمريكيين ومغاربة إلى جانب جنود دول أوربية وإفريقية في مناطق بالصحراء المغربية، كطانطان التي تشبه في طوبوغرافيتها الجغرافية والعسكرية مناطق الصحراء والساحل التي تتحرك فيها هذه الحركات. وهكذا درجت القيادة العسكرية على تنظيم هذه المناورات كل سنة للتدرب من جهة على عمليات الحرب والتنسيق بين القوات المشتركة في مسرح عمليات صحراوي، وفي الوقت نفسه إرسال رسائل سياسية إلى مختلف الحركات، بما فيها القاعدة، بأن الولاياتالمتحدة قريبة من مجال تحرك هذه الحركات، ومنعها من نقل نشاطها إلى منطقة شمال إفريقيا التي تشترك معها في مجالات صحراوية على الحدود الجزائرية والموريتانية والليبية. وقد وجدت السلطات المغربية في تنظيم هذه المناورات أداة للضغط على الإدارة الأمريكية، حيث قررت إلغاء هذه المناورات العسكرية عندما حاول مجلس الأمن إصدار قرار يمنح قوات المينورسو الحق في مراقبة المجال الحقوقي سنة 2013، قبل أن يتم التراجع عن ذلك. – رابعها التعاون الأمني بين الولاياتالمتحدة والسلطات المغربية في مكافحة الإرهاب، إذ عملت الولاياتالمتحدة على إرساء تعاون مع السلطات المغربية، تجسد في تبادل المعلومات، وتدريب الكوادر، بما في ذلك استلهام التجربة الأمريكية لخلق المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي كلف بملاحقة وتفكيك الخلايا الإرهابية بالمغرب، حيث تم التنسيق بين البلدين لتحييد جندي أمريكي كان يستهدف تفجير نصب تذكاري بشأن ضحايا منهاتن في يناير 2021، في وقت تبادلا المعلومات بشأن تفكيك خلية وجدة المكونة من أربعة متشددين يدينون بالولاء لداعش في 26 مارس من السنة نفسها.. من هنا فإن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يندرج ضمن إستراتيجية تقوم على تقوية حليف إستراتيجي، سواء على الصعيد العسكري من خلال الشراكة العسكرية الممتدة من 2020 إلى 2030 بمساعدة إسرائيل التي تتوفر على تكنولوجية عسكرية يمكن أن تزيد من تقوية هذا الحليف، أو على الصعيد السياسي من خلال مساندة مبادرة المغرب للحكم الذاتي، إذ يشكل هذا الاعتراف تقوية موقفه في أي مفاوضات على الصعيد الأممي، أو على الصعيد الاقتصادي، من خلال استغلال موقع المغرب لتنفيذ مبادرة ازدهار لتنمية المشاريع بإفريقيا، حيث يشكل فتح قنصلية أمريكية بالداخلة البوابة الأمامية للاستثمارات بالعمق الإفريقي الأمريكية والأوروبية من خلال المؤشرات التالية: *الشراكة الأمريكية المغاربية لم تقف عند حدود الجانب الاقتصادي، وإنما امتدت لتشمل أشكال التعاون الأمني والعسكري. * التسهيلات التي يتضمنها مشروع "ستيوارت إيزنستات"، الذي أتى بعد ثلاث سنوات من إبرام اتفاقية برشلونة للشراكة، وتضمن تهديدا حقيقيا للمصالح الفرنسية على الخصوص والأوربية على وجه العموم، نظرا لأنه مشروع براغماتي يفصل الاقتصادي عن السياسي، مع إسناد دور أساسي للقطاع الخاص؛ كما أنه لا يعتبر الإصلاح السياسي والديمقراطي شرطا من شروط الشراكة، عكس الشراكة مع أوروبا التي تتمسك بضرورة إحداث إصلاحات ديمقراطية. * إبرام الولاياتالمتحدة اتفاقا للتجارة والاستثمار مع الجزائر في يوليوز 2001، واتفاقا آخر مع تونس سنة 2002. وفي هذا السياق دخل المغرب في مفاوضات مع الجانب الأمريكي انتهت بإبرام اتفاقية تبادل حر مع الولاياتالمتحدة سنة 2006، شكلت الإرهاصات الأولى لتحول المغرب اقتصاديا نحو القطب الأمريكي، رغم عدم التوازن بين الاقتصاديين، ما دفع بالاتحاد الأوربي إلى الإسراع بعقد اتفاق تبادل حر مع المغرب. توظيف الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء للضغط على الشركاء الأوربيين على الرغم من قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء وإبرام الاتفاق الإبراهيمي في نهاية ولايته، فقد كان هذا القرار والاتفاق الذي تمخض عنه ثمرة سياق إستراتيجي عميق لا يرتبط بظرفية انتخابية أو اعتبارات شخصية، بل يندرج ضمن متغيرات في الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة المتوسطية والإفريقية؛ في حين وظف المغرب هذا التحول في الإستراتيجية الأمريكية للضغط على شركائه الأوربيين، لتدعيم ثوابت قضيته الوطنية. -السياق الإستراتيجي للاتفاق الإبراهيمي لقد تابع المغرب تطورات المبادرة الأمريكية بشأن اتفاقية القرن، التي كانت تستهدف بالأساس خلق تحالف من أجل احتواء الامتداد الإيراني على الصعيد الإقليمي، إذ إن الخلفية الإستراتيجية التي جمعت بين كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل والمغرب هي تحجيم الدور الإيراني، سواء بالمنطقة الخليجية أو بالمنطقة الإفريقية. إذ إن التواجد الإيراني الذي امتد إلى إفريقيا أثار مخاوف الولاياتالمتحدة، خاصة بالقرن الإفريقي والسودان، وكذا مخاوف إسرائيل التي تتحرك في هذه المنطقة منذ ستينيات القرن الماضي، لتلتقي مع تخوفات المغرب، خاصة بعدما اتهم هذا الأخير إيران وحليفها حزب الله بتدريب وتقديم الدعم لجبهة البوليساريو؛ وبالتالي فبعدما شارك بشكل باهت في اجتماع البحرين، كثف مشاوراته مع الطرف الأمريكي الذي كان يركز على ضرورة عقد تحالف عسكري ثلاثي يحاصر المد الإيراني من الشرق عبر إسرائيل ودول الخليج، ومن الغرب عن طريق المغرب. -التوظيف الإستراتيجي للاتفاق الإبراهيمي لم تستسغ دول الاتحاد الأوربي، خاصة فرنسا وألمانيا وإسبانيا، الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، إذ عملت ألمانيا على إبداء تحفظها من خلال الدعوة إلى عقد مجلس الأمن للنظر في هذا الموقف، في حين استضافت السلطات الإسبانية رئيس البوليساريو للعلاج في إحدى مصحاتها، إلى جانب استعداء الاتحاد الأوربي على المغرب؛ في حين حركت السلطات الفرنسية بعض وسائلها الإعلامية لاتهام المغرب باقتناء بيكاسوس الإسرائيلي للتجسس على فاعلين حقوقيين وصحافيين وشخصيات أجنبية، بمن فيهم الرئيس الفرنسي. وقد رد المغرب، مستقويا بقرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، بمنع أي تعامل مع المؤسسات الألمانية بالمغرب، ورفض الدعوة الألمانية لحضور مؤتمر برلين في نسخته الثانية لمناقشة الملف الليبي؛ في حين سعى إلى استدعاء سفيرته بمدريد، ومواصلة إغلاق معبري مليلية وسبتة، بالإضافة إلى القيام بترسيم حدوده البحرية المحاذية لجزر الكناري، وتحويل عملية عبور الجالية المغربية بأوربا من الموانئ الإسبانية إلى فرنسا. بالإضافة إلى ذلك أصدرت وزارة الشؤون الخارجية المغربية بلاغا تحدد فيه أرضية جديدة للتعامل الدبلوماسي، تقوم على الشفافية والمصلحة المشتركة والاحترام المتبادل. وقد أثمرت هذه الضغوط السياسية عن إعادة ألمانيا النظر في تعاملها مع المغرب، حيث صرح المستشار الألماني في الحكومة الجديدة بدعمه مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وواقعي، واعتبار المغرب شريكا إستراتيجيا، الشيء الذي أكده الرئيس الألماني، موجها دعوة للعاهل المغربي لزيارة ألمانيا لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية. كما حاولت السلطات الإسبانية التخفيف من حدة التوتر مع المغرب، الذي بلغ حد استدعائه سفيرته بمدريد للتشاور، وإصدار عدة بلاغات من الخارجية تنتقد الموقف الإسباني المعادي لوحدته الترابية، إذ تمت إقالة وزيرة الخارجية من الحكومة، وأدلى رئيس الحكومة بتصريحات تؤكد على أهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، بينما عبر العاهل الإسباني عن دور المغرب الإستراتيجي في المنطقة. لكن يبدو أن المغرب مازال متشبثا بموقفه بضرورة أن تقوم إسبانيا بالخروج من المنطقة الرمادية كما عبر عن ذلك العاهل المغربي في إحدى خطبه. وعموما فإن تطور الدبلوماسية المغربية أتى وليد مجموعة من المتغيرات الجيوستراتيجية في المنطقة، حاول صانع القرار التماهي معها وتوظيفها في خدمة قضيته الوطنية، وفي نفس الوقت بلورة دور إقليمي في مواجهة مختلف تطلعات دول الجوار المتمثلة بالخصوص في كل من الجزائر وإسبانيا.