تخوض الشغيلة التعليمية منذ اكثر من شهر معركة بطولية تحت شعار "إسقاطمرسوم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التعليم المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7237 بتاريخ 9 اكتوبر 2023 ومن أجل كرامة المدرس".وفي إطار التفاعل من داخل المعركةأود أن أقدم هذه القراءة المتواضعة، التي لا يمكن فهمها وتفسيرها ولا حتى قراءتها إلا في سياق قراءة وفهم الحركات الاحتجاجية.تحضرني هنا مقولة شهيرة للزعيم الهندي المهاتما غاندي التي يقول فيها: "في البداية سيتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم سيحاربونك ثم ستنتصر" طبعا السياق الذي كان يتحدث فيه غاندي هو مواجهة المحتل البريطاني للهند آنذاك، لكن في اعتقاديأن مقولته هذه تعتبر نظرية اجتماعية في تفسير وقراءة الحركات الاحتجاجية واستشراف افاقها، لأن جميع الحركات الاحتجاجية تسلكفي اعتقادي هذه المحطات/المراحل الثلاث اذاما كتب لها أن تستكمل مسارها في اتجاه تحقيق الهدف والمبتغى منها. وهي نظرية في اعتقادي تصلح بأن تُقْرَأ بواسطتها معركة الأساتذة بالمغرب الآن، لأن طبيعة أي حركة احتجاجية إلا وتمر عبر هذه المحطات الثلاث، التي هي في البداية التجاهل وبعدها المحاربة وفي الأخير الانتصار. اذن انطلاقا من هذه المراحل/المحطات الثلاث الضرورية، فإنني أجزم أن معركة الشغيلة التعليمية لازالت في المرحلة الأولى بحيث لازالت الدولة وعبرها الوزارة الوصية تقوم بالتقليل من أهمية وقوة هذه الحركة، والعمل على تبخيسها بواسطةتسليط عليها جهات إعلامية رسمية أو غير سمية إلى جانب بعض الشخصيات المؤثرة في عالم السوشيل ميديا SUCHEL MEDIAللتقليل من أهميتها وأحيانا شَيْطَنَتِهَا وذلك لاستهداف معنويات الأساتذة المرتفعة الآن، كما أن اختيار الحكومة للحوار مع غير المحتجين في الشارع (النقابات الأربعة الموقعة على محضر 14 يناير 2023) عوض استدعاء المسؤولين المعنيين بالدعوة إلى الإضراب عن العمل وتنظيم الوقفات والمسيرات الاحتجاجية ناهيك عن خطوات أخرى على مستوى المؤسسات التعلمية وأقصد بذلك (التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي يضم 23 مكونا إلى الآن + تنسيقية أساتذة الثانوي التأهيلي+ التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم) وبالتالي تجاهل كل هذه الإطارات، رغم أنها هي التي تتحمل مسؤولية الدعوة لهذه الخطوات الاحتجاجية التي شلَّت وتشل المؤسسات التعلمية الآن وتقود الحراك التعليمي في معركته المصيرية، وهذا لا يعني ان الحكومة لا تعرف ذلك بل كل ذلك يدخل في خانة المناورة وزيادة الضغط النفسي ومحاولة نزع المشروعية عن هذه الإطاراتعلى مستوى قيادة المعركة، وبالمقابل محاولة فرض الأمر الواقع بأن الحكومة والوزارة المعنية لا تُجَالِس ولا تُحَاوِر إلا النقابات الأكثر تمثيلية، التي استبدلتها مؤخرا بنعت جديد وهو النقابات الموقعة، وكأن ذلك التوقيع بتاريخ 14 يناير 2023 لازال يشكل أرضية للتفاوض في ما يشبه العمل بالقول المأثور(نقول ثور، يقول احْلُبُوه) في محاولة يائسة الهدف منها تركيع الشغيلة التي ترفض كل الاتفاقات التي ارتكز عليها إخراج نظام المآسي هذا سواء كانت داخلية أو خارجية. وبما أن نساء ورجال التعليم صامدون ولهم كل المناعة لمواجهة هذه الالاعيب، فإنني أتوقع قريبا أن تلجأ الحكومة للخطوة الثانية في التعاطي مع الحركة الاحتجاجية التي ستتبنى عبرها الوزارة والدولة طريقة الحرب المباشرة بعدما كانت تحاربهاسابقا بطريقة ناعمة عبر الإعلام بكل أنواعه السمعي والبصري والمكتوب ورقيا وإلكترونيا، وتجييش المُطَبِّلِين لسياستها واصلاحاتها المزعومة،وأيضامحاولة تحريض الأمهات والآباء ضد الشغيلة التعليمية، لكن بما أن ذلك لم ينفع بل زادت قوة انخراط وإصرار هؤلاء المحتجين على المضي قدما في مسارهم النضالي، فإن الحل الوحيد المتبقي أمامها هو شن حرب إدارية بتوجيه استفسارات والتهديد بالمجالس التأديبية ولما لا عرض بعض قادة الحركة عليها، وتحريض المفتشين والمديرين ضد المدرسين بغية تخويفهم وتركيعهم، وقبلها اعتماد خطة تعويض المدرسين المضربين عن العمل عبر برنامج أوراش الذي بدأت بعض المديريات بتنفيذه (مديرية سيدي قاسم نموذجا بجرف المحلة)، أو شن حرب مادية تهدف إلى الإقتطاع من أجورهم الهزلية أصلا للضغط عليهم والعمل على تفقيرهم وخلق نوع من الإختلال المالي في حياتهم الاجتماعية لدفع أسرة المدرس لأن تشكل أداة اخرى للضغط عليه خاصة عندما يُمَسُّ قوتها اليومي، وأخيرا شن حرب أمنية بوليسية عبر منع وقمع كل الأشكال الاحتجاجية، وملاحقة الزعماء والمسؤولين في هذه الاطارات القائدة للمعركة واعتقالهم وتقديمهم لمحاكمات صورية مفبركة وغيرها من الأليات التي قد تلجأ إليها الدولة لإخراس صوت المدرسين بما فيها التوقيف عن العمل وحتى الطرد. لكن ما غاب عن الدولة وعن منظريها ومستشاريها هذه المرة هو أن احتجاجات الشغيلة ليس عنوانهاهو الزيادة في الأجور فقط، او تحقيق مطلب فئوي،أو استجابة لإحراج نقابي أو سياسي دعاهم للإضراب، بل هذه المرة إنها بالنسبة لهم معركة حياة أو موت، هذا ما صار يشكل أساس الوعي الجَمْعِي لدى الشغيلة التعليمية، بحيث تعتبر معركة اليوم معركة وجود، معركة كرامة، تكون أو لا تكون، وبالتالي فإن كل التهديدات وحتى كل أشكال الحرب التي يمكن أن تلجأإليها الوزارة ومعها الدولة لا ولنتُثْنِي هؤلاء عن المضي قُدُماَ في نضالاتهم مهما كان الثمن وحجم التضحيات لأن الشغيلة حاليا ترفع شعار لم يعد لدينا ما نخسره سوى الذل الذي يراد لنا القبول به، وهذا للأسف ما لم تستطيع الدولة توقعه بعدما استطاعت أن تُرَوِّض عبر سنوات طِوال الأحزاب السياسية وكذلك المركزيات النقابية، وحتى جزء كبير من النقابات القطاعية التي تحول دورها من معارض للسياسات التخريبية المتعاقبة ومدافع عن الشغيلةإلى متعاون مع هذه الحكومات لتحقيق تخريبها هذا.إذن المعركة البطولية التي تخوضها الشغيلة التعليمية لا يجب أن ننسى أنها أيضا معركة بالنيابة عن أبناء الشعب المغربي ومستقبل أبنائه،وذلك بالعمل على حماية المدرسة العمومية من المزيد من التخريب والخوصصة،ومن أجل حق الأجيال القادمة في وظيفة/مهنة التعليم بكرامة وداخل الوظيفة العمومية. لذلك وعطفا على هذا المعطى الذاتي لدى الشغيلة التعليمية المتمثل في الاستعدادغير المسبوق للنضال والتضحية، فإنه إذا ما توفرت الشروط القيادية والتنظيمية الذكية للحركة الاحتجاجية هذه، فإن الوزارة ومعها الحكومة ستجد نفسها مضطرة لتعترف ليس بمشروعية مطالب الحركة الاحتجاجية فقط بل ستضطر للجلوس مع المحتجين وهنا ستبدأ معركة اخرى فيها من التسويف والمناورة والتحايلالشيء الكثير في محاولة لربح ما استعصى ربحه عبر التجاهل والحرب حتى لا تستجيب للملف المطلبي الكامل للحركة الاحتجاجية،. اذن حسب تقديري المسار الاحتجاجي الان قريب جدا من دخول منعطف الحرب إن لم أقل دخل مع بداية هذا الأسبوع ببعض المناطق (جرف الملحة مثلا) مما يقتضي تصليب العود الداخلي والتكثيف من التواصل والتوضيح لنشر فكر وثقافة الصمود والممانعة والتضامن في صفوف الشغيلة المبنية على مشروعية المطالب، وبالتالي فإن قيادة المعركة في هذه الظرفية تقتضي على الأقل العمل بما يلي: 1 الابتعاد عن منطق الزعامة والتدافع في قيادة المعركة بغية إرجاع النجاح لحد الآن لهذا المكون أو ذاك، والتأكيد على أن ما تحقق لحد الساعة يعود فيه الفضل لشجاعة وصمود الشغيلة التعليمية بالأساس. 2 التركيز حاليا على عدو الشغيلة والمتمثل في الوزارة عبر إصرارها على فرض هذا النظام، وعدم التجاوب مع مطالب المضربين والمحتجين،والنأي عن الخلافات الذاتية لأنها معطى موضوعي كان وسيبقى، وبالمقابل العمل على تمتين وحدة الشغيلة أكثر نضاليا وميدانيا. 3 الإبقاء على اجتماعات كل الأجهزة خاصة مجالس الأساتذة بالمؤسسات مفتوحة واستغلالها لفضح العديد من المغالطات التي يتم الترويج لها بين الفينة والأخرى الهادفة إلى شَيْطَنَةِ المعركة وقادتها، وأيضا العمل على المزيد من شرح وتوضيح مساوئ هذا النظام الأساسي موضوع الاحتجاج. 4 الإبقاء على القيادة الجماعية للحراك التعليمي وتسطير برامج نضالية موحدة ميدانيا في الزمان والمكان، وعدم الانفراد باي خطوة او قرار مهما كان بسيطا دون الرجوع إلى القواعد الأستاذية، لأن اي ثقب/هفوة يمكن أن يُسْتَغل من طرف المتربصين بالمعركة البطولية والشجاعة للشغيلة التعليمية. 5 عدم القبول بأي جهة أو طرف محاورا بديلا عن الهيئات المبادرة منذ البداية للرفض والاحتجاج ضد نظام المآسي، وبالتالي فإن المحاور والممثل الشرعي الوحيد لهذه الحركة الاحتجاجية هو هذه الهيئات الثلاث فقط (التنسيق الوطني لقطاع التعليم+ تنسيقية أساتذة الثانوي التأهيلي+ التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم). 6 التصعيد في الأشكال الاحتجاجية مستقبلا عبر تنويع الخطوات بشكل يتفاعل مع كل مستجد،وخاصة الإعلان عن خطوة تعليق إجراء فروض المراقبة المستمرة والدخول في اعتصامات مرفقة بالمبيت الليلي…الخ. 7التنسيق مع أصدقاء الشغيلة في معركتها هذه والانفتاح خصوصا على جمعيات ومنظمات حقوقية أو شخصيات عمومية (مثقفين، أكاديميين، فنانين، رياضيين…إلخ ) الداعمة لملف الشغيلة التعليمية سواء مغربية أو دولية وكذلك أمهات وأباء التلاميذ. 8مراسلة منظمة العمل الدولية وباقي الهيئات العالمية ذات الاهتمام بقطاع التعليم والعمل النقابي من أجل المزيد من الضغط على الدولة. ذ.شفيق العبودي العرائش في 13 نونبر 2023