في مقاربة البرامج الصيفية للجمعيات الحبيب عكي على عكس المعتاد والمنتظر، ما أن يحل بنا فصل الصيف، حتى تتوقف اختيارا أو اضطرارا مختلف برامج العديد من جمعيات المجتمع المدني، والتي دأبت على تقديمها للعديد من فئات المجتمع وفي مختلف المجالات وعلى مدار السنة، لينضاف هذا التوقف الثقيل إلى : 1- فراغ الصيف القاتل و حرارته المفرطة. 2- غياب وضعف برامج الدولة وانحصارها كما وكيفا. 3- التكلفة المادية التي تفوق طاقة الغالبية من البسطاء. 4- بقاء العديد من المشاريع الصيفية الذاتية مجر أحلام لأصحابها، لافتقادها للتعاون والروح الجماعية. ليبقى السائد السائد هو حرمان فئات وفئات من المواطنين من شيء اسمه العطلة الصيفية وحق الترفيه واستثمار الوقت الثالث عموما، سواء في السياحة والاستجمام أو التكوين لاكتساب المهارات وتجديد الطاقات أو هما معا وهو أفضل الفضائل؟؟. معضلة اجتماعية تربوية تنموية ولاشك تطرح العديد من الأسئلة على مختلف الأطراف، تطرحه على الدولة التي ترفع شعار:" عطلة للجميع "، وهي بالكاد بالكاد تتوصل فقط إلى تخييم مجرد 250 ألف طفل من بين 12 مليون من أطفال البلد ممن هم في سن التخييم؟؟. وتطرحه على القطاع الخاص وشركاته ومقاولاته التي بقدر ما ينتظر منها الناس من المواطنة والمساهمة في التنمية البشرية خاصة، بقدر ما لا تهتم إلا بفروعها وإنتاجها وأربحها ومخيمات أبناء مستخدميها في منتجعاتها دون غيرهم؟؟، وتطرح أيضا على الجمعيات التي تتوقف وتنحصر برامجها خلال الصيف وكأن العمل الجمعوي إنما يمارس لتجزية ضغوط الموسم الدراسي، أو أن حاجة المستهدفين غير واردة في غير هذه الأثناء؟؟. ويبقى حق المواطن في إجازة صيفية ..في فسحة ترفيهية..في استثمار الوقت الثالث عموما فيما يفيد ويمتع..من علامات رقي الأمم وخدمة أوطانها، ومن أجل ذلك لابد أن تبذل كل الأطراف قصارى جهدها بكل مقاربة تشاركية واندماجية ..إبداعية وتكاملية..حكامة ومسؤولية..همها استعاب أكبر قدر ممكن من المجازين وتقديم أجود الخدمات لهم كحق عمومي لا امتياز خصوصي، ترى كيف يمكن للقطاع الجمعوي أن يطور نفسه في هذا الاتجاه..وماذا يمكنه أن يقدم؟، هل له من مقومات وتجارب في ذلك..ماذا يعرقله وكيف يمكن أن يتجاوزه؟؟. نعم، توقف عمل العديد من الجمعيات خلال العطلة الصيفية، لا ينبغي أن يعالج إلا من خلال أسبابه الذاتية والموضوعية..التصورية النظرية والعملية الميدانية..البيئية والبينية والتشاركية..ومن ذلك: 1- ربط العمل الجمعوي بزمان ومكان ..أو موضوع معين و فئة خاصة، وهو شيء ممكن، ويمكن أن يكون سبب تخصصه وجودته، ولكنه يحد من استمراره وربما نجاعته؟. 2- قيام العمل الجمعوي على كاهل أشخاص معينين بدل عموم المؤسسة وهياكلها من أندية ولجن ومجالس تتعطل بتعطل المكلفين،ويمكن حل هذا بالتكليف والتفويض؟. 3- كون تخطيط وبرمجة الجمعية – إن وجدا – لا يستطيع تغطية موسم الصيف بما يناسب من أنشطة ممكنة أو لا يجد وسائل ذلك طقسا وفضاء وربما جمهورا عاملا؟. 4- انحسار العمل الجمعوي في علاقاته التشاركية على جهة واحدة أو اثنتين هما وزارة الشباب والرياضة والجماعة المحلية ربما، دون غيرهما من القطاعات على كثرتها وأهميتها وسعة أفقها ومردوها التشاركي؟.وبالتالي يتحكم إقدام أو إحجام الجهة الشريكة وربما بيروقراطيتها أو عرضها ودفتر تحملها في طموح وإنجاز الجمعية؟. 5- وعلى عكس المعلوم في العمل الجمعوي، بضرورة الاهتمام بالعنصر البشري الناشء، فإن الجمعيات التي يتوقف عملها في الصيف وكأنها لا تراعي حشود التلاميذ والتلميذات الذين يتحررون من مدارسهم وتضيق بهم بيوتهم وأهلها، وهي بتوقفها لا تقدم لهم شيئا يمكنهم من صقل المواهب وتنمية المهارات وتجزية أفضل الأوقات استعدادا لموسم دراسي جديد؟. 6- وهناك الاستسلام لظروف جائحة "كورونا" وما فرضته على الجميع من الحجر الصحي والجمعوي، بالإضافة إلى عدم القدرة على المواكبة وتطوير برامج تواصلية اجتماعية ..تربوية تكوينية..في العالم الافتراضي، برامج مفتوحة على العموم أو خاصة بالمستهدفين من الرواد، يمكنهم متابعتها من مواقعهم والتفاعل معها كيفما شاؤوا وقت ما شاؤوا وبما شاؤوا؟. أخيرا، فلنتذكر أن الصيف أيضا هو موسم العمل، بل ربما أروع وأنسب المواسم للعمل الجمعوي، لكون الجميع – مؤطرين ومؤطرين – لديهم وقت متاح، ولكون التواصل والتأطير والتكوين أيضا متاح حضوريا وعن بعد؟، ولكون أهم الدورات والمحترفات والمخيمات والورشات والمواسم والمهرجانات..لا تقام وتشد إليها الرحال من أقصاه إلى أقصاه، إلا في الصيف، فأين دوراتنا في تعلم اللغات..في حفظ القرآن الكريم..في إعداد البحوث التربوية والاجتماعية لأبناء الحي..أين محترفاتنا في الإنشاد والمسرح..في تكوين فرق الأعراس والدوريات الرياضية بين الأحياء..أين أكاديمياتنا الصيفية لاكتساب المهارات في التنمية الذاتية والتربية على القيم والمواطنة والسلوك المدني..في البرمجة والسوشل ميديا وصناعة المحتوى الهادف..إلى غير ذلك مما يتيه ويتخبط فيه نشؤنا ويحتاجه ويفتقر إليه حاضر وطننا ويتوقف عليه بالضرورة مستقبل أمتنا؟، على أي وكما تحكي الحكاية، في الصيف اجتهدت النملة ونالت قوتها واغتنت وتسكع ورقص ونام الصرصار وافتقر وفي الصيف ضيع اللبن؟؟.