بروكسيل : مصطفى منيغ بعد ساعات ثلاثة إلتحق بنا في الحديقة السيد الطيب بلعربي وقد استعادت قسمات وجهه ما يؤكد أهليته الفعلية لاقتحام مناقشة حامية الوطيس ترتبط بموضوع ترشيح السيد أحمد عصمان للانتخابات التشريعية في وجدة الشمالية ومسؤولية انضمامي لمشاركة اللجنة الساهرة على الحملة الدعائية انطلاقا من "عين بني مطهر" ، طبعاً من حق السيد أحمد عصمان ترشيح نفسه في المدينة المنتسب إليها قبل غيرها ، لكن أن أشارك شخصياً في حملته الانتخابية وتحديداً في " عين بني مطر" بالذات هذا ما أرفضه جملة وتفصيلا لاعتبارات موضوعية أحتفظ بها في الوقت الحالي ، هناك العشرات ممن يقومون بهذا الدور أحسن مني بكثير ، لذا التمس إعفائي من هذه المهمة التي لا أستطيع القيام بها حقيقة ، علما أنني أحترم أحمد عصمان وأكن له كل خير مع متمنياتي له بالنجاح ممثلا لمواطني وجدة الشمالية في البرلمان المقبل بما له من تجارب سياسية وبخاصة في المجال الدبلوماسي وصداقاته المتعددة المجالات مع الأوروبيين عامة والأمريكيين خاصة . التفت السيد بلعربي إلى الأخت (…) لتقول كلمتها في الموضوع بصفتها اقرب الناس معرفة بي ، نظرت إليّ بإمعان شديد لتتنهَّد في عمق وتخاطب نفس السيد خطابا اظهر ما زاد إعجابي بما طوَّرت به حديثها وهي تحاول الانحياز لقراري تارة وأخري لحثّي عن القبول اعتباراً للعلاقة الطيبة التي تربطني وأشخاص محترمين ممن يكوّنون تلك اللجنة التي سيجعلون من الحملة عرساً سياسيا وجدياً بامتياز حيث قالت : – للأستاذ مصطفى منيغ ميزة التفكير الطويل قبل الإقبال على أي خطوة يتحمَّل مسؤولية ما قد يترتَّب بعدها ، هناك أسبابه الخاصة الجاعلة منه رافضاً الخوض في مثل التجربة ، فإن شاركنا في معرفة ولو القليل منها وجدًَ فينا مَن يدلُّه على أنجع الحلول لتخطّيها والوقوف حيث تريده اللجنة الوقوف معها ، في نقطة لم يحصل إجماع على أهليته لتحمُّل المسؤولية فيها عن فراغ ، وإنما عن دراسة وُضِعت تحت إشارتها ملفات تتضمَّن مواقف اتخذها الأستاذ مصطفى منيغ في تلك القرية تشرِّفه وتشرّفنا نحن معه . … السيد بلعربي استعدَّ لمواجهتي استعداداً اتخذه بنية الانتصار المُطلق على جميع مواقفي مهما كانت ، عذره أنه لا يعرفني جيدا ، إنما هي تقارير مكتوبة قرأ فيها ما ظنَّه يكفي ليسكتني متى أراد ، ويوجهني حيث يريد ، مستعملاً نفس المنطق الذي يرجع إلية أي رجل سلطة ، ليخيف من استعصى (حسب نظره) على الفهم ، وهذا ما جعله يستعجل الحصول على المراد مني بقوله : – منذ لقائي بك وأنت على نغمة واحدة تعتقد أنك تطربني بها، اليوم ستسمع مني ما لا يروقكَ، منفذاً المطلوب منكَ دون قيد أو شرط ، العشرات يتمنون الجلوس معي ليستفيدوا من نصائحي فيعملون بها دون نقاش فيصلون حيث شاؤوا الوصول شاكرين الظروف التي جمعتهم بي ، كان عليك تقليدهم بدل تضييع وقتنا . قاطعته واقفا طالبا منه وبكل احترام أن ينساني ، بل يحذفني من مخيّخه وحالما شعر بقدرته على محاورة البسطاء مثلي ويستفيد منهم بما يفيد نفسه أولاً سيجدني رهن إشارته ، وليتذكر أنه طالب لقائي وبإلحاح ولم يكن وراء تلك الرغبة بل مَن أمرة بها ، أحمد عصمان سينجح في الانتخابات ، إذ لا يعقل أن يخسر من كان في مستوى مكانته السامية دخل الدولة ، لا هو محتاج للسيد بلعربي ولا لغيره في تحقيق ذلك ، بل لأغلبية مريحة من المصوِّتين يبرِّر بها حب وتعلُّق الجماهير في وجدة الشمالية بشخصه كأحمد عصمان ، لذا هو في حاجة ماسة لمساندتي شخصياً وللعشرات من أمثالي يعلم علم اليقين أن لهم تأثيراً عن مجموعات بشرية لم تجد سواهم في لحظات حرجة للتخفيف من ألام الظلم الذي تعرَّضَت له ، ومستعدة لاعادة ولو الجزء اليسير من الجميل بما يستطيعون القيام به أو تقديمه عن طيب خاطر . على كل تمنيت للسيد الطيب بلعربي الصحة والعافية وعدم تضييع وقته الثمين مع أمثالي البسطاء أصحاب كرامة وعزة نفس. … وقفت الأخت (…) لتخاطب بدورها السيد بلعربي قائلة : اعتقد أن مكاني بجانب الاستاذ مصطفى منيغ بأي صفة يختارني بها يومه وغدا ومتى عشنا . نحن كملايين المغاربة المخلصين لمقدسات وطنهم الواعين لواجباتهم الضامنين الحصول على حقوقهم ، لنا كرامة لا تسمح حتى بسماع ما صدر منك من قول في حق رجل صراحة لم تقدِّر شيمه الرفيعة وتضحياته الجسيمة من أجل رفعة هذا الوطن . أطلب منك أيها الأستاذ المحترم أن تشطِّب على اسمي من قائمتكَ وإلى الأبد. … ابتعدنا عن الحديقة ماسكة بيدي متّجهة بي حيث مطعم نفس الفُندق لتناول ما نشتهيه من وجبات وجدية تنسينا صداع السياسة القائمة على نقيضين متنافرين ، كان الله في عون المغرب لينصف بينهما انجازاً لمجهوده المبذول من أجل استمرار استقراره في أمن وسلمٍ اجتماعي . وهناك أطلعتني على قرارها المرتبط بعدم السماح لأي طارئ كي يفرّق بيننا من جديد ، خاصة أنّ والدها تيقَّن أن مهمته في تربيتها بما استطاع قد انتهت ، لتتحمَّل مسؤولية مصيرها دون تدخّل من أحد ، وأن والدتها أعرف تمام المغرفة بموقفها اتجاهي ، فقد دافعت عني بما سبّب لها من الحرمان المُبعد حتى دورها الذي كانت تطّلع به داخل بيتها بحكم جائر من زوجها بعد علمه بسماحها لما كان يجري بيني وابنته ، إذن لتكون بدايتنا الُثانية مبنية على أساس قويم متين ، تريد أن تسمعها كلمة فاصلة منّى في الموضوع ، وقبل أن أنطق بها يجب أن أعلم أنها لي ولا مفرَّ لي منها . … رجل يقترب من طاولتنا يبلغني أن سعادة عامل الإقليم ينتظرني على استعجال في مكتبه بمقر العمالة، هناك سيارة تنتظرني بالخارج. هذه المرَّة كنت ماسكا بيدها لترافقني بما يحمل ذلك من دلالة لا تحتاج لشرح ، استقبلني السيد العامل بابتسامة تجاوزت حد الترحيب إلى ما يعرب عن متانة الصداقة التي أصبحت تربط بيننا، لم يسأل عن شخصية المرأة التي أحضرتها معي دون استئذان ، بل دخل في صلب الموضوع : علمتُ منذ لحظات فقط ، بما دار بينكما والأستاذ الطيب بلعربي عن طريق هذا الأخير طبعا ، فتبيّن لي أنه غير مقتنع بما خاطبك به أصلاً ، طالبا مني التدخّل شخصياً لإعادة المياه لمجاريها بينكم . أتمنى أن تفهم جيداً وضعيتي ومسؤولية منصبي هذا ، والتسلسل الاداري الذي يربطني برئيس الحكومة وخاصة في هذا التوقيت بالذات المفروض أن أمسك فيه بكل الخيوط ، ولول ثقتي بك لما خاطبتك بمثل الصراحة ، علماً أنني لا افرض عليك شيئاً ، إلاَّ أنني لا أغيِّب فيك الذكاء والفطنة وحب الوطن مهما ضحّيت . … طلب السيد العامل من مدير ديوانه أن يُشعر السيد بلعربي أنه في الانتظار ، بعد دقيقة فُتح الباب فكان المعني يمد يده ليصافحني قبل الانتقال لمعانقتي العناق الحار جعل العامل يصفّق له فرحا . بعدها طلبتُ السماح لي بلانصراف لكن بلعربي أوقفني ريثما يسمع مني ما يودّ سماعه فقلت له : – لو تقابلنا بالصدفة داخل القصر الملكي وكل منّا يلتمسُ مقابلة الملك ، حسب رأيك لمن يأذن بمقابلته أولا َ أنا أم أنت ؟؟؟ ، طبعاً لن تكون الأول مَن يحظى بشرف المقابلة ، بل قبلك سأكون أنا ، أتدري لماذا ؟؟؟ ، لأنك بالرغم من أخلاصك ووفائك تتوصَّل بأجرة مالية تعويضاً لما تقوم به من مسؤوليات محددَّة من طرف رؤسائك ومنهم الوزير الأول ، أما أنا إضافة لإخلاصي ووفائي أشتغل بالمجّان ، وأتحمَّل مسؤولياتي كمواطن دون أن يحمِّلني اياها أحد ، أفهمتَ الآن ِلما سيستقبلني الملك قبلك ؟؟؟. على العموم موعدنا غداً بعد ترشيح السيد أحمد عصمان نفسه رسمياً للانتخابات البرلمانية. (يتبع)