يعتبر دستور 2011 دستور السياسات العمومية بامتياز، ففي إطاره تم فسح المجال أمام مشاركة العديد من الفاعلين في بلورة السياسات العمومية . تعتبر الديمقراطية التشاركية من الآليات الهامة والجديدة التي يتم من خلالها ضمان مشاركة المواطنين والمواطنات والهيئات المدنية، في اتخاذ القرارات العمومية التنموية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.. وتتبعها وتنفيذها وتقييمها، وهي شكل من أشكال الرقابة الشعبية والمجتمعية على صانعي القرار العمومي، ومدخلا أساسيا لتحقيق الحكامة في تدبير الشأن العام، وتساهم في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وقد نص الدستور الجديد لسنة 2011 في العديد من فصوله ولأول مرة في تاريخ التعديلات الدستورية بالمغرب، على مبدأ الديمقراطية التشاركية وحق المواطنين والمواطنات والجمعيات في المشاركة في صنع السياسات العمومية سواء على المستوى الوطني أو المحلي، وذلك من خلال الفصول التالية: 1- 12-13-14-15-139 وأحال إلى السلطات الحكومية والعمومية المعنية لإصدار القوانين التنظيمية المحددة لشروط وكيفيات ممارسة هذه الحقوق. وتنزيلا لفصول الدستور أعلاه وخاصة الفصل 139 المتعلق بمشاركة المواطنين والمواطنات والجمعيات في تدبير الشأن العام المحلي، انطلاقا من مبدأ الديمقراطية التشاركية، تم بمناسبة تعديل القوانين التنظيمية لكل من الجماعات والجهات والعمالات والأقاليم بالتنصيص على مواد قانونية تؤطر أنواع وكيفية وشروط هذه المشاركة. فعلى مستوى الجماعات حدد القانون التنظيمي الجديد رقم 113.14 من خلال ثلاث مواد، آليات ممارسة حق مشاركة المواطنين والمواطنات و الجمعيات في تدبير الشأن العام المحلي وهي: عقد لقاءات للتشاور والحوار(المادة 119) إحداث هيئة استشارية للمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع (المادة120) تقديم العرائض لإدراج نقطة في جدول أعمال المجالس(المادة121) و تعتبر هذه الآليات وسائل قانونية من أجل التأثير على السياسات العمومية و تنشيط النقاش العمومي . اذن ما هو التأطير القانوني لهذه الآليات ؟ و كيف يمكن من خلالها التأثير على السياسات العمومية و تنشيط النقاش العمومي ؟ أولا: وسائل التأثير على السياسات العمومية و تنشيط النقاش العمومي : 1- عقد لقاءات للتشاور والحوار: نص الفصل 13 من دستور 2011 و المادة 119 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، على أن تُحدِث مجالس الجماعات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها. فيما أحالت على النظام الداخلي للجماعة لتحديد كيفية تطبيق هذه المادة. ولهذا الغرض عملت وزارة الداخلية على إعداد نموذج للنظام الداخلي وعممته على الجماعات للعمل به مع تعديلات ممكنة لبعض المواد، وأهم ما تضمنه حول صيغ تطبيق المادة 119 أعلاه ما يلي: – يمكن لرئيس المجلس الجماعي بتعاون مع أعضاء المكتب، عقد لقاءات عمومية(مرتين او...) مع المواطنات والمواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني لدراسة مواضيع عامة تدخل في اختصاصات الجماعة والاطلاع على آرائهم بشأنها وكذا لإخبار المواطنات والمواطنين والمعنيين بالبرامج التنموية المنجزة أو الموجودة في طور الإنجاز. – يحدد رئيس المجلس مكان وتاريخ وساعة انعقاد هذه اللقاءات، ويوجه الدعوة إلى الأطراف المعنية وتعليق موعد هذا اللقاء بمقر الجماعة 3 أيام على الأقل قبل انعقاده. – يمكن لرئيس المجلس عرض تقارير اللقاءات والجلسات على مكتب المجلس للنظر في إمكانية إدراجها في جدول أعمال الدورة الموالية للمجلس الجماعي للتداول بشأنها. – لا يمكن أن تكتسي اللقاءات والجلسات المشار إليها في المواد أعلاه طابعا سياسيا أو انتخابيا، أو تكون بطلب من حزب أو نقابة. كما أن هذه اللقاءات مجرد أعمال تحضيرية لا يمكن الطعن في محاضرها. 2: تقديم العرائض لإدراج نقطة في جدول أعمال المجالس: تعتبر العريضة من الآليات القانونية الهامة للتأثير على السياسات العمومية و التي نص عليها دستور 2011 في العديد من فصوله كالفصول 15 و 139 بالإضافة إلى القانون الخاص بها و هو القانون 44.14 كما حدد القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم 113.14 في المواد من 121 إلى 125 شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات، يكون الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله. كما حدد كيفية إيداعها لدى المجالس، فيما أحال إلى إصدار نص تنظيمي لتحديد شكل العريضة والوسائل المثبتة التي سيتم إرفاقها بالعريضة حسب الحالة. العريضة: حسب مدلول القانون التنظيمي هو كل محرر يطالب بموجبه المواطنات والمواطنين والجمعيات من مجلس الجماعة بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول الأعمال. الوكيل: المواطنة او المواطن الذي يعينه المواطنات والمواطنين وكيلا عنهم لتتبع مسطرة تقديم العريضة. شروط تقديم العريضة من طرف المواطنين والمواطنات: – يجب أن يستوفي مقدمو العريضة من المواطنات والمواطنين الشروط التالي: – أن يكونوا من ساكنة الجماعة المعنية او يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا او تجاريا اومهنيا. – أن يكونوا مسجلين في اللوائح الانتخابية العامة. – أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة. – أن لا يقل عدد الموقعين عن 100 مواطنة او مواطن بالنسبة للجماعات التي يقل عدد سكانها عن 35000 نسمة،و200 مواطن ومواطنة بالنسبة لغيرها من الجماعات، غير انه يجب ان لا يقل عدد الموقعين عن 400 مواطن ومواطنة بالنسبة للجماعات ذات نظام المقاطعات. شروط تقديم العريضة من طرف الجمعيات: – أن تكون الجمعية قانونية ونشيطة لمدة تزيد عن ثلاث سنوات. – أن يكون مقرها او احد فروعها داخل تراب الجماعة – أن يكون نشاطها مرتبط بموضوع العريضة. – تودع العريضة لدى رئيس مجلس الجماعة مرفقة بالوثائق المثبتة للشروط المنصوص عليها مقابل وصل يسلم فورا. وتحال العريضة من قبل رئيس المجلس الى مكتب المجلس الذي يتحقق من استيفائها للشروط. وفي حالة قبول العريضة تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية وتحال إلى اللجنة آو اللجان الدائمة المختصة لدراستها قبل عرضها على المجلس للتداول في شانها ويخبر رئيس المجلس الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية حسب الحالة بقبول العريضة. أما في حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس يتعين على رئيس المجلس تبليغ الوكيل او الممثل القانوني للجمعية حسب الحالة بقرار الرفض معللا داخل اجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ توصله بالعريضة. ثانيا :التجربة المحلية لتقنيات التأثير على السياسات العمومية و تنشيط النقاش العمومي : سأتحدث في هذا المحور عن ثلاث تجارب أو تقنيات كانت وسيلة للتأثير على السياسات العمومية و تنشيط النقاش العمومي : 1: المذكرة الترافعية حول تحرير الملك العمومي: تحت عنوان استغلال الفضاءات والملك العمومي: مسؤولية الجماعات الترابية ومساهمة المواطنين والمجتمع المدني . في هذه الحملة الترافعية ثم عقد عدة لقاءات تشاورية على صعيد الاقليم خاصة مع جماعة العرائش و جماعة القصر الكبير و جماعة العوامرة من أجل التصدي لظاهرة الملك العمومي و من أجل وضع برنامج عمل لحل هذا المشكل على صعيد الإقليم. خصصت لإقناع المعنيين بضرورة تطبيق المقتضيات القانونية والمساطر والإجراءات المتعلقة باستغلال الفضاءات والملك العمومي وحماية السكينة العمومية على صعيد جماعات العوامرة، القصر الكبيروالعرائش التي تعاني من الاحتلال العشوائي للفضاءات والملك العمومي والاستثمار السيئ لرخص استغلال الفضاءات الخارجية للمقاهي التي تحدث ضجيجا لا يطاق أثناء عرض مباريات كرة القدم. 2: لقاء تشاوري حول جودة قطاع النظافة و دور الجماعة الحضرية للقصر الكبير : للحديث حول توجهات الجماعة في مراقبة التدبير المفوض و الخصاص في اليد العاملة و المعدات و الآليات و الحاويات .. تم الاتفاق على رفع مجموعة من التوصيات إلى الجهات المعنية التي جاءت على الشكل التالي : استحضار كافة الهفوات التي رافقت اتفاقيات التدبير المفوض للنظافة في الاتفاق الأول عند تجديد الاتفاقية مرة أخرى . – تجويد خدمات النظافة من خلال تعميمها على مختلف التجمعات السكنية وغيرها . – التزام الشركة بالحملات التحسيسية . – دعوة الجماعة الترابية بالقيام بالحملات التحسيسية . – جعل الاتفاقية المبرمة مرنة . – تكوين لجنة مشتركة للسهر على سير الاتفاقية , والقيام بمقترحات تجتمع مرة في كل شهر . – الدعوة إلى العناية بعامل النظافة وحماية حقوقه . – سن عقوبات جزرية لمخربي التجهيزات وملوثي البيئة . – تحفيز المشاريع الساعية للحفاض على البيئة من طرف المنتخبين والشركة المكلفة بملف النظافة . 3:عريضة حول الولوجيات بمدينة القصر الكبير : تم وضعها بتاريخ 22 شتنبر 2020 بجماعة القصر الكبير بسبب ضعف إعمال المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالولوجيات بمدينة القصر الكبير. و بسبب حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة وكل الأشخاص محدودي الحركة من الولوج للفضاءات المفتوحة للعموم، والتنقل باستقلالية وحرية وكرامة بفضاءات مدينتهم. وضعت هذه العريضة من أجل تمكين مجلس جماعة القصر الكبير من المساهمة بفعالية في إعمال المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالولوجيات. و التفكير في وضع آلية داخلية (داخل المجلس وإدارته)، تسهر على ضمان احترام الولوجيات خلال دراسة ملفات طلب الرخص المتعلقة بالتعمير. و تجدر الإشارة إلى أن هذه العريضة لازالت في الجماعة في انتظار قبولها و برمجتها في جدول أعمال الدورة المقبلة . و ختاما بالإضافة إلى هذه الآليات القانونية و التجارب البسيطة التي تحدثت عنها توجد آليات عديدة أخرى تساهم في التأثير على السياسات العمومية و تنشيط النقاش العمومي منها ما هو قانوني كالملتمسات و الأحكام القضائية و منها ما هو غير منصوص عليه قانونيا كالإعلام و الاحتجاج .