ما يميز انتخابات رابع شتنبر من هذه السنة والخاصة بمجالس الجماعات والجهات، أنها تجري في ظل دستور 2011 الذي علق عليه المغاربة آمالا عريضة، باعتباره أسمى قانون ترجم جزءا مهما من مطالب المجتمع المغربي في اتجاه تعزيز حقوق المواطنات والمواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، بما يساهم في صون كرامتهم، وجعل المؤسسات المنتخبة في خدمتهم، بتمكينهم من آليات تجعلهم يشاركون في صنع القرار وطنيا ومحليا وفي تتبعه وتقييمه. وقد سعت القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية في صيغتها الجديدة إلى ترجمة المقتضيات الجديدة الخاصة بمشاركة المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في المجالس الترابية، مكرسة مجموعة من الحقوق ذات الصلة بالديمقراطية التشاركية الترابية. وبغض النظر عن مدى ترجمة هذه القوانين لتلك المقتضيات المتقدمة في دستور 2011 المتعلقة بالديمقراطية التشاركية الترابية، فإن ممارسة تلك الحقوق المرتبطة بها لا يمكن أن تكون لها قائمة دون مشاركة فعلية للمواطنات والمواطنين في المسلسل الانتخابي، بصرف النظر عن ميولاتهم وطبيعة اختياراتهم. ومن أجل توضيح هذه المقتضيات الجديدة دستوريا وقانونيا في سياق هذه الحملة الانتخابية، يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على الديمقراطية التشاركية الترابية مفاهيميا وفي القانون المقارن؛ وذلك قبل التفصيل في المقتضيات الدستورية والقانونية المؤطرة لها على مستوى مجالس الجماعات، والعمالات والأقاليم، والجهات من خلال العناصر التالية: 1- مفهوم الديمقراطية التشاركية الترابية وآلياتها؛ 2- دور المواطنات والمواطنين من خلال آليات الحوار والتشاور؛ 3- حق المواطنات والمواطنين والجمعيات في تقديم عرائض؛ 4- شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين لدى المجالس الترابية؛ 5- شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات لدى المجالس الترابية. 1- مفهوم الديمقراطية التشاركية وآلياتها بحسب التعريفات المتداولة في أدبيات علم السياسة، يمكن تعريف الديمقراطية التشاركية بكونها: نموذج سياسي يستهدف توسيع انخراط ومشاركة المواطنين في النقاش العمومي، وفي اتخاذ القرار السياسي، حتى لا ينحصر دورهم فقط عند حدود الحق في التصويت والترشح والولوج إلى المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، ليشمل الحق في الإخبار والاستشارة، وفي وضع وتتبع وتقييم السياسات العمومية. من بين الآليات المعتمدة في النماذج الدولية المقارنة يمكن الإشارة إلى لجان المساواة، ومجالس الشباب، ومجالس الأحياء، والمبادرات الشعبية كآلية تتيح لكل مواطن إمكانية وضع مشروع قانون وعرضه على التصويت، سواء أمام البرلمان، أو أمام الشعب، شريطة استيفاء عدد معين من التوقيعات. ويتيح هذا الحق تفعيل فكرة الديمقراطية المباشرة، من خلال تمكين المواطنين العاديين من اللجوء بشكل مباشر إلى الأمة لاقتراح قوانين جديدة. ويختلف هذا الحق عن غيره من آليات الديمقراطية المباشرة، مثل حق النقض (الفيتو)، أو الاستفتاء الاستشاري، من حيث كونه يمنح سلطة أكبر للمواطنين. فبخلاف هذه الآليات التي تسمح فقط بالتصديق على المشاريع التي تم إعدادها أو رفضها، فإن المبادرة الشعبية تمكن المواطنين من دفع المشرع إلى اتخاذ القرار بشأن المسألة التي يختارونها. ويمكن التمييز بين ثلاثة أنماط من استشارات المواطنين: • الاستفتاءات الإلزامية، المنصوص عليها مثلا في دساتير كل من النمسا والدانمارك وإيطاليا وسويسرا؛ • الاستفتاءات الاختيارية، التي تكون بمبادرة من المواطنين كما هو الحال في النموذجين السويسري والإيطالي؛ • استشارة السلطات، التي تتم بمبادرة من السلطات، مثل الاستفتاء الفرنسي. أما بالنسبة للحق في تقديم عرائض فهو"طلب موجه للسلطات العمومية والسلطات الدستورية يلتمس تدخلها في ظروف معينة وبشأن موضوع معين".وهو"يتجسد كلما تم اللجوء إلى سلطة قائمة، من أجل تقديم شكاية أمامها لتصحيح وضع، أو لتقديم أي مطالب أخرى لمصلحة فردية، أو لطلب العفو، أو عندما يتم اللجوء إلى إحدى السلطات من أجل اتخاذ إجراء يخدم المصلحة العامة، أو من أجل تنبيهها وتوفير المعلومات التي يمكن أن تيسر المهمة الموكلة إلى هذه السلطة". وتتخذ العريضة في معظم الأحيان شكل مجموعة من التوقيعات تتذيل النص. وقد أدخلتها فرنسا في تعديلاتها الدستورية عامي 2003 و2008. كما أقرها القانون الأساسي الألماني، وجعل الدستور الأمريكي من الحق في تقديم العرائض، أحد الحقوق الأساسية الخمس إلى جانب حرية التعبير والدين والتجمع والصحافة. - ماهي الآفاق التي يفتحها الإصلاح الدستوري إذن، في اتجاه التأسيس لنظام جهوي لامركزي يعطي لديمقراطية القرب موقعا أساسيا؟ - إلى أي حد ترجمت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية المضامين المتقدمة للدستور بخصوص الديمقراطية التشاركية الترابية؟ - هل فسحت هذه القوانين مساحات مناسبة للمساهمة الفعلية في إعداد مشاريع التنمية الترابية وتتبعها؟ 2- دور المواطنات والمواطنين من خلال آليات الحوار والتشاور في تصديره، جعل الدستور المغربي لسنة 2011 من المشاركة أولى مرتكزات الدولة الحديثة إلى جانب التعددية والحكامة. واعتبر الفصل الأول الديمقراطية المواطنة والتشاركية من مقومات النظام الدستوري المغربي. وتجد آليات الديمقراطية التشاركية تجسيدها الواضح في الفصول 12 و13 و14 و15 من الدستور. أما على مستوى الجماعات الترابية - موضوع هذا المقال- فقد نص المشرع الدستوري في الفصل 139 على أن مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى، تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور من أجل مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية الترابية وتتبعها. كما نص الفصل ذاته على حق المواطنات والمواطنين في تقديم عرائض، لمطالبة المجلس الجماعي بإدراج نقطة تدخل في نطاق اختصاصه ضمن جدول أعماله. أ- بالنسبة للجماعات نصت المادة 119 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، على أن تُحدِث مجالس الجماعات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها طبق كيفيات تحدد في النظام الداخلي للجماعة. كما نصت المادة 120من القانون المذكور على إحداث لدى مجلس الجماعة، هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى: "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع"، وقد أحال المشروع كيفية تأليفها وتسييرها إلى النظام الداخلي للمجلس. ب- بالنسبة للعمالات والأقاليم نصت المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، على أن تُحدِث مجالس العمالات والأقاليم آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها طبق كيفيات تحدد في النظام الداخلي للعمالة أو الإقليم. كما نصت المادة 111 من القانون المذكور على إحداث لدى مجلس العمالة أو الإقليم، هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الإقليمية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع. وبخلاف الجماعات، أحال المشروع هنا تسمية الهيئة و كيفيات تأليفها وتسييرها إلى النظام الداخلي للمجلس الإقليمي. ج- بالنسبة للجهات نصت المادة 116 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، على أن تُحدِث مجالس الجهات آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجهة. وحددت المادة 117 من هذا القانون ثلاث هيئات استشارية تحدث لدى مجلس الجهة هي: 1. هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع؛ 2. هيئة استشارية تختص بدراسة القضايا المتعلقة باهتمامات الشباب؛ 3. هيئة استشارية بشراكة مع الفاعلين الاقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة القضايا الجهوية ذات الطابع الاقتصادي. على أن يحدد النظام الداخلي للمجلس تسمية هذه الهيئات و كيفيات تأليفها وتسييرها. 3- حق المواطنات والمواطنين والجمعيات في تقديم عرائض عرّفت مشاريع القوانين التنظيمية الثلاثة "العريضة" (المادة 122 بالنسبة للجماعات، والمادة 113 بالنسبة للعمالات والأقاليم، المادة 119 بالنسبة للجهات) بكونها : "كل محرر يطالب بموجبه المواطنات والمواطنون والجمعيات مجلس الجماعة الترابية بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله". كما أكدت القوانين الثلاثة على أنه لا يمكن أن يمس موضوع العرائض الثوابت المنصوص عليها في الفصل الأول من الدستور وهي طبعا: الدين الإسلامي، والوحدة الوطنية، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي. 4- شروط تقديم العرائض من قبل المواطنات والمواطنين لدى المجالس الترابية أ- بالنسبة للجماعات حددت المادة 123 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الشروط الواجب توفرها في المواطنات والمواطنين الراغبين في تقديم عرائض لدى مجالس الجماعات في ما يلي: 1. أن يكونوا من ساكنة الجماعة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا؛ 2. أن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الانتخابية ؛ 3. أن تكون لهم مصلحة مباشرة مشتركة في تقديم العريضة؛ 4. أن لا يقل عدد الموقعين منهم عن: مائة ( 100 ) مواطن أو مواطنة فيما يخص الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 35000 نسمة؛ و 200 مواطن أو مواطنة بالنسبة لغيرها من الجماعات، 400 مواطن أو مواطنة بالنسبة للجماعات ذات نظام المقاطعات. ب- بالنسبة للعمالات والأقاليم بحسب المادة 114 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم، يجب أن تتوفر في المواطنات والمواطنين مقدمي العرائض إلى مجالس العمالات والأقاليم الشروط التالية: 1. أن يكونوا من ساكنة العمالة أو الإقليم المعني أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا ؛ 2. أن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الانتخابية ؛ 3. أن تكون لهم مصلحة مشتركة في تقديم العريضة ؛ 4. أن لا يقل عدد الموقعين منهم عن ثلاثمائة ) 300 ( مواطن أو مواطنة. ج- بالنسبة للجهات حصرت المادة 120 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، الشروط الواجب توفرها في المواطنات والمواطنين الراغبين في تقديم عريضة إلى مجلس الجهة في ما يلي: 1. أن يكونوا من ساكنة الجهة المعنية أو يمارسوا بها نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا؛ 2. أن تكون لهم مصلحة مشتركة في تقديم العريضة ؛ 3. أن لا يقل عدد التوقيعات على ما يلي: - 300 توقيع بالنسبة للجهات التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة؛ - 400 توقيع بالنسبة للجهات التي يتراوح عدد سكانها بين مليون و3 ملايين نسمة؛ - 500 توقيع بالنسبة للجهات التي يتجاوز عدد سكانها 3 ملايين نسمة. - ويتعين أن يكون الموقعين موزعين بحسب مقرات إقامتهم الفعلية على عمالات وأقاليم الجهة، شرط أن لا يقل عددهم في كل عمالة أو إقليم تابع للجهة عن خمسة (5) في المائة من العدد المطلوب. 5- شروط تقديم العرائض من قبل الجمعيات لدى المجالس الترابية حددت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات، وبالعمالات والأقاليم، وبالجهات، الشروط الواجب توفرها في الجمعيات الراغبة في تقديم عرائض لدى هذه المجالس كما يلي: أ- بالنسبة للجماعات (المادة 124): 1. أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب طبقا للتشريع الجاري به العمل لمدة تزيد على ثلاث ( 3) سنوات، وتعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية ولأنظمتها الأساسية؛ 2. أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛ 3. أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجماعة المعنية بالعريضة؛ 4. أن يكون نشاطها مرتبطا بموضوع العريضة. ب- بالنسبة للعمالات والأقاليم (المادة 115) 1 أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب طبقا للتشريع الجاري به العمل لمدة تزيد على ثلاث ( 3) سنوات، وتعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية ولأنظمتها الأساسية؛ 2 أن يكون عدد منخرطيها يفوق المائة (100)؛ 3 أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛ 4 أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجماعة المعنية بالعريضة؛ 5 أن يكون نشاطها مرتبطا بموضوع العريضة. ج- بالنسبة للجهات (المادة 121) 1. أن تكون الجمعية معترفا بها ومؤسسة بالمغرب طبقا للتشريع الجاري به العمل لمدة تزيد على ثلاث ( 3) سنوات، وتعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية ولأنظمتها الأساسية؛ 2. أن تكون في وضعية سليمة إزاء القوانين والأنظمة الجاري بها العمل؛ 3. أن يكون مقرها أو أحد فروعها واقعا بتراب الجماعة المعنية بالعريضة؛ 4. أن يكون نشاطها مرتبطا بموضوع العريضة؛ خاتمة سبق لنا أن اعتبرنا في مناسبات سابقة، أن مشاريع القوانين التنظيمية للجماعات الترابية في صيغتها ما قبل الأخيرة، وهي آنذاك محط تداول من قبل نواب الأمة، لم تترجم مقتضيات الدستور المتعلقة بالديمقراطية التشاركية إلى أبعد مدى. ومن ذلك مثلا حصر دور آليات الحوار والتشاور في تقديم الدراسة حسب المجال والمستوى الترابي، دون التنصيص صراحة على دورها في الاقتراح وإبداء الرأي وجوبا بما يمكنها فعلا من تيسير مساهمة المواطنين في إعداد برامج التنمية الترابية وتتبعها. فضلا عن وضع المشرع شروطا اعتبرناها ثقيلة على الأفراد والجمعيات في تقديم العرائض. أما الآن وقد صارت هذه القوانين سارية المفعول، وهي كيفما كان الحال، قابلة للتعديل في المستقبل حسب تطور الحاجة، وحسب فعالية الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني. فإن تكريس حقوق المواطنات والمواطنين والجمعيات في إطار الديمقراطية التشاركية على المستوى الترابي، يقتضي أولا وقبل كل شيء مشاركة الجميع في الانتخابات الجماعية والجهوية، كحق دستوري وأيضا كواجب يتحمل مسؤوليته الناخبون من أجل مستقبل أفضل. * أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني- المحمدية