إدريس لشكر في لقاء تواصلي عن بعد: لا مجال لتقاطب إيديولوجي أو يميني في زمن كرونا أحمد رباص حل إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يوم الثلاثاء ضيفا على “مؤسسة الفقيه التطواني” في لقاء تواصلي عن بعد، للحديث عن الأحزاب السياسية وقضايا الساعة، وشاركت في هذا اللقاء ثلة من خيرة الصحافيين والإعلاميين المشهود لهم بكفاءة مهنية عالية. بدأ لشكر مداخلته بالكشف عن منطلقاته المنهجية الموصولة بتأمل ذي بعد فآسفي مفاده أن انهيار المطلقات واليقينيات حدث في زمن كرونا، معلنا أن لا هو ولا حزبه يملكأن أجوبة جاهزة ويقينية عن الأسئلة المطروحة، فلا أحد الآن يمتلك وصفة جاهزة تتضمن مخارج من هذه الأزمة وآآلبات لتفادي آثارها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. في هذا السياق، قال لشكر للحضور لقد حان دوره لطرح أسئلة للتفكير استنادا إلى التشخيص الواعي للوضعية، وإلى «التحليل الملموس للواقع الملموس»، تاركا الأجوبة الكبرى لعلماء الاقتصاد والسياسة والسوسيولوجيا، وكذا المفكرين والفلاسفة، الذين كلهم الآن بصدد الملاحظة والتأمل والتفكير، متيقنا من أنهم سيرسمون معالم العالم عموما والمغرب خصوصا في زمن ما بعد كرونا. إن الإجابة بالحسم وخصوصا ما يتعلق بالتنبؤات والمصائر أمر بعيد المنال بحسب المتحدث الذي لاحظ أن هناك الكثير من الأحكام اليوم. فنظرا لهول ما يحدث، تولدت جملة من الأحكام والتقييمات بخصوص عدد من الأشياء، وهناك تفسيرات تذهب إلى حد التخيلات بل هي أقرب إلى الوساوس لأن فيها بعدا وسواسيا، نظرا لقوة الحدث وسلطته وللرعب والذعر اللذين أحدثهما. لهذا، تحفظ شخصيا في إصدار الأحكام القطعية والحاسمة وتبقى أحسن طريقة – في نظره -هي تقديم افتراضات وتفسيرات مؤقتة ومؤجلة بحكم الوتيرة السريعة للأحداث. وما يمكنه الجزم به هو أنه أول خطر تتعرض له البشرية في حياتها، لأن 7 ملايير نسمة اليوم في حالة ذعر، أولا لأنه أول عدوان على البشرية في العالم كله، ثم لأن مصدر هذا الذعر هو آت من طرف أصغر الكائنات، وهذا من مفارقات الوضع: كائنات ميكروسكوبية لا تقاس إلا بالنانو، لها قدرة كبيرة على التكاثر والانقسام، محملة بمصل الرعب والموت، ولهذا ما ينتظرنا ربما، أسوأ مما هو واقع الآن… لكن ما هو مؤكد لدى الكاتب الأول لحزب الوردة هو أن مغرب ما بعد كورونا ليس هو مغرب ما قبل كورونا. وتابع المتحدث مداخلته بالقول إن الوضع الحالي الذي تمر منه البلاد يستدعي تظافر كل مكونات الشعب المغربي، دون فسح المجال للمزايدات والخلافات السياسية والحزبية الضيقة، ودون الحديث عن كتلة ديموقراطية أو تقاطب إيديولوجي يساري أو يميني، لأن كل ذلك غير موات لمقام اللحظة. فما نحتاجه اليوم هو كتلة وطنية بيمينها ووسطها ويسارها، بقيادة جلالة الملك، موحدة ومنخرطة بوعي ومسؤولية، لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد الوطن وسكانه. من هنا تساءل إدريس لشكر «ألن نحتاج، إذا ما طالت حالة الطوارئ الصحية التي يعرفها المغرب بسبب وباء كورونا، إلى حكومة وحدة وطنية، على اعتبار أن مثل هذه التساؤلات يجب أن نطرحها ونستحضرها، دون أن يكون لطرحها ادعاء أن هذا ما يجب أن يكون.»… ما حدث بالمغرب هو استجماع الوعي السياسي سواء من طرف جميع النخب، الثقافية والسياسية والاجتماعية. بدأ الوعي الجماعي يتشكل والتواصل بين مختلف أشكال الوعي، وهذا ستكون له انعكاسات إيجابية على التجربة التاريخية المقبلة على مستوى التعاون السياسي، والتعاون بين النخب، والتعاون الثقافي والعلمي لأن صداه التاريخي سيكون إيجابيا لأن الخطر يوحد ويبلسم الجراح، يوضح لشكر. ويلاحظ المتحدث أن الصراعات السياسية تترك آثارا وجروحا وتجعل الأحقاد السياسية والاجتماعية تتراكم، واصفا ذلك بأنه طبيعي حين يحدث في فترات السلم العام، لكن في لحظات الخطر والتهديد، الجميع يلين مطالبه واحتجاجاته وتقييماته السلبية. كما يسجل أن المغرب اليوم أظهر، وفي لحظات سابقة، أنه يمكن في لحظات معينة، أن يتلاءم فيه الوعي الاجتماعي والسياسي لتقديم المصلحة الجماعية على المصالح الفردية. يمكن القول إن مفعول الحدث الصادم سيكون مبلسما للوعي التاريخي المغربي نحو مزيد من التفاعل، ونحو مزيد من عقد اجتماعي أكثر عدالة وأكثر تسامحا وانفتاحا. إنه أول امتحان حقيقي يمر منه المغرب في العهد الحالي. هناك هبة حقيقية إذا تم استغلالها على الوجه الأصح فيمكن أن تعيد الثقة للمغاربة، لأن هذا الإجماع على إنقاذ المغاربة والمغرب قد يكون، في حال الاستفادة منه، بداية إقلاع حقيقي نحو البناء. فما كان ينقص حتى الآن هو هذا الانخراط في المسؤولية الجماعية. كيف يمكن تحويل كل هذا إلى مشروع مجتمعي؟ بما أننا في الحجر الصحي يمكن التفكير مليا في ما يمكن أن نمنحه للبلاد. إلى ذلك، أضاف إدريس لشكر قائلا: «إننا اليوم، ونحن على هذه المسافة الزمنية، لنا أن نفتخر بكل الإجراءات التي اتخذها المغرب في تدبيره وإدارته لهذه الأزمة، حيث استطعنا، بفضل كل الإجراءات والقرارات التي أعلن عنها جلالة الملك، وكذا العمل الذي قامت به مختلف المؤسسات، منها القضائية والتشريعية والتنفيذية والصحية، أن ننخرط في التوجه الاستباقي وفي الخطوات الاحترازية التي كانت تهم في منطلقاتها، بالأساس، حماية المواطن المغربي من الأذى». بعد ذلك سجل لشكر بفخر ان بلادنا من بين 52 دولة إفريقية تم الاعتراف بحسن تدبيرها للأزمة وأن كل مؤسساتها كانت سباقة إلى الاحتراز لمواجهة الجائحة، معتبرا أن المغرب اليوم في محك حقيقي، أثبت فيه المغرب بالفعل أنه دولة قوية تحترم المؤسسات سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية، وأن عملية تنزيل وتطبيق الحجر الصحي كانت نموذجا واضحا في الثقة، ودليلا على أن هناك تجاوبا مطلقا ما بين المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي. غير أن تهديد كرونا لا زال محدقا بنا كمغاربة ما يحتم علينا أن نطبق الحجر في أقصى درجاته، اليوم أكثر من أي وقت مضى، ينبه المتحدث. ثم يقر بأن الدولة المغربية فضلت الإنسان على أي شيء آخر، وأن السلطة أبانت عن علو كعبها وجندت كل أطقمها تلبية لنداء الوطن. في هذا الإطار، ذكر لشكر أن من بين حسنات فيروس «كورونا» أنه أعاد للمغاربة الثقة في الدولة، فالمغاربة تأكدوا أن هناك دولة تحميهم، بعدما لاحظوا أن المغرب نجح إلى حد كبير في تدبير الأزمة، كما لاحظوا أن الملك محمد السادس اتخذ قرارات هامة تهدف إلى حماية من فقدوا وظيفتهم، قرارات ستحمي الشركات التي قد يتعرض بعضها للإفلاس بعد الشلل الاقتصادي الذي أصاب عددا من دول العالم، ومن المؤكد أنه سيصيب الاقتصاد المغربي أيضا. المغاربة فهموا أيضا بعد أزمة «كورونا» – يواصل لشكر – الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات، ولو بإمكانياتها البسيطة، وأن دور الدولة ليس هو فقط تحصيل الضرائب من جيوب المواطن البسيط والفقير، ولكن أن تقف إلى جانبه أيضا في وقت الأزمات. كما أن المغاربة – يتابع نفس المتحدث – عرفوا أيضا الأدوار التي يقوم بها الأمن في التوعية والتحسيس وحماية حياة المواطنين، كما عرفوا أن المغرب يمكنه أن يكون مستقلا عن الدول الأوروبية في تدبير شؤونه الخاصة، وفي حماية مواطنيه وأنظمته على حد سواء، فلا مجال لأي جهة خارجية اليوم أن تزايد علينا. صحيح أن وسائل المغاربة وإمكانياتهم بسيطة، لكن الدولة بمؤسساتها وشعبها نجحت في كل الأحوال في تدبير الأزمة، بقدر المستطاع. في الأخير ذكر لشكر بالمذكرة التي قدمها حزبه للجنة النموذج التنموي الجديد، والتي كانت بعنوان «دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن»، «ولعل أهم استخلاص يمكن الوقوف عنده يرتبط بالرؤى والآليات العامة المعتمدة في تفعيل المشروع التنموي على أوسع نطاق، وخاصة على مستوى تحديد مهام وأدوار الدولة في المسار التنموي الشام”. وهنا أشار إلى منظورهم كاتحاديين لدور الدولة التي لا يريدونها وفق مبادئهم الاشتراكية وموقفهم المعارض لفكرة تحطيم الدولة، أن تكون «جهازا حارسا» يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد. فالدولة التي يربدونها حقا غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة. إنهم مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة آثار العولمة المتمثلة في إنتاج المزيد من الفقر والهشاشة.