رام الله : مصطفى منيغ … ما كان القذافي كما صوره العديد متكبراً دكتاتوريَ الكلام متعالياً على الجميع بل إنساناً وجد الحقل أمامه مهيأ يسوده الفراغ فأراد أن يملأه بما اعتقده الأهم بالنسبة لليبيا وشعب ليبيا الذي رأيتُ تأييده لسلسلة من التغييرات طرأت على دولة عاشت لمراحل على العادات والتقاليد دون الاتجاه صوب تطوير آليات نظم الحكم فيها وهي تحت الهيمنة الأجنبية لدرجة جعلت مجموعة من الضباط ، تأسست حركتهم الهادفة للإطاحة بالملكية السنوسية المنتهية فعلا بنفي آخر ملوكها إلى نهاية حياته في مصر، على تمط الضباط الأحرار وحركتهم الجاعلة حداً لفاروق وحاشيته مخلوعاً من ملكه منفياً يقضي بقية عمره ، لقد كان معي خلال المقابلة التي جمعتني به على قول الصراحة والتجوال بالحديث بين نقط تهم عرب تلك المرحلة المطبوعة بأحداث الصراع المرير القائم بين الوطنيين المستعدين التضحية حتى بأرواحهم من أجل تحرير فلسطين وتقريب الوحدة العربية لأذهان الراغبين فيها المنتشرين بقوة من المحيط إلى الخليج تحت راية عروبة مُقاوِمة تريد فرض كلمتها لكسر شوكة ما يُحاك ضد العرب من طرف إسرائيل السابحة في بحر أطماعها برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية في المقام الأول وبعدها أوربا وبخاصة المملكة المتحدة وفرنسا . كان معي متواضعا مستعدا للإصغاء الجيد المركز ، خاصة وقد خاطبته بأسلوب ما تجرأ أحد فبلي استعماله ، بما بُني عليه من صدق ومسح الخوف ليتنفس الصدر بما ضاق فيه ، وكلما لمستُ في الزعيم الليبي أريحية القبول بما هو منطق تشجعتُ ُ أكثر لأطالب بتغيير سياسته اتجاه وطني المغرب الذي اكتشفتُ أنه لا يعرفه حق المعرفة إلا من جراء العداء الشديد الذي كان يكنه الرئيس الجزائري الهواري بومدين للملك الحسن الثاني . … بعد استراحة قصيرة أرادها القذافي لطلب إحضار بعض المسؤولين عما نعتبره نحن وزارتي الخارجية والإعلام ، بوصولهم انتقلنا مشيا على الأقدام لبناية مجاورة لنتناول وجبة الغذاء والاستمرار فيما بقي من حديثي المتعلق بنشاطي الخاص كإعلامي ابحثُ عن فرصة استغلها في العمل كصاحب جريدة تسعى للعالمية كما سبق الذكر ، في هذا الصدد سألني الأخ العقيد عن رأيي في جريدة الزحف الأخضر ، أجبته دون أي مهلة للتفكير : – ما يتضمنه أي عدد جديد يدور في فلك الافتتاحية التي أجزم أنها مكتوبة من طرفك الأخ العقيد. – وما العيب في ذلك.؟ – لم أقل عيبا لكنني أتحدث عن مواد البناء لإقامة هيكل كل عدد من الجريدة على حدة ، كما يريده المهندس القائم على رئاسة التحرير، في تصاميمه الواضع فيها مواقع تثبيت النصوص وفق أهمية مضامينها، إضافة إلى تلوين الجريدة بالعناوين لجذب عقول المهتمين . – والمطلوب؟ – لكم في الجماهيرية أساتذة لا يقلون علما ولا خبرةً عن سواهم عبر العالم العربي. – هل نعتبر هذا هروبا دبلوماسيا من التعامل معنا كصحفي يتقن عمله ويملك الجرأة الفاتح بها سبل أداء مهمته دون تفكير في عوائق قد تقابله ولا ما يروجه الوشاة عن نجاحه أو فشله. – الصحفي الذي لا يثير حوله زوبعة، عليه أن يراجع نفسه ليجد ما يجعله يتقدم الصفوف بغير اكتراث لمن يجرونه ليظل خلفهم ، ويشرفني أن أكرر هذا الكلام أمام قائد ثورة يفهم جيدا معنى الجرأة ، وهو يواجه الموت في أي لحظة لإنجاح عملية انقلاب حقق به ما يطول شرحه بما فيها ما ترمز إليه هذه المقابلة ، ونحن نتبادل الحديث بهيبة الشرفاء ، وعزة الأحرار، ونخوة الواثقين من أنفسهم ، فلو لم تكن تلك الجرأة لما كنا على ما نحن عليه الآن . في تلك الآونة أمر القذافي المسؤول على الإعلام بالاستماع لمطالبي وتنفيذ ما قد يأتي فيها جملة وتفصيلا ، كما طلب من المسؤول على الشؤون الخارجية أن يسهر على تنظيم زيارة رسمية للمغرب في أقرب الآجال تتضمن سلسلة من اتفاقيات التعاون والتضامن لفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين . … وهو يصافحني مودعا طلب مني أن أزوره متى حضر للمغرب. (يتبع)