دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    مقتل شخص أطلق النار في محيط السفارة الإسرائيلية بالأردن    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    إيداع أبناء شخصيات بارزة في عالم الاقتصاد السجن في قضية اغتصاب محامية فرنسية    الرباط.. التحقيق مع شرطي متهم ب"استغلال النفوذ"    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        نزار بركة: تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النباح بين الدارج والفصيح
نشر في العرائش أنفو يوم 26 - 09 - 2018


محمد إنفي
لقد أحيى وجود بضع كلمات بالدارجة المغربية في كتاب اللغة العربية المخصص للسنة الأولى ابتدائي (إذا لم تخني الذاكرة) الجدل حول اللغة العربية والدارجة المغربية، فيما يخص لغة التدريس. ويبدو، من خلال بعض المؤشرات، أن هذا الجدل مرشح لمزيد من الحدة ومن الانزلاقات التعبيرية التي تتنافى وأخلاقيات الحوار وقواعد تدبير الاختلاف.
لا أزعم أنني متتبع جيد لهذا الجدل. وقد فسرت أسباب عدم تفاعلي معه في مقال سابق بعنوان " عن الجدل الدائر حول اللغة العربية والدارجة المغربية" ("تطوان بلوس"، 10 شتنبر 2018). وتأتي تطورات هذا الجدل والأبعاد التي اتخذها لتعطي الحق للذين يرون أنه مفتعل بقصد إلهاء الناس عن المشاكل الحقيقية (وما أكثرها !!!)التي يعرفها القطاع (وكذا البلاد).
وما كنت لأعود للموضوع لولا عمود "كسر الخاطر" للصحافي والأديب، الأخ والصديق عبد الحميد جماهري الذي كتب مقالا بعنوان مثير، يحيل على ما وصل إليه النقاش حول هذا الموضوع من ترد وسقوط وما لحق الخطاب من تدن وسفاهة: "سؤال فلسفي في المغرب: هل النباح دارج أم فصيح؟"(جريدة "الاتحاد الاشتراكي"، 18 شتنبر 2018)، مستهلا إياه بالقول: " لنتفق أولا: الكلاب لا تصنع فرصا جيدة للحوار ولا للنقاش حول الأشياء الضرورية.."، مضيفا: "النباح لا يكون دارجا ولا يكون فصيحا. النباح، نباح فقط !".
قد أكون أدركت الطبيعة "الفلسفية" الساخرة للسؤال وحصلت عندي القناعة بعمقه؛ لكن إشكالية الهوية اللغوية للنباح، تبقى، في نظري المتواضع، قائمة رغم لغة الحسم التي تحدث بها الأستاذ عبد الحميد جماهري؛ ذلك أن النباح، كما هو معلوم، هو تعبير غريزي عن الشعور بالتهديد؛ وهو، بذلك، إعلان، ب"لغة الكلاب"، عن القدرة على الدفاع عن الحمى أو، على الأقل، إظهار هذه القدرة. كما يمكن للنباح أن يكون ردا على نباح آخر، استشعر خطرا، فأطلق تحذيرا، فتجاوبت معه كل الكلاب الموجودة بالمنطقة (النباح الجماعي) التي يُسمع فيها ذاك النباح. ويمكن أن يكون للنباح معان أخرى، مثل التعبير عن الرضا أو الخوف أو الجوع أو العطش، الخ. وفي كل حالة، يكون للنباح نبرة معينة، تسمح بتحديد مستوى حدة أو ضعف هذا النباح؛ وبالتالي، تحديد مبناه ومعناه.
ورغم أن النباح يبقى نباحا، بغض النظر عن نبرته، فإنه، باعتباره ذا معنى وذا رسالة، يتحول إلى "خطاب" له سياق وله مرسل ومستقبِل. ولهذا الأخير أن يستقبل "الرسالة" باللغة التي تناسبه وحسب فهمه الخاص لهذه الرسالة. وفي وضعنا المغربي الحالي، يمكن، حسب السياق، أن يُستقبل النباح ويُفهم (كرسالة) بإحدى اللغتين الرسميتين للبلاد (العربية أو الأمازيغية، أو بهما معا) أو باللغة الدارجة.
وقد يحتاج المستقبِل إلى الاستنجاد بالبلاغة؛ ذلك أن للنباح استعمال مجازي أيضا؛ وهو ما جعله مصدرا لكثير من الأمثال والحكم بجل (حتى لا أقول بكل) لغات العالم. وفي وضعنا المغربي (وحتى المغاربي)، لا أتصور أمثالا أو حِكما حول النباح (وغيره)- سواء ترجمت عن اللغات الأخرى أو نبتت أو استنبتت في البيئة المحلية- خارج اللغة العربية الفصيحة أو الدارجة وخارج الأمازيغية.
لكن المثير، هو أن يجد النباح مكانا له في الجدل الدائر بين دعاة استعمال الدارجة في التعليم وبين الرافضين لهذه الدعوة باسم اللغة العربية الفصحى. ومن مفارقات هذا الجدل، أن يستنجد متزعم هذه الدعوة بمثال عربي(ينسب إلى الإمام الشافعي) فصيح ومشهور("القافلة تسير والكلاب تنبح")، فيتم الرد عليه، "رسميا"، من طرف رئيس الحكومة باللسان المغربي الدارج ("حنا للي خاصنا نقولوها ليه").
يبدو أن السيد نور الدين عيوش من هواة "البوليميك"؛ لذلك تجده يحشر أنفه في مواضيع إشكالية، أحيانا لا تعنيه في شيء، كما هو الشأن في الجدل الحالي. فهو ليس مؤلفا للكتاب الذي تسبب في هذا الجدل؛ وليست له أية مسؤولية رسمية، في اعتقادي، تخول له حق الدفاع عن إقحام كلمات بالدارجة في الكتاب المدرسي المعني.
وتُبين تطورات الجدل بين الفصحى والدارجة أن عيوش لا يقبل الانتقاد من قبل معارضي الدارجة في التعليم. ولم يجد، للرد على منتقديه، سوى المثل القائل: "القافلة تسير والكلاب تنبح". لقد اختار، من أجل "الترافع" عن مشروعه (التدريس بالدارجة) "لغة النباح" بالفصيح، فنزل بالنقاش إلى الحضيض، بدل أن يسمو به. وقد تم الرد عليه بنفس اللغة (لغة النباح)، لكن باللسان المغربي الدارج، خاصة على صفحات الفايسبوك. وهذه مفارقة، كما أسلفت. وهي تبرز، إلى حد ما، مدى تعقيد الوضع اللغوي ببلادنا، والذي لا يزيده النباح، بمعناه المجازي، إلا غموضا وتعقيدا؛ بحيث يمكن القول بأن دعاة التدريس بالدارجة، خاصة الغلاة منهم، "ينبحون" بالفصحى وخصومهم المتشبثون باللغة العربية الفصيحة "ينبحون" بالدارجة. ألا يدعو هذا الأمر إلى ترك الشأن بين يدي أهله بدل استسهال القضية والانخراط في "النباح الجماعي"؟
شخصيا، لا زلت عند رأيي بكون "نقاش مثل هذا الموضوع الجدي والهام [موضوع لغة التدريس] يحتاج إلى أهل الاختصاص". وأعني بهم "علماء اللغة (أو اللسانيين) وعلماء البيداغوجيا (أو علماء التربية)، وكذا المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي..."("تطوان بلوس"، 10 شتنبر 2018).
ولا أعتقد أن عيوش يتوفر، علميا، على ما يجعله من أهل الاختصاص. فما هو معروف عنه أنه يشتغل بالإشهار. وعضويته بالمجلس الأعلى للتعليم لا تعطيه الحق في أن يخوض، خارج هذه المؤسسة، في قضية بهذا الحجم وهذه الخطورة. كما أن الكثير من منتقديه ليسوا أحسن منه حالا، لا على مستوى أخلاقيات الحوار ولا على مستوى فن قبول الاختلاف.
خلاصة القول، أعتقد أن تبادل السب والشتم (أو بالأحرى النباح) بين دعاة التدريس بالدارجة وأنصار الفصحى، يقوم دليلا على غياب المناعة الأخلاقية لدى الطرفين؛ وهو ما لا تستسيغه لا الدارجة ولا الفصحى (وقد أعود لهذا الموضوع مستقبلا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.