دعا السياسي المغربي الهولندي المخضرم محمد الرباع إلى مقاطعة الانتخابات المزمع تنظيمها في المغرب في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، لأنها تجري في الواقع بين "الملك والملك" وأن الأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية لا تقوم إلا بدور "فلكلوري" وهامشي يدفع المغاربة نحو المقاطعة. وأضاف محمد الرباع في ندوة صحفية عقدت يوم الجمعة في مقر الندوات بالبرلمان الهولندي أن الدستور الجديد لم يقلص من سلطات الملك، وإنما جعل الملك "أكثر ملكية مما كان عليه في السابق". وضعية لم تتغير شدد محمد الرباع، وهو أول مغربي يصل قبة البرلمان الهولندي (1994- 2002) في الكلمة التوضيحية التي افتتح بها الندوة الصحفية التي نظمتها تنسيقية 20 فبراير الشبابية في هولندا، على أن "جميع أدوات اللعبة (السياسية) تجتمع في يد شخص واحد وهوالملك: "لم يتخل الملك عن أية سلطة، بل على العكس عزز كل سلطات نظامه في يده. التحول الوحيد على الصعيد التشريعي هو أن الملك في الدستور القديم كان مقدسا ولا تنتهك حرمته، والآن تم التخلي عن صفة 'القداسة‘ ولكنه، وبصفته رأس الدولة وأمير المؤمنين، ما تزال حرمته غير قابلة للانتهاك؛ بمعنى لا يحق لأحد أن ينتقده". على الصعيد النظري سجل الرباع بعض الفقرات الإيجابية في الدستور الجديد مثل احترام الحق في الحياة وحرية التعبير والصحافة وحقوق الإنسان، غير أن هذه الحقوق كلها تنتهك يوميا على أرض الواقع المغربي. ومما استخلصه السيد الرباع من استعراضه لمضامين الدستور الجديد، وعلى عكس ما يتم الترويج له رسميا، هو أن "وضعية الملك في الدستور الجديد لم تتغير قيد أنملة، وأصبح الملك، على العكس، أكثر ملكية مما كان عليه في السابق". ملك ضد ملك دستور جديد يقود إلى انتخابات جديدة، هذه هي المعادلة التي يقبل عليها المغرب في استحقاقات الخامس والعشرين من شهر نوفمبر الجاري. وقد سبق للعاهل المغربي محمد السادس أن جدد في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء (6 نوفمبر) دعوته لإجراء انتخابات "نزيهة" و "شفافة". إلا أن المؤشرات تدل على أن العملية الانتخابية ستجري وفق العقليات السابقة التي تتجاهل الاهتمامات الحقيقية للمواطن المغربي وتبعده بالتالي عن المشاركة السياسية. ويذهب محمد الرباع الذي شارك في الندوة الصحفية في لاهاي يوم الجمعة 11 نوفمبر كداعم أساسي لتنسيقية حركة 20 فبراير في الديار الهولندية، إلى أن الاستحقاقات القادمة لعبة مكررة وأن الأحزاب السياسية المشاركة في العملية لا دور لها في الواقع سوى تزكية الوضع القائم، وأن التنافس الحقيقي في هذه الانتخابات هو "بين الملك والملك": "على الرغم مما تقدمه بعض الأحزاب السياسية من مظاهر فلكلورية وحملات انتخابية وما إلى ذلك، فإن الانتخاببات تجري في الواقع بين الملك والملك. وما تقوم به بعض الأحزاب السياسية هو فقط محاولة دفع المواطنين المغاربة إلى الاعتقاد بأن هناك فعلا انتخابات حقيقية". رسالة واضحة ويرى السيد الرباع أن القصر، في المحصلة، هو من يتحكم في إحداثيات الخارطة السياسية، وهو من يعيد تشكيلها وفق قواعده وتصوره وحساباته. وهذا ما دفع المغاربة إلى الملل والتعب من العملية كلها: "لقد تعب المغاربة من مثل هذه الانتخابات، وهذا ما ظهر جليا في الانتخابات الأخيرة حينما لم يذهب إلى التصويت سوى 37 في المائة من إجمالي الناخبين المسجلين. وإذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة 17 في المائة ألغيت أصواتها، فإن نسبة التصويت الحقيقية كانت جد متدنية. هل هناك أوضح من هذه الرسالة"؟ وبدخول تنسيقيات الخارج الداعمة للحراك المغربي في معترك الدعوة لمقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة في المغرب، ترتفع وتيرة الداعين للمقاطعة من أحزاب وتنظيمات وشخصيات. وهذا ما يضاعف من مخاوف تكرار سيناريوهات المقاطعة خلال الانتخابات التشريعية (2007) والانتخابات المحلية (2009). للمزيد من التقارير حول الانتخابات البرلمانية في المغرب، راجع الملف المنشور في موقع: هنا أمستردام وموقع بوصلة الناخبين في المغرب: www.bosala.nl محمد الرباع ولد محمد الرباع يوم 8 مارس 1941 في برشيد (المغرب). فر إلى هولندا عام 1966 حينما كان يدرس الفلسفة في الجامعة. أكمل دراسته في جامعة أمستردام شعبة العلوم الاقتصادية. انخرط مبكرا في العمل السياسي مدافعا عن أوضاع العمال الأجانب في هولندا. أصبح مديرا للمركز الهولندي للأجانب من 1983 إلى 1994 وهو العام الذي انتخب فيه نائبا في البرلمان الهولندي باسم حزب اليسار الأخضر إلى غاية 2002. تميز عمله كبرلماني حينما عين عضوا في لجنة تقصي الحقائق في ما يسمى قضية IRT بخصوص الجريمة المنظمة. عرف كذلك بموقفه من الغضب الذي عم المسلمين بعد نشر كتاب "آيات شيطانية" للروائي البريطاني الهندي سلمان رشدي، حينما قال الرباع إنه "يتفهم" محاولات المسلمين في هولندا منع نشر الكتاب، لكن عبر الوسائل القانونية (القضاء) والديمقراطية. عين محمد الرباع بعد مغادرته البرلمان (2002) في منصب "محافظ قانوني" ببلدية لايدن، إلا أن المرض حال دون استمراره في عمله. وبعد ذلك واصل نشاطه السياسي منخرطا في القضايا التي تهم الجالية المغربية والإسلامية في هولندا مما أثار حفيظة القيادة السياسية داخل حزب اليسار الأخضر، وخاصة حينما ظهر محمد الرباع كشخصية محورية في جر السياسي الهولندي المثير للجدل خيرت فيلدرز للمحاكمة متهما إياه بالميز العنصري تجاه المسلمين. قدم محمد الرباع استقالته من الحزب، وواصل نشاطه السياسي عن طريق الندوات واللقاءات الصحفية. وبعد انطلاق الحراك السياسي الشبابي في المنطقة العربية، عبر عن مساندته لحركة 20 فبراير المغربية متبنيا مطالبها ومنسقا مع شبابها في تنسيقية هولندا.