يوم بعد اخر ينكشف زيف شعارات الادارة الأمريكية بشأن الديمقراطية وحقوق الانسان والاشادة بما بات يطلق عليه بالربيع العربي بعد انهيار الأنظمة الرجعية المستبدة في كل من تونس وليبيا ومصر. أمريكا ومعها أوروبا، لا يجدان حرجا سياسيا وأخلاقيا حينما يدعوان الطرفان الفلسطيني "المغتصب للأرض" والاسرائيلي "المحتل الغاشم "الى ايجاد حل من خلال المفاوضات المباشرة بعد مضي سنوات عن أوسلوا،والتي لم تفضي الا لمزيد من الاستيطان والمذابح والقتل في غزة وجنين والضفة الغربية.. الخارجية الأمريكية التي اعتبرت أن الحل لا يوجد في نيويورك بل في رام الله والقدس عبر تصريح الوزيرة هيلاري كلنتون، عليها أن تستحيي قليلا من كثرة الكلام المنمق عن الربيع العربي، الذي أسقط أنظمة استبدادية تسلطية تمتعت بدعم سخي من قبل الادارة الأمريكية طيلة فترة حكم شعوبها بمنطق بسماركي. عليها أيضا أن تخجل من نفسها قليلا قبل أن تشرع في تهديد المستضعفين من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بقطع المساعدات عنهم، ان هم صوتوا لإعلان الدولة الفلسطينية من داخل هذا التنظيم الأممي، الذي لا تعدوا أن تكون قراراته مجرد توصيات غير ملزمة قانونا. هل نسيت الادارة الأمريكية أن قرار تقسيم الأرض الفلسطينية واحتلالها، تم بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947؟لماذا تقف حجرة عثرة أمام العالم الحرلإعلان دولة فلسطين المستقلة في حدود 1967 من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ المشكلة التي تواجه الغرب في تعاطيه مع الصراع العربي الاسرائيلي، مشكلة أخلاقية كبرى، فهو لا يتوقف عن الادانة والاستنكار والمطالبات الدولية بضمان أمن واستقرار الكيان الاسرائيلي، لكن حينما يتعلق الأمر بمطالبة الدول لوقف مجازر الصهيونية في حق شعب أعزل ووقف نزيف الاستيطان لأرض محتلة ومغتصبة بقرار وحماية دوليتين، تثور ثائرة الغرب وأوروبا وتتعبأ كل قواه لتبييض صورة الجلاد الصهيوني والدفاع عن مشروعية أفعاله. أمريكا التي تدين الأعمال الوحشية للنظام الدموي في سوريا وتناشد العالم بوقف حمام الدم بريف دمشق وحمص واللادقية ودرعة، هي التي تصادر اليوم حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة في حدود 1967 من خلال الضغط في اتجاه تحويل النقاش من أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة الى رام الله والقدس. وهي أيضا التي تحالفت مع دول الخليج لا جهاض حلم البحرينيين واليمنيين في الاصلاح والتغيير. الربيع العربي الذي دشنته الشعوب العربية من تونس واسقط الأنظمة الاستبدادية في مصر وتونس وليبيا ومن المحتمل جدا في سوريا واليمن، لم يعد يسمح باستمرار الضحك على دقون الشعوب العربية، بمواقف وسياسات متناقضة ومكرسة لمنطق الكيل بمكيالين. الشعوب العربية لا تكره كما تدعي ذلك الادارة الأمريكية الشعب الأمريكي، ولا تكن العداء للدولة الأمريكية، كما حاولت ادارة الرئيس السابق جورج بوش الابن الترويج لذلك عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الارهابية في وسائل الاعلام. بل انها " الشعوب" تكره السياسة الخارجية الأمريكية القائمة على المكر والخداع، تكره الانحياز المطلق لإسرائيل ولجرائمها ضد الانسان العربي المسلم والمسيحي والدرزي في لبنان وفلسطين. ان المدخل الأساسي لتصحيح صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية عند العرب والمسلمين، يرتبط أساسا بترك المجال للشعوب العربية في أن تقرر في مصيرها وتوفير كل الحرية لها في اختيار نطمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تراها مناسبة لها، دون حجر أو وصاية. كما يرتبط بهجر سياسة الكيل بمكياليين في التعاطي مع قضايا الشعوب. من حق الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تكون لديها مصالح مع كل الدول، ومن حقها أيضا أن تحفظ أمنها القومي من كل المخاطر التي تهدده. لكن في مقابل ذلك، عليها احترام الشرعية الدولية وحكم القانون، عليها واجب الدفع في اتجاه احترام القانون الدولي الانساني وتعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة. السلوك السياسي للولايات المتحدةالأمريكية الى حدود هذه اللحظة غارق في الازدواجية، ولا يشي بإمكانية التحول في القريب العاجل، على خلفية الموقف مما يجري اليوم في اليمن وسوريا والبحرين، وعلى خلفية التدخل المباشر لإجهاض اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.