يؤسفني ويحز في نفسي أنني مضطرة للكتابة هاته المرة عن بعض من أبناء جلدتي من نساء ورجال التعليم ،ولا يكاد قلمي يطاوعني، لكنه موقف لابد أن أعبر عنه لأبقى متصالحة مع ذاتي ،ولا أظنهم يرغبون في أن أجاملهم وأخسر احترامي لنفسي بالصمت عن مهزلة عايشتها في الامتحان المهني الأخير المتعلق بالترقية . يتعلق الأمر بالغش الذي أصبح هو القاعدة و الاستقامة هي الاستثناء، فقد رغب البعض في تحويل قاعة الامتحان الى سيرك تتنوع فيه أساليب الكذب على الذات وعلى الاخرين، كامتداد لزيف يشوب الحياة العامة وليس قاعات الامتحان فقط ،وهو ما يحيلنا على أصل الداء المرتبط بأزمة أخلاقية خطيرة تلغى فيها كل الاعتبارات الا الاعتبارات المادية التي يتم اللهاث خلفها دون هوادة و أيا كانت الوسيلة. ففي الوقت الذي يعجز فيه بعض زملاء المهنة عن التنسيق لمقاطعة الامتحانات المهنية المتعلقة بالترقية ،والنضال بطرق مشروعة من أجل الادماج مباشرة بعد اتمام المدة القانونية للترقي ، يجدون حلا اخرا مخجلا ومحرجا ومسيئا لصورتنا ،والذي هو التحايل على اكراه الامتحان بالغش ،وهو بالطبع ما يجعلنا نتساءل كيف يتم التعامل مع التلاميذ في حالة ضبطهم يغشون ؟وكيف يمكن لرجل تعليم أن يقنع التلميذ بكون الغش أمرا منبوذا اذا كان هو نفسه يمارسه، أم أن السماح للتلاميذ بالغش جزء لا يتجزأ من أخطبوط الفساد الذي زحف على كل شئ حتى المؤسسات التعليمية التي من المفترض أنها ترقى بالمجتمعات وتنتج مواطنين ينتظر منهم رصد الفساد ومحاربته؟ لقد ارتأيت عدم التركيز على المنع القانوني للغش والذي ورد في الظهير رقم 1- 5 - 60060 وركزت على الجانب الأخلاقي للظاهرة ، بحكم ارتباطها بمن يفترض فيهم تربية الأجيال على القيم والأخلاق ، وليس على بيع كرامتهم على مرأى من الجميع مقابل زيادة في الأجرة .ان رؤية أستاذ يفتح كتابا أثناء امتحان ،و اخر يسترق النظر الى أوراق موضوعة جانبه بطريقة صبيانية ليجعلنا نخجل من تقاسم المهنة مع أمثال هؤلاء . يبقى السؤال ما سبب سكوت المسؤولين عن هاته الظاهرة ؟ من الواضح أنه هو فساد أكبر من الغش في الامتحان يرغب المسؤولون في أن يصمت عليه رجل التعليم، مادام منخرطا فيه بطريقة ما حتى و ان كانت هاته الطريقة مختصرة في فتح كتاب على طاولة امتحان. ومن الأمور المثيرة أن البعض لا يخجل من اقتراف الغش بل يتمنطق للدفاع عنه ووصفنا اذا ما احتججنا عليه بأننا ناقصي عقل، بل ويفرغ ما في جعبته من السفسطائية و"الواقعية"لتبرير هذا التصرف المشين ،كما يذهب البعض الى أننا لا نتفهم ظروف رجل التعليم المزرية ،متناسيا أننا نتقاسمها معه و أن الغش في امتحان مهني يهيننا ويمس كرامتنا جميعا كأساتذة ،و لا نظنه الحل الأمثل لظروف نساء ورجال التعليم المزرية . ومما ينذر بانقلاب غريب في المفاهيم هو تبرير المسؤولين عن الحراسة في الامتحانات صمتهم بالشعور بالحرج من مصادرة كتاب أو ورقة من أساتذة راشدين ،أو تحرير تقرير في حقهم، فمن من المفترض أن يحس بالحرج؟ ان ما عايشته يومي 9 و10 شتنبر أمر خطير جدا أصبح مألوفا لكثرة ما صمت عليه الجميع، وبرر البعض صمته بأن الامتحان مجرد امتحان شكلي وأن نتائجه محددة سلفا .لهؤلاء أقول ان فساد أي مسؤول أيا كان ليس مبررا لفسادنا ،بل ان استقامتنا هي التي تعطينا الشرعية لمحاربة فساده بالطرق المشروعة والواضحة وعبر قنوات متعددة . ان السماح لرجل تعليم بالانحناء لسرقة معلومة في كتاب أو ورقة في قاعة امتحان، انما وسيلة لضمان انحنائه أمام ما يمارس عليه من ظلم ،ووسيلة لضمان صمته على أمور خطيرة تحاك ضده، لعل اخرها نقل البعض بطريقة غامضة وغير شفافة طبخت في دواليب الوزارة وتحدثت عنها وسائل الاعلام.