تعتبر الجزائر البلد المغاربي الأكثر قربا من المغرب سواء من حيث المعطيات الطبيعية(الساحل المتوسطي ،جبال الأطلس ،الصحراء..) أو من حيث المعطيات البشرية وما يتعلق بروابط الدم واللغة والتاريخ. لكن و كما يعرف الجميع فالحدود البرية بين المغرب و الجزائر مغلقة مند ما يقارب العشرين سنة حتى كدنا ننسى في المغرب أن هناك جارا لنا في الجهة الشرقية إسمه الجزائر، ولاشك أن الأمر نفسه عند الإخوة الجزائريين . والنتيجة و بكل أسف هي أن المعلومات التي نعرفها و نتداو لها عن بعضنا البعض صارت قليلة و نادرة. صار المغرب و الجزائر وكأنهما بلدين متباعدين تفصل بينهما بلدان و دول أخرى. حين الحديث عن العلاقات المغربية الجزائرية تقفز إلى الدهن أولا المشاكل السياسية من قبيل مشكل الصحراء، التنافس الإقليمي، التهريب، الإسلام السياسي، وغير دلك... لكن أ ليس طبيعيا أن تكون بين البلدين بعض المشاكل بحكم الجوار ؟ فحتى داخل البيت الواحد و الأسرة الواحدة توجد أحيانا بعض المشاكل. الموتى وحدهم من ليس لهم مشاكل كما يقول المثل ، ثم إن المسؤولية الثابتة في هدا الشأن تجعل أصابع الاتهام تتجه مباشرة نحو الحاكمين الدين هم وحدهم من يفشل في إيجاد الحلول أو لنقل بصراحة إنهم لا يرغون في دلك بتاتا. فالواضح اليوم أن المشكل لا وجود له بين الشعبين المغربي و الجزائري وإن أسست الجمعيات للدفاع عن إغلاق الحدود بشكل يثير بعض السخرية والضحك. لنلاحظ، على سبيل المثال لا الحصر ، كيف يعشق الجمهور المغربي مختلف ألوان الغناء الجزائري : الشاب خالد ،الريميتي ،بلقاسم بوثلجة، رابح درياسة، محمد بلخياطي، دحمان الحراشي ، الشيخ العنقة*... و لنتذكر أيضا كيف يصفق الجمهور الرياضي المغربي لإنجازات المنتخب الجزائري سواء خلال مونديال 1982 بإسبانيا أو خلال مونديال جنوب أفريقيا وكيف يغنى و يهتف : وان.. تو.. تري... فيفا لالجيري.... لنلاحظ أيضا أن الشعب الجزائري في المقابل ينظر بدوره إلى المغرب وما يرتبط بالمغرب بكثير من الاهتمام لدرجة أن هناك من الدراسات من تخلص إلى أن ما يحدث بالمغرب يعتبر في الجزائر شأنا داخليا: فالمحطات الإذاعية المغربية(ميدي 1 نموذجا ) وبعض البرامج التلفزيونية المغربية( شميشة،السهرات الأسبوعية...) تحظى داخل الجزائر بدرجة متابعة حقيقية و محترمة. مؤخرا خلال سهرات رمضان قدمت إحدى القنوات التلفزية المغربية عرضا لأحد الفنانين الهزليين الجزائريين هو عبد القادر السيكتور و رأينا كيف أضحك هدا الفنان الجمهور، بدا العرض و كأنه يحدث في إحدى المدن الجزائرية كعنابة، بجاية أو تلمسان و ليس في المغرب بمراكش. إننا نفهم بعضنا و نهتم يبعضنا البعض فلم لا نفتح الطريق لنعرف بعضنا؟ الدراسات المتخصصة تقول إن الحرب مستبعدة جدا بين البلدين، فلم لا نفتح الحدود إذن؟ لم لا نفسح المجال لتشمل العلاقات بيننا مختلف أوجه التعاون وتوفير كل سبل النجاح كما يقال في نشرات الأخبار؟ لم يقف مستوى التعاون بين البلدين في حدود محتشمة جدا لا تتعدى الكهرباء والغاز؟ لم نغلق الأبواب في وجه بعضنا؟ هل هدا ما كان يتمناه أسلافنا في المغرب و الجزائر إبان فترة التحرير ضد الاستعمار؟ ألم نبتعد قليلا عما خطط له الرواد الأوائل من جيل الاستقلال؟ أهكدا نحرس على وصية الأجداد لنصير نموذجا يحتدى به و نكون خير خلف لخير سلف ؟ الحدود المفتوحة ستمكن الناس من التنقل بحرية و سهولة فيصير بإمكان المغربي أن يقضي عطلة نهاية الأسبوع في وهران أو تلمسان، وبالمقابل سيتمكن أيضا الجزائري من الوصول إلى فاس و مراكش و أكاد ير. لكن قبل هدا و دلك ستتم الاستجابة من دون شك لمطلب إنساني عاجل و ملح يتمكن معه مئات الآلاف من الناس من حقهم في صلة الرحم بأهلهم ودويهم، فمنهم من فقد الأمل و أضاع الاتصال بأهله باستسلامه لليأس من جراء طول مدة الإغلاق. و منهم للأسف من لم يعد قادرا على التعرف على بعضهم البعض، فقد كبر من كبر و توفي من توفي. طبعا سيترتب عن فتح الحدود استفادة الخزينة العامة في كلتا الدولتين من الموارد الجمركية المرتبطة بالمبادلات التجارية والتي تذهب حاليا إلى جيوب المهربين. و سيترتب عن هدا الوضع أيضا تمكين كثير من الأفراد و المؤسسات من فرص التنقل للاستثمار و التسويق في كلا البلدين مما يترتب عنه خلق دينامية اقتصادية جديدة بالمنطقة ستؤثر حتما على حركة الرواج و خلق فرص الشغل. ثم لنلاحظ أيضا شيئا قد يكون بسيطا لكنه يبدو مهما: فإذا فتحت الحدود سيصير بإمكان المسافر الجزائري أن يستعمل شبكة الطرق السيارة بالمغرب والتي أصبحت تربط الغرب الجزائري مباشرة بإسبانيا و أوروبا ؟ ويصير أيضا بإمكان المسافر المغربي من الوصول برا إلى تونس و ليبيا و مصر... ربما لهاته الأسباب بالضبط تغلق الحدود، فلكل زمان أشقياؤه ومن يدري قد يستمر إغلاق هده الحدود 20 سنة أخرى أو ربما 30 أو 50 سنة أخرى و سيذهب أصحاب القرار في بلداننا لملاقاة ربهم وهم مطمئنون لما فعلت أياديهم. شخصيا، وكمواطن مغاربي بسيط ، قمت بدافع الفضول و الإطلاع بزيارة للجزائر، لم تكن لدي أية مصلحة مادية مباشرة هناك، تنقلت بين مختلف مدن الشرق والغرب الجزائريين، التقطت كثيرا من الصور و تحدثت إلى ما استطعت من الناس فبدا لي أن بجوارنا فعلا في الجهة الشرقية شعب طيب و نبيل. صحيح أن الجزائريين يسموننا ب " المروك " أجل ،لكن ما العيب أو الضرر في دلك ، المهم أنهم حينما يعرفون أنك مغربي لا يظهرون نحوك بالتحديد أي سلوك عدواني أو سيء. لم يتم التمسك إذن بإغلاق الحدود؟ فمرة أخرى: هل فقط لنخنق بعضنا البعض؟ أم أن هناك بلدا هو في حاجة إلى مقولة الخطر و العدو الخارجي لضمان الاستقرار و تبرير الوضع الداخلي؟ أم لأن المغربي والجزائري حينما يلتقيان سيتحدثان بالضرورة وسيقارنان بين الوضع هنا و هناك فتتضح لهما الصورة و تنكشف مزاعم الحكام و زيف إدعاءاتهم بالتقدم و الازدهار ؟ من الواضح اليوم أن المشكل بين المغرب و الجزائر هو نزاع يخص أصحاب القرار السياسي لوحدهم ولا علاقة له بمشيئة و رغبة الشعبين. الحدود المغلقة هي اليوم حقيقة مؤكدة لكنها ليست قدرا محتوما، فالتاريخ لن يرحم و الأجيال القادمة ستجد من دون شك صعوبة في فهم دواعي هدا الإغلاق الذي لن يصمد أبدا مهما وفرت له من مبررات. * هامش: في ندوة صحفية يوم الأربعاء07 سبتمبر 2011 على هامش مهرجان الناضور -بالمغرب- صرح الشاب بلال: الشعبين المغربي والجزائري تفرقهما التسمية و يجتمعان في كل شيء. . الشاب بلال لم يفوت هاته الفرصة للمطالبة بفتح الحدود البرية بين الجزائر والرباط.