* 05 أكتوبر, 2018 - 08:47:00 يوم 2 مارس 1937 رزق الحاج احمد بوتفليقة، في بيته الكائن بزنقة "أشقفان البراني" في المدينة القديمة بوجدة، بمولود ذكر اختار له من الاسماء اسم عبد العزيز، وذلك أغلب الظن، تيمنا باسم الملك عبد العزيز آل سعود، الذي كان حجاج ذلك الزمن ينقلون دعاياته بكونه "صاحب السيف المسلول الذي سيوحد الامة ويقيم العدل". ولما كبر الطفل عبد العزيز، التحق بمدارس المدينة كسائر اقرانه الوجديين، والتي كانت اولاها مدرسة سيدي زيان، وأخرها ثانوية عمر بن عبد العزيز مرورا بثانوية عبد المومن بن علي.وعلى ما يحكي مجايلوه،فانه كان أحد نجباء المدينة من التلاميذ،حتى أنه كان ينافس كلا من الشهيد عمر بن جلون، والوزير المغربي في عقد الثمانينات موسى السعدي،وعدد محدود من التلاميذ النجباء، على احتلال المراتب الاولى في امتحانات نهاية السنة على الصعيد الاقليمي. حتى اذا ما قرر الشاب عبد العزيز الخروج الى ميدان العمل اختار من بين المهن سلك الامن والشرطة، وبالفعل قبل ملفه ضمن المتقدمين للمباراة كسائر المترشحين المغاربة، فالمغرب حديث العهد بالاستقلال، كان في امس الحاجة الى اعادة هيكلة هذا القطاع، وغيره من القطاعات الضرورية لبناء الدولة،ودعمه بالعنصر البشري. ويحكي مجايلوه مرة اخرى، وبعضهم بأسف، كيف ان المرشح بوتفليقة نجح في جميع مواد التباري عن جدارة واستحقاق، وكاد يصبح رجل أمن مغربي لولا أن حال بينه وبين ذلك قصر قامته، حيث انه جاء اقصر من القياس المطلوب بنحو ثلاثة الى خمسة سنتمترات. ويمكن القول أن هذه السنتميترات القليلة هي التي حالت دون ان يصبح عبد العزيز بوتفليقة رجل أمن مغربي،على غرار شباب آخرين من ابناء جيله كانوا في نفس وضعيته، تمكنوا من الالتحاق بالامن المغربي، ولعبوا ادوارا خطيرة في تاريخه من مواقع قيادية، كما هو معروف، وهي السنتمترات نفسها التي حالت دون ان تتكرس هويته كمواطن مغربي، وهي هي التي كان لها ابلغ الاثر على نفسية الرجل،الى جانب عوامل أخرى، في تحديد موقفه اللاحق من كل ما يتصل بالمغرب. صورة ناذرة.. لما كان الرئيس الجزائري بوتفليقة يعيش في وجدة على ان التحول الاساسي والحاسم في حياة عبد العزيز بوتفليقة المهنية والسياسية تمثل بالخصوص في التحاقة بما سيطلق عليه لاحقا "جماعة وجدة" بقيادة الفقيه او الطالب الازهري محمد بوخروبة (هواري بومدين لاحقا)، وكان هذا الاخير قد حل بالمغرب في ثاني مارس من سنة 1955 رفقة المناضل الجزائري نذير بوزاروالمناضل المغربي السوداني ابراهيم النيال على متن الباخرة "دينا" التي حملت اسلحة من الحكومة المصرية بتدبير مكتب المغرب العربي لفائدة جيشي التحرير في كل من المغرب والجزائر. ثم عين بومدين قائداللولاية العسكرية الخامسة، المحاذية للحدود الشرقية للمغرب في سبتمبر 1957، وذلك عقب تصفية السلطات الاستعمارية الشهيد العربي بلمهيدي قائد هذه الولاية، ومغادرة نائبه عبد الحفيظ بوصوف الاراضي الجزائرية باتجاه الخارج. لقد كان من نتيجة هذه التطورات أن اتخذ العقيد بوخروبة من عبد العزيز بوتفليقة مساعدا مقربا له حيث قام بتعيينه " مراقبا عاما للولاية العسكرية الخامسة" سنة 1958، ويمكن القول ان هذهالسنة مثلت التاريخ الفعلي لقطيعةبوتفليقة النهائية مع المغرب، حيث حبذمن يومها السير على خطى رئيسه بومدين في معاداة كل ما يتصل بالمغرب والقضايا المغربية الى يوم الناس هذا. فلا عجب اذن أن لا يجد المهتم بتاريخ البلدين في هذه الفترة،أي أثر للماضي المغربي للرئيس بوتفليقة في السجلات الرسمية للجارة الشرقية، بما في ذلك الاشارة الى مسقط راسهمدينة وجدة، وما كان يضيرالرجل لو ارتقى قليلا على حقده وافتخر، ولو شكليا ، بكونه رئيسا رسميا للجزائر، نعم، ولكنه معنويا رئيسا مغاربيا بحكم ماضيه وتكوينه المغربي، انه لو فعل فلربما كان قد اتاححتى فرصة لتكريم ذكراه بمسقط رأسه وجدة كاحد ابناء المدينة الكبار، وهم كثر. غير أن التاريخ لا يرحم من يتنكر له، فهو كما قيل يعود في المرة الاولى على شكل مأساة، ويتكرر في المرة الثانية على شكل ملهاة، ويا دار بوتفليقة في شارع المغرب العربي بمدينة وجدة تكلمي. لقد تضعضعتجدران وجنبات منزل الحاج احمد بوتفليقة الواقع في العنوان اعلاه، بفعل عوامل الزمن، بحيث اصبح ايلا للسقوط ومأوى للمتشردين والجانحين، ما اضطر السلطات البلدية الى التحرك، انطلاقا مما لديها من سند قانوني، فهي يمكنها مثلا الطلب من الورثة بمن فيهم الوريث عبد العزيز، هدم المنزل لما يشكله من خطر على الجيران، أو أن تتكفل مصالحها بعملية العدم مقابل تعويض مادي من هؤلاء الورثة، لكن بالنظر لما ينطوي عليه الامر من احراج، فالامر يتعلق على كل حال بهدم بيت رأى فيه النور رئيس دولة شقيقة وجار، فقد فضل رئيس المجلس عمر حجيرة،التريث في التنفيذ، والبدء بمخاطبة القنصل العام الجزائري بوجدة في الموضوع، لعل المسؤولين الجزائريين يتذكرون ويتصرفون. واغلب الظن ان السلطات الجزائرية لن تسعى الى معالجة المشكل مباشرة، حتى لا تضطر الى اعطاء الموضوع صبغة رسمية،مع ما يترتب عن ذلك من اقرار بحقيقة الانتماء التاريخي لبوتفليقة، وستترك أمر التعامل معه للورثة بصفتهم الفردية، وان حصل وفضلت السلطات الجزائرية هذا الاختيار، فاننا نقترح على المجلس البلديتفعيل مسطرة حيازة العقار لمقتضيات المصلحة العامة، وضم ارضيته للمراح المقابل، وتحويل الفضاء كله الى حديقة صغيرة تضم حمس نخلات وتمثالا متخيلا لابن خلدون،مع استكمال فتح هده الحديقة على شارع المغرب العربي، فلا بد من المغرب العربي وان طال المسير. * صحفي، وكبير محرري وكالة المغرب العربي للأنباء سابقا