30 غشت, 2018 - 02:44:00 لم يثر صدور عدد الجريدة الرسمية الذي تضمن نص ظهير إعفاء كاتبة الدولة في الماء، شرفات أفيلال، الكثير من الإنتباه، لأن كتابة الدولة التي كانت تتولى القيادية في حزب "التقدم والإشتراكية" تم حذفها بالكامل قبل صدور ظهير إعفائها. ونشرت الجريدة الرسمية، صباح الأربعاء 29 غشت الجاري، ظهيرا، مؤرخا يوم 20 غشت الجاري، يؤكد بصريح العبارات إعفاء كاتبة الدولة شرفات أفيلال من منصبها، مبينا أن القرار جاء بناء على الدستور ولا سيما الفقرة الرابعة من الفصل 47. لكن قبل نشر عدد الجريدة الرسمية الذي تضمن ظهير الإعفاء، كان قرار حذف كتابة الدولة لدى وزير التجهيز والنقل والماء واللوجستيك قد أُعلن عنه من خلال بلاغ للديوان الملكي صدر يوم 20 غشت، وجاء فيه أن الملك "تفضل بالموافقة على اقتراح رئيس الحكومة، بحذف كتابة الدولة المكلفة بالماء لدى وزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء". تسعة أيام ما بين إعلان الحذف وصدور ظهير الإعفاء في الجريدة الرسمية فهل جاء صدور عدد الجريدة الرسمية المتضمن لظهير الإعفاء لتدارك قرار الحذف الذي سبق قرار الإعفاء؟ لأن الدستور ينص على إعفاء الوزراء من مهامهم، وقرار حذف كتابة دولة أو وزارة من هيكلة حكومة هو قرار يعود إلى الأغلبية المكونة للحكومة، وقد بين الجدل الذي أثارة هذا القرار بين حزب "التقدم والاشتراكية" الذي تنتمي إليه أفيلال، وحزب "العدالة والتنمية" الذي يرأس الحكومة، أن القرار لم يتم اتخاذه داخل الأغلبية الحكومية، ولم تُخبر به كاتبة الدولة المعنية به أو حزبها المشارك في الأغلبية، خاصة وأن بيان الديوان الملكي يوضح بأن القرار اتخذ بناء على اقتراح من رئيس الحكومة، وجاء ظهير الإعفاء ليؤكد مرة أخرى بأن قرار الإعفاء اتخذ أيضا بناء على اقتراح من رئيس الحكومة. ما بين قرار حذف "كتابة الدولة المكلفة بالماء"، وصدور عدد الجريدة الرسمية الذي تضمن ظهير إعفاء الوزيرة المشرفة على الحقيبة، مرت تسعة أيام، أثارت الكثير من الجدل حول قرار الحدف الذي يعتبر سابقة في تاريخ الحكومات المغربية، وحول مستقبل كاتبة الدولة المعنية، التي ظلت طيلة تسعة أيام مثل "المعلقة" غير معفية لكنها بلا حقيبة وزارية بعد أن جذفت وزارتها، حتى صدور عدد الجريدة الرسمية المتضمن لظهير الإعفاء الذي حسم الجدل. مصدر قيادي في المكتب السياسي لحزب "التقدم والاشتراكية"، قال لموقع "لكم"، ان الظهير، "جاء لتصحيح وضع أفيلال، بعدما اكتفى القصر بإعلان حذف كتابة الدولة للماء دون الإشارة لوضعية الوزيرة أفيلال". وأفاد المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، ان الوزيرة موضوع الظهير "غادرت الوزارة كليا منذ عشية إعلان إلغاء حقيبتها الوزارية من تشكيلة الحكومة"، موضحا أنها "كانت تعتزم تقديم استقالتها من المنصب"، في حالة ما لم يصدر قرار إعفائها. حالة الداودي وحالة أفيلال قرار إعفاء كاتبة الدولة شرفات أفيلال سيبقى سابقة، لأنه لم يسبق، في تاريخ الحكومات المتعاقبة في المغرب، إعفاء عضو من الحكومة بناء على طلب من رئيس الحكومة، وإنما جرت العادة أن الملك هو من يعين أو يعفي الوزراء، وبعد دستور 2011، أصبح الملك يعفي الوزراء بعد استشارة رئيس الحكومة بموجب الفقرة الثالثة من الفصل 47 من نفس الدستور التي تنص على أن "للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم"، وكذا بناء على طلبهم. والمفارقة هنا أنه قبل حذف كتابة دولة بكاملها بجرة قلم، وإعفاء كاتبة الدولة التي كانت تتولى حقيبتها بدون سابق إنذار أو تمهيد لهذا القرار، يوجد داخل نفس الحكومة وزير منتدب، هو لحسن الداودي، المكلف بالحكامة، الذي سبق له أن تقدم بطلب إعفائه إلى حزبه الذي هو حزب رئيس الحكومة، ووافق الحزب في اجتماع رسمي لأمانته العامة، وبرئاسة أمينه العام، الذي هو في نفس الوقت رئيس الحكومة، على طلب الإعفاء، فلماذا لم يتقدم رئيس الحكومة بطلب إلى الملك لإعفاء وزير طلب إعفاءه من الحكومة؟! ألم يتقدم الداودي، نفسه، بطلب إعفاءه إلى رئيسه الذي وافق على طلبه؟! فأين اختفى طلب الداودي؟! غياب النقاش الدستوري وحضور الجدل السياسي الجدل الدستوري الذي كان يمكن أن يٌثيره هذه القرار لم يقع، وبدلا من ذلك شهدت الساحة السياسية والإعلامية جدلا سياسيا بين حزبي "التقدم والإشتراكية" و"العدالة والتنمية" اللذين كان يجمع بينهما تحالف براغماتي في عهد رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران. جوهر هذا الجدل تركز حول توزيع الحقائب الوزارية داخل الحكومة، وأصبح يطرح أكثر من سؤال حول مستقبل التحالف القائم بين الحزبين: اليساري والإسلامي. مصطفى السحيمي، أستاذ القانون الدستوري، يرى ان الأزمة الحاصلة بين الحليفين السابقين "التقدم والاشتراكية" و"العدالة والتنمية"، من شأنها أن تضرب أكبر انجاز سياسي تحقق في عهد بنكيران، وهو التحالف بين "الإسلاميين" و"اليساريين". واعتبر المحلل في حديثه مع "لكم"، ان إعفاء الوزيرة اليسارية "ضربة قاصمة للتقدم والاشتراكية، ومؤشر كبير على أن التحالف الحكومي مهدد بالانفجار في أية لحظة في ظل غياب الانسجام والتنسيق في القرارات". سيناريوهات ممكنة بعد قرار إعفاء وزيرة تنتمي إلى صفوفه أصبح حزب "التقدم والإشتراكية"، يحمل حقيبتين فقط داخل الحكومة الحكومة التي يعتبر نفسه بأنه أحد أهم الحلفاء الإستراتيجيين للحزب الذي يقودها. وتأتي هذه "الضربة" لحزب "التقدم والإشتراكية"، بعد سابقة العام الماضي، عندما أعفى الملك محمد السادس، بشكل مباشر، كلًا من نبيل بنعبد الله، الأمين العام لنفس الحزب من وزارة السكنى وسياسة المدينة، والحسين الوردي، من وزارة الصحة، على خلفية "تقصيرهما" في إنجاز برنامج "الحسيمة منارة المتوسط". وتتجه أسوأ السيناريوهات، صوب قرار "انسحاب" الحزب اليساري من الحكومة ردا على "منهجية" رئيسها الذي نسب إليه بلاغ الديوان الملكي، والظهير الصادر بعد ذلك، أنه هو من طلب من الملك حذف حقيبة وزارية وإعفاء كاتبة الدولة التي كانت تترأسها، دون سابق إشعار أو تشاور داخل الأغلبية أو مع الحزب المعني أو الوزيرة المعنية. وهي إشارة واردة، تضمنها بيان المكتب السياسي لحزب ال"التقدم والإشتراكية"، مساء الثلاثاء 28 غشت الجاري، حينما ذكر في إحدى فقراته انه ""سيواصل تتبع الموضوع وذلك في أفق دعوة اللجنة المركزية للحزب للانعقاد في دورة خاصة، يوم السبت 22 شتنبر 2018، قصد تدقيق تحاليل الحزب واتخاذ الموقف الذي تتطلبه المرحلة".