08 أبريل, 2018 - 12:07:00 كشفت الندوة التي نظمتها "رابطة الأطباء الاختصاصيين للتخدير والإنعاش بالشمال"، يوم السبت بأحد فنادق مدينة طنجة، حول موضوع "الإجهاض بين الدين الطب والقانون"، مدى اتساع هوة المواقف والآراء المعبر عنها بين أنصار تقنين الإجهاض وتيار الرافضين لها . وشارك في تأطير هذه الندوة التي نظمت على هامش النسخة الثانية من الملتقى السنوي الذي تنظمه الرابطة المشار إليها، تحت شعار "طب الولادة في المقام الأول"، نخبة من المتخصصين، القاضي الشهير محمد الزردة، رئيس قسم قضاء الأسرة بطنجة، وشفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، وعبد اللطيف حدوش نائب رئيس المجلس العلمي المحلي بطنجة، والقاضي أسامة النالي، عضو المجلس الجهوي لنادي قضاة المغرب، والمحامي اسماعيل الجباري عن هيئة المحامين بطنجة. موضوع الإجهاض ليس ترفا فكريا ولا موضوعا مستهلكا وبررت الجهة المنظمة في كلمة افتتاحية اختيار موضوع الإجهاض قضية للنقاش، أنه ليس من باب الترف الفكري، كما أنه ليس "موضوعا مستهلكا"، كما قد يبدو للبعض، وإنما راهنية متجددة نظرا لما يطرحه من مجموعة من الإشكالات العالقة، وذكر رئيس الرابطة الذي تلى الكلمة باسم المكتب، بما سبق وأن دعاه الملك في مارس سنة 2015 بشأن صياغة نص قانوني حول قضية الإجهاض يحفظ القيم والدين ويأخذ بعين الاعتبار في نفس الآن التطورات الجارية في هذا المجال وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة . وأبرز في ذات الكلمة أن هذا الموضوع يتجاذبه "تياران متناقضان داخل المجتمع، تحكمهما مرجعيات قيمية وفكرية وثقافية مختلفة"، مشيرا إلى أن "إحداهما تدعو إلى تقنين إسقاط الأجنة، وتطالب بالتسامح مع إجراءه للمرأة الراغبة في ذلك، وفريق ثاني يعترض بشدة إلى على هذا التوجه، ويدافع عن حق الأجنة في الحياة"، وأوضح المتحدث أن كلا الطرفين يستعين بحجج ودفوعات قانونية وعلمية وطبية وفقهية . الشرايبي: ما يهمنا هو صحة المرأة ولا ندعو إلى الإجهاض بشكل مطلق الطبيب شفيق الشرايبي رئيس "الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري "اضطر لاستعمال اللغة العربية بعد أن ووجه باحتجاجات شديدة من طرف عدد من الحاضرين، بعد أن تحدث باللغة الفرنسية في تمهيده الأول، وهو ما برر له بصعوبة إيجاد مصطلحات علمية بحكم لغة تكوينه، وفي مداخلة تحت عنوان "الدفوعات العلمية والطبية لأنصار تقنين الإجهاض"، فقد رفض استعمال كلمة "اجهاض"، وقال انه يستعمل مصطلح "إيقاف آمن للحمل"، مشيرا إلى "أن 13 بالمائة من وفيات الأمهات يعود إلى الإيقاف غير الآمن للحمل". وأكد المتدخل على أنه "لا يناضل من أجل الإجهاض ولكن من أجل صحة المرأة"، مضيفا أن "العديد من النساء يقمن بإجهاض غير آمن وغير منظم، والذي يعرض حياتهن للخطر والموت". واستعرض الشرايبي بعض مضامين الحوارات التي جرت بينه وبين بعض الفقهاء، وقدم الدكتور رضوان بنشقرون كمثال لتلك الحوارات التي قال انها كانت مناسبة لمعرفة كيف يرى الفقهاء هذه المسألة، مشيرا إلى أنه "وجد صعوبة في إقناعه بضرورة الإيقاف الآمن لجنين بدون رأس"، وقال الدكتور شفيق انه تفاجأ لما خاطبه الفقيه بنشقرون قائلا : "أتركه فمن قال لك أنه لن يعيش، ربي سبحانه سيحييه"، وهو ما اعتبره الطبيب عائقا أمام بلورة موقف فقهي متزن. وتساءل، هل يمكن ترك جنين فتاة تعرضت للاغتصاب وهي قادمة من المدرسة مع السادسة مساء، فأجاب "أسيدي يسدوا على بناتهم في ديورهم"، وهو ما استهجنه المتحدث، مع العلم أنها يقول الدكتور الشرايبي "ممكن تغتصب في قلب الدار، وكلنا نعرف زنا المحارم"، داعيا الفقهاء إلى الاقتراب أكثر من الموضوع لتجديد الأحكام. الجباري: الإجهاض يخص المرأة وليس المجتمع بدوره الأستاذ إسماعيل الجباري المحامي بهيئة المحامين بطنجة، فقد ذهب في اتجاه ما ذهب إليه الطبيب الشرايبي، وذلك في مداخلة تحت عنوان "حقوق الجنين في القوانين الوطنية والتشريعات الدولية". واعتبر المحامي أن موضوع الإجهاض، "يخص المرأة وليس المجتمع، وبالتالي فإن الإجهاض شأن خاص وليس شأنا عاما"، مشيرا إلى أن "الإجهاض الآمن حق للمرأة الراغبة في التخلي عن جنينها، إذا كان الحمل غير مرغوبا فيه، ما دام الأمر يتعلق بالرغبة في التوقف الإرادي عن الحمل". ودعا المحامي إلى القطع مع المقاربة الكلاسيكية التي تعتبر أن قرار المرأة هو قرار عام، مؤكدا على أن إيقاف الحمل هو قرار صعب، لكن المرأة يمكنها أن تلجأ إليه بشكل مطلق وبدون تقييد، متسائلا، هل هناك قانون في المغرب يقيد الحرية في الزواج أو التفكير أو في الإنجاب؟ وأشار إلى أن هذا الموضوع "لا يجب أن يكون موضوع تقاطبات أو موضوع اصطدامات داخل المجتمع، كما يحدث مع ملفات الإعدام ، بعض الحقوق الفردية .. لأن هذا الموضوع يرتبط بالمرأة خاصة وأن هناك المقتضيات الدولية تعطي للمرأة هذا الحق، وما دام هناك مقاربات متعددة فالأصل في الإجهاض هو الإباحة". حدوش: الشرع متسامح مع بعض الحالات من جانبه رفض الدكتور عبد اللطيف حدوش، نائب رئيس المجلس العلمي بطنجة، بشدة "تبرير جريمة الاجهاض تحت غطاء "حرية المرأة في التصرف في جسدها"، أو "استجابة للمواثيق الدولية"، مشيرا إلى أن "المواثيق الدولية بدورها تنص على حماية حقوق الأجنة في الحياة". وأكد الفقيه في مداخلة له عنونها "المذهب المالكي وتحريم الإجهاض"، على أن الشرع الحنيف متسامح مع الحالات التي يكون فيها الجنين معرضا للتشوه الخلقي، إذا أجمع على ذلك عدة أطباء، أو إذا كان وضع الحمل يشكل خطرا على حياة المرأة. وأوضح المتدخل على أنه لا ينبغي شرعنة أحوال مخصوصة على القواعد الاجتماعية العامة، لأن الأحكام الشرعية والقانونية تراعي الجماعات وليس الأفراد. النالي: المشرع وسع عدد النوازل التي يسمح فيها بإجهاض الجنين القاضي أسامة النالي، عضو المجلس الجهوي لنادي القضاة، وبعد أن قدم قراءة مختصرة لبعض فصول القانون الجينائي حول الإجهاض، اعتبر أن الإطار القانوني عرف أصلا تطورا مع الحالات المستجدة، وأن المشرع وسع عدد النوازل التي يسمح فيها بالقيام بعملية إجهاض الجنين، وذلك بعدما كان القانون الجنائي متشددا بشكل مطلق في اتجاه التجريم. الزردة : هناك أسئلة معلقة تحتاج إلى نقاش مجتمعي أما الدكتور محمد الزردة، القاضي بمحكمة الأسرة بطنجة، فقد حاول في مداخلته التي تساءل فيها، "عن أية مقاربة لحفظ تماسك المجتمع في معادلة تجريم تقنين الإجهاض ؟" أن يمسك الموضوع من الوسط، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من الأسئلة المعلقة بخصوص موضوع الإجهاض، تحتاج نقاشا مجتمعيا بين جميع المتدخلين. فالنسبة للقاضي الزردة "المطلوب هو تأمين الحماية للأسرة، وتحقيق هذا المبدأ لأنه الركيزة الأساسية لتماسك المجتمع". نشير إلى أن الجهة المنظمة أشارت إلى أنه انعقدت عدة ندوات منذ سنة 2015 في مجموعة من المدن المغربية، لمناقشة قضية الإجهاض، من زوايا مختلفة، أبرزها الندوة التي نظمتها وزارة الصحة، بمشاركة أطباء وحقوقيين وفقهاء القانون وعلماء الشريعة، دون أن تخرج بخلاصات موحدة نظرا لاتساع هوة الآراء المعبر عنها من طرف مختلف الأطراف.