منذ ولادتها من رحم الربيع العربي في 20 من فبراير، وحركة الاحتجاج الشبابية تسعى لاستقطاب أعداد كبيرة من المساندين والداعمين لتظاهراتها في الشارع العام، للعب دور القوة الضاغطة على مراكز القرار في البلاد، لتحقيق إصلاحات سياسية جوهرية في نظام الحكم. ورغم أن حركة شباب 20 فبراير تأسست بمبادرة من شباب ينتمي معظمه إلى الطبقة المتوسطة، إلا أنها عرفت تمددا شعبيا بعد انخراط شرائح اجتماعية من مختلف الطبقات، لتصبح حركة جماهيرية تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي. وقد شهدت أولى المسيرات التي نظمتها الحركة نجاحا كبيرا، بفضل المشاركة الشعبية الواسعة في عدة مدن مغربية، لكن في الفترة الأخيرة، لاحظ كثير من المتابعين لمسار حركة 20 فبراير، أن الزخم الشعبي الذي كانت تتمتع به الحركة قد تراجع بشكل لافت، ولم يخف البعض منهم توجسه من خطر عزلتها وانحسارها، بعد أن انفض من حولها كثير من الفئات الاجتماعية، ولم يعد يخرج في تظاهراتها إلا الأعضاء المنتمين لتنظيمات سياسية وحقوقية وإسلامية معارضة. ويمكن إجمال الأسباب التي كانت وراء هذا التراجع في ثلاث عوامل رئيسية: العامل الأول: ويتمثل في تغيير الدولة لسياستها تجاه الحركة، فبعدما كانت الدولة تعتمد على المقاربة السياسية (الاحتواء)، تحوّلت منذ 15 ماي إلى المقاربة الأمنية (استخدام القوات العمومية)، لتتحول بعد سقوط شهيد الحركة العماري، إلى استخدام "بلطجية" لمواجهة شباب 20 فبراير، وهو ما ساهم بشكل واضح في تراجع عموم الناس عن المشاركة في التظاهرات. العامل الثاني: هو قرار الحركة نقل تظاهراتها إلى الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية، في سعي منها لانضمام الشرائح الفقيرة والمهمشة لصفوفها، لكن السلطة أفشلت مسعاها بتحريضها لذوي السوابق من ساكنة هذه الأحياء، من أجل التصدي للحركة. العامل الثالث: رفع شعارات تجاوزت سقف الملكية البرلمانية، والذي كان المطلب الأساس في جميع مسيرات الحركة، حيث عرفت التظاهرات الأخيرة رفع شعارات مستفزة ومرفوضة شعبيا، لأنها لا تلتزم بحدود اللياقة والاحترام الواجب لملك البلاد، الذي أسقط عنه القداسة وليس الاحترام، ورغم ذلك لا زالت تُرفع شعارات تندد بالقداسة. هذا التوجه "الثوري" داخل حركة 20 فبراير، كان سببا إضافيا في انسحاب أعداد أخرى من الناس عن تظاهرات الحركة، لأن الشعب المغربي عموما يُكّن الاحترام والتقدير لملكه، وبالتالي فإنه لن يقبل المساس بالاحترام الواجب للملك، وقد وجدت السلطة في هذا التطاول على الملك، ذريعة لتجييش "بلطجية" لمواجهة نشطاء الحركة وتخوينهم. هذه بعض الأسباب التي ساهمت في تراجع شعبية حركة 20 فبراير، تستدعي من الحركة مراجعة مواقفها، وممارسة نقد ذاتي، للوقوف على الأخطاء والتجاوزات التي عرفتها مسيرتها النضالية، التي تميزت بسلميتها وبنَفَسِها الإصلاحي، الذي بدأت تبتعد عنه بسبب التوجهات "الثورية" التي يحملها بعض مكوناتها، وذلك لتجنيب بلادنا منزلاقات خطيرة تهدد الاستقرار والأمن.