06 مارس, 2018 - 12:43:00 دمقرطة الانترنت في أعقاب الثورات العربية والاصلاحات التي أطلقها الملك محمد السادس بثت الأمل في توفير حرية الصحافة على الشبكة العنكبوتية، حتى أن وزير الاتصال مصطفى الخلفي، عندما عدّد المواقع الاخبارية في أزيد من 400 موقعا سنة 2014، كان منتشيا بمدى "أهميتها في ميدان التنوع وحرية الصحافة"، إلا أنه، سنوات قليلة بعد ذلك، لا تزال بعض المواضيع الشائكة في عداد الطابوهات، على غرار الاسلام والملكية والصحراء الغربية، فضلا عن مخاطر الاعتقال التي ما تزال تهدد الصحفيين وبالتالي تدفعهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية. يقول عبد الله الترابي، مدير النشر للمجلة المستقلة "تيل كيل"، وهي اسبوعية مزعجة للحكومات المتعاقبة وتوبعت مرات عديدة امام القضاء: "إن الصحفيين يستحضرون في اذهانهم مثَلَ الصحفي حميد المهدوي، مدير نشر الموقع الاخبري الناطق بالعربية الذي تم اغلاقه بعد اعتقال مؤسسه ايام الحراك (حركة احتجاجية ظهرت في الحسيمة في الريف بعد وفاة بائع للسمك سحقا في شاحنة للقمامة)". من جهته قال يوسف أيت اقديم، وهو صحفي مستقل مقيم في الرباط :"رغم أن حزب العدالة والتنمية، الذي يدير الحكومة منذ سبع سنوات، قدم تعديل مدونة الصحافة، الذي تم سنة 2016، بوصفه خطوة إلى الامام في ما يتعلق بحرية الصحافة، لأنه من الناحية النظرية حذف القوانين السالبة للحرية"، الا انه، على مستوى التطبيق "يتحايل القضاة على قانون الصحافة ويتابعون الصحفيين بالقانون الجنائي" على حد قول الصحفي. من الصعب ان تفرض على القراء مقابلا ماليا من جهتهم، ينتقد الناشرون غياب القضاة والمدعين العامين المتخصصين في المسائل الصحفية. وفي هذا الصدد يضيف ايت اقديم أن "القاضي في القضية الأولى، التي رفعت ضد توفيق بوعشرين سنة 2009 بتهمة "إهانة العلم الوطني"، استشهد بالسوابق القضائية المصرية والتونسية التي تعتبر أبعد من أن يحتدى بها كنماذج في حرية الصحافة، وهذا غني عن البيان". يوم 23 فبراير الماضي، اعتقل السيد بوعشرينب بتهمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وهو صحفي قريب من حزب العدالة والتنمية، كان قد أدين سنة 2009 بتهمة رسم كاريكاتيري لابن عم الملك، ولا يزال رهن الاحتجاز إلى حدود اليوم. وسائل الاعلام الرقمية مهددة من الناحية المالية أيضا. إذا كانت عائدات الاشتراك (الانخراط) في الضفة الاخرى للبحر الابيض المتوسط أو المحيط الاطلسي تستطيع ان تتجاوز تدريجيا عائدات الاشهار، فمن الصعب جدا أن تجعل القارئ المغربي يدفع مقابلا ماديا لان "القراء لا يزالون يرون في ما يقرأ على الانترنت خدمة مجانية. على سبيل المثال على تويتر، بمجرد أن يتم الحديث عن كتاب معين فان السؤال الاول الذي يطرح هل هو متوفر في صيغة "بي دي إيف". وهذا ما يبرر فشل "لوديسك"، أول موقع إخباري مغربي مدفوع الأجر تأسس سنة 2015 من طرف الصحفي الاستقصائي علي عمار. "لقد نجح هذا الموقع في جمع 700 الف يورو، ولكنه لم يحقق الهدف الذي حدده في عشرة الآف مشترك بعد السنة الاولى لافتتاحه. وهذا قد يعزى يعزى لعدة أسباب منها ضعف القدرة الشرائية لدى القراء المغاربة" يقول عبد المالك العلوي، مؤسس "هافنغتون ماروك"، الذي تأسف على "انعدام امكانية البحث عن مستثمرين أجانب "لانهم سيحرمون الموقع من الدعم آلعمومي، وصحفييه من البطاقة الصحفية، ما يجعل الاصلاح ضرورة ملحة لانشاء سوق جذابة لرؤوس أموال مستقلة". تمركز السلط في هذا السياق يعتبر الاشهار المورد الرئيسي لوسائل الاعلام الرقمية "ما يحفز على التسابق على النقرات قبل التحقق من الوقائع وينعككس سلبا على جودة التحرير" على حد تعبير السيد الترابي. إنها منافسة حادة زادت من حدتها هيمنة "غوغل" و"فيسبوك"، ذلك أن العملاقين الامريكيين، وفقا لدراسة انجزتها شركة "اپسوس" المتخصصة في استطلاعات الرأي لصالح "تجمع المعلنين المغاربة" ، يبتلعان 62% من الميزانية المخصصة للاشهار على المواقع الرقمية. وفي هذا الصدد يضيف عبد الملك العلوي "ليست لدينا اية سلطة على "غوغل" و"فيسبوك". الدولة هي المطالبة بإرساء ضريبة خاصة لايقاف هذا النزيف". عائدات الاشهار لا تفيد الموقعين الامريكيين فقط ولكنها تمكن المعلنين أيضا من ممارسة الضغوط على المواقع المرتبطة بها. من خلال الدراسة التي أجريت على مالكي وسائل الاعلام في المغرب، اتضح أن بعض الوجوه المعروفة في الميدان الاقتصادي والسياسي تستحوذ على جزء مهم من النشاط الاعلامي والاشهاري. على سبيل المثال، عزيز اخنوش، وزير الفلاحة منذ ما يربو عن عشر سنوات، هو مالك هولدينغ "أكوا" التي تضم العشرات من المقاولات، وهو كذلك مالك العديد من الصحف والمواقع المؤثرة مثل "لاڤي إيكو" و"فام دي ماروك". في هذا المشهد الإعلامي الذي يعيش حالة من التدهور تعتبر وسائل الاعلام الناطقة باللغة الفرنسية الأكثر تضررا. ويرى يوسف أيت اقديم ان "وسائل الاعلام الناطقة بالعربية أكثر استدامة من نظيرتها الناطقة بالفرنسية". فالموقع الالكتروني الناطق بالعربية "هسبريس"، والذي يتقن طاقمه شفرات التواصل الرقمي، لا يتوفر على معادل بالفرنسية، رغم أنه يشكل الاستثناء بعدد زواره الذي يتجاوز 4.5 مليون في اليوم. لقد اختار المغرب أن يرسي منظومتين تربويتين متوازيتين، تعليم عمومي معرب وتعليم خاص مفرنس للغاية، ولهذا فإن الساكنة مقسومة الى شريحتين متباينتين، وهو ما لخصه رئيس مقاولة صحفية في جلسة خاصة عندما قال: بالعربية نحقق مقروئية كبيرة، وبالفرنسية نحقق تأثيرا أكبر. المقال الاصلي: اضغط هنا