يبدو أن الصحافة المغربية بكل أنواعها المكتوبة والالكترونية تناكف من أجل البقاء وهي متيقنة أنها ماضية إلى الزوال. ويعرف القائمون على تلك المنابر أن الإشهارات والإعلانات مجرد مسكنات للجسم العليل، إذ أن النموذج الاقتصادي للمقاولات الصحافية هش مبني على الإشهار الذي تتحكم في منحه خلفيات سياسية واقتصادية واجتماعية.. وهذا ما أبان عنه إغلاق جريدة "التجديد" وقبلها صحيفة "الناس" وصحيفة "العاصمة" وجريدة "الخبر" وغيرها. "أمية" تتحكم و"قراءة" تتأزم و"مبيعات" تنهار ويظهر من كل المقترحات التي طرحتها الدولة وفيدرالية الناشرين ونقابة الصحافيين أنها مقترحات هشة لا تنفذ إلى مكمن الداء، فالمشكل هو أن المغاربة لا تستهويهم القراءة، إذ أن القارئ المغربي، لا يقرأ إلا دقيقتين في السنة، في حين أن القارئ الأوروبي يقرأ 200 ساعة في السنة، أضف إلى ذلك أن الأمية ما تزال تتحكم في حوالي 50 بالمائة من المجتمع. تظل أهم فرضية سنبحثها في هذا المقال تلك المنطلقة من الأسئلة التالية؛ هل وجد المغاربة فضاءات في الأنترنيت استعاضوا بها عن الجرائد والمجلات الورقية؟ وما هي الفضاءات التي نجاح في جذب اهتمام المواطن المغربي؟ وهل ما يقال عن الاشهار في مجال الصحف الورقية ينسحب على العوالم الالكترونية؟ وهل من بدائل عملية؟ هل يسحب الإلكترونية البساط تحت الورقي؟ يقال إن المغاربة هجروا الجرائد الورقية التي تبلغ مبيعاتها نحو 200 ألف نسخة يوميًا حسب الهيئة المغربية للتحقق من انتشار الصحف ل"OJD"، صوب الانترنيت حيث أصبحوا في المركز الثاني قاريا في استخدام الإنترنت بأزيد من 20 مليون متصل، وفقا لدراسة صادرة عن منصة "هوت سويت" لإدارة وسائل الإعلام الاجتماعية. قد يغري رقم "20 مليون مغربي متصل بالانترنيت" أي فاعل بالاستثمار في العالم الالكتروني، لكن لتنتعش المقاولة الصحافة الالكترونية لابد لها من الإشهار، وهنا تكشف إحصائيات مجموعة WB AFRICA المتخصصة في مجال الإعلانات الرقمية والورقية والإذاعات والقنوات التلفزية، عن سيطرة مواقع "غوغل"، "يوتوب" و"فيسبوك" على هذا السوق الوطني. "الإشهار".. السلاح الفتاك ضد الإعلام تشير إحصائيات مجموعة WB AFRICA إلى أن المواقع العملاقة "غوغل"، "يوتوب" و"فيسبوك" تسيطر على ما يناهز 240 مليون درهم من المخصصات المالية التي تخصصها الشركات المغربية للإعلانات الرقمية، فيما لا تتجاوز حصة المواقع الإخبارية المغربية على شبكة الإنترنيت سوى 60 مليون درهم، وهذا ما يعني حرمان المقاولة الإعلامية الوطنية واستعمال سلاح الإشهار الذي دمر المقاولة الصحافية الورقية. وقد سبق لوزارة الاتصال بالمغرب، أن أكدت في بيان لها "أن الصحافة الإلكترونية تنطلق في المغرب وهي تعاني من الهشاشة بسبب اللجوء إلى الإشهار في محرك البحث العالمي "غوغل" أو موقع التواصل "فيسبوك" أو غيرهما"، وأشارت الوزارة إلى أنها ستبدأ مفاوضات لحماية المقاولات الإعلامية المغربية من استحواذ المعلنين العالميين على سوق الإشهار بالمغرب. عوالم افتراضية تجذب المغاربة يلاحظ أن المواقع الالكترونية المهتمة بالسياسية والقراءة والمعرفة لا تلقى إقبالا كثيفا من طرف 20 مليون مغربي، وهنا نعود إلى المشكلة الأساسية وهي مشكلة القراءة التي لم تنصب الجهود من أجل معالجتها. ويبدو السؤال البديهي هو ما هي العوالم الافتراضية التي تجذب إليها المغاربة إذا كانت المواقع الأخرى لا تجذبهم كثيرا؟ يتبين التوجه العام ل20 مليون مغربي متصل بالأنترنيت من خلال إحصائيات يقدمها موقع "أليكسا" العالمي، المختص في ترتيب مواقع الأنترنت، حيث يظهر أن اهتمام المغاربة ينصب على التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث وأهمها "غوغل"، علاوة على زيارة المواقع الرياضية، ومواقع التسوق الالكتروني، والبوابات الإخبارية، والمواقع الجنسية والاباحية. ملاحظات ومسارات للفهم يمكن أن نسجل ملاحظلات مهمة بناء كل المعطيات أعلاه وهي: - أولا: أن الأمية مستحكمة ونسبة المقروئية ضعيفة. - ثانيا: أن المغاربة يتواجدون بكثرة في العالم الافتراضي بما يتيحه من إمكانيات تفاعلية وحرية. - ثالثا: أن الانترنيت فتح للمغاربة فضاءات لا توفرها الصحافة الورقية. - رابعا: أن المغاربة أقبلوا على تلك العوالم الافتراضية بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. - خامسا: أن المقاولة الالكترونية تعرف بوادر أزمة كما عاشتها المقاولة الورقية. - سادسا: أن الشركات الوطنية تفضل منح الإشهار للشركات العملاقة الجنبية عوض التحلي بمنطق الشركة المواطنة. ويبدو أن أهم الفضاءات التي يمكن تجريبها إذا كنا نريد بناء مقاولة الكترونية ورقمية بعد أن استعصى انقاذ المقاولة الصحفية الورقية، كما فعلت مجموعة من المنابر بأروبا وأمريكا وسارت على طريقها التجربة التركية أن توظف المقاولات الصحافية الفيديوهات والنقل المباشر عوض كتابة أخبار مطولة تنفر المواطن، علاوة على توفير مساحة كبيرة للإثارة وأخبار المشاهرين والصور والأخبار العجائبية، وحجز مساحة واسعة للرياضة، وتخصيص مساحات للخدمات الاجتماعية والتسويقية والموضة والطبخ والتسلية، وعدم الارتهان لسوق الاشهار والإعلانات وهذا يتطلب وجود رؤية مستقبلية.