26 ديسمبر, 2017 - 10:20:00 يدافع الباحث المغربي المتخصص في التنظيمات الإسلامية، محمد ظريف، عن ضرورة إعادة النظر في طبيعة المجال الديني ببلاده، باعتباره مدخلا لإقامة دولة حديثة وإقرار ديمقراطية المواطنة. طرح عالجه الباحث في كتابه الصادر حديثا عن منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي؛ بعنوان "الحقل الديني المغربي.. ثلاثية السياسة والتديّن والأمن". ويرصد الكتاب الواقع في نحو 300 صفحة من الحجم الكبير، ثلاثية السياسة والتديّن والأمن، باعتبارها ثلاثية تتحرّك ضمن نسق سياسي يرفض أن يكون علمانيا. ويتضمن الكتاب 3 أقسام، يهم الأول الجانب الديني، ويتناول مسارات التعاطي مع الدين بالمغرب، ومفارقات الممارسة وتصريف المسألة الدينية عبر قضايا العلمانية والتكفير والعنف. فيما يهم القسم الثاني الفاعلين الدينيين؛ متوقفا عند مراجعات التيارات الإسلامية، وقضاياها التنظيمية، إضافة لتفاعلاتها مع الاختلاف وتدبير الاحتجاجات الاجتماعية. أما القسم الثالث فيركّز على السياسات العامة تجاه المسألة الدينية، سواء ما يتعلق منها باحتواء التطرّف الديني، أو التعامل مع ملف الإرهاب، قبل أن يقدم مقاربة لتداعيات ثورات الربيع العربي على الفاعلين الدينيين. تداخل بين الدين والسياسة ينطلق الباحث في كتابه من جدلية قائمة على عدم التحديد الدقيق للعلاقة بين الفعل الديني والسياسي، في تداخل جعل وظيفة الدين تتعدى إلى ما وراء مجاله البديهي. ومن بين الوظائف الموكولة للمسألة الدينية في ظل هذا التداخل؛ يتحدث ظريف عن تحول الدين إلى وسيلة لإضفاء المشروعية على الفعل السياسي، وتكريسه لشكل معين من أشكال التدين دون غيره، وجعله في خدمة المجهود الأمني للدولة، خاصة بعد انخراط السلطات الوصية على الشأن الديني في مسلسل مكافحة التطرف. ودعما لطرحه، يعود الكاتب إلى معطيات التاريخ ليخلص إلى أنه منذ استقلال المغرب، لم تكن السلطة السياسية راغبة في إحداث فصل مطلق بين الفعل الديني والفعل السياسي، كما لم تكن راغبة في إحداث تماهي أو تماثل مطلقين بينهما. ويكشف هذا "طبيعة النسق السياسي الذي يراد له أن يكون شبه علماني أو علمانيا مع وقف التنفيذ، بالقدر ذاته الذي يفسر طبيعة السياسة الدينية المعتمدة"، وفق الكاتب. تناقضات الحقل الديني يتوقف الكتاب عند عدد من مميزات المجال الديني بالمغرب، معتبرا أن أهمها هو ثقل التناقضات الموجودة بين مكوناته. ومن بين هذه التناقضات، يمكن التمييز بين 3 مكونات؛ أولها الفاعل الصوفي الذي يمثل إحدى دعامات الإستراتيجية الدينية الرسمية، وثانيها الفاعل الإسلامي الذي يضم "الإسلاموية المندمجة والإسلاموية النخبوية والإسلاموية الاحتجاجية". أما ثالثها فيهم "الفاعل السلفي" الذي يتكون من السلفية التقليدية والسلفية الجهادية. ويرى الكاتب أن المؤسسة الملكية بالمغرب ما فتئت تلعب على تناقضات الفاعلين الدينيين، في سعي واضح للحفاظ على التوازنات الدينية. هذا التدخل من قبل النظام السياسي في حفظ التوازنات أثّر إلى حد كبير في مكونات الحقل الديني؛ حيث يبدو "مسار الإسلاموية المغربية كسلسلة من التراجعات والمراجعات". وحسب الكتاب، فقد أفضت المراجعات كلها إلى الابتعاد عن الخيار الانقلابي الذي جسدته في البداية حركة الشبيبة الإسلامية، والتي كانت أول تعبير تنظيمي عن الإسلام السياسي. كما أشار إلى وجود قانون اجتماعي يفيد بأن كل الجماعات تبدأ متطرفة وتنتهي معتدلة منذ الخوارج. وتأسست حركة "الشبيبة الإسلامية" في 1969 من قبل عبد الكريم مطيع، وحصلت على ترخيص قانوني في 1972، لكن علاقتها بالدولة تحولت إلى قطيعة بعد أن نسبت إليها حادثة اغتيال المعارض اليساري عمر بن جلون في 1975. وواجهت الحركة سلسلة من الاعتقالات والمراجعات في صفوف أعضائها، انتهت بحكم غيابي بحق زعيمها مطيع، بالسجن المؤبد عام 1980. وكان عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، الرئيسان السابق والحالي للحكومة المغربية، من أبرز قيادات الانشقاق على مطيع، قبل تأسيس تنظيم حركي جديد، اعتمد العمل القانوني في مجال الدعوة والسياسة معا. الوصل والفصل ووفق الباحث محمد ظريف، ترتكز السياسة الدينية في المغرب على عنصرين أساسيين: عنصر الوصل بين الدولة والسياسة على مستوى الملك بوصفه أميرا للمؤمنين؛ حيث يحق للملك وحده أن يجمع في شخصه بين الصفة الدينية والصفة السياسية. أما العنصر الثاني فيقوم على الفصل بين الدين والسياسة حين يتعلق الأمر بباقي الفاعلين؛ حيث لا يجوز لأي فاعل سياسي أن يتدخل في قضايا ذات طبيعة دينية، كما لا يجوز لأي فاعل ديني أن يتدخل في قضايا ذات طبيعة سياسية. وبهذه الصيغة، سعى النظام السياسي المغربي إلى الحفاظ على توازناته من جهة، وإلى احتكار التأويل الديني من جهة أخرى. لكن الكاتب يستدرك في حديثه عن هذه الصيغة، بالقول إنها ممكنة نظريا، لكن تنزيلها على أرض الواقع يفضي إلى إشكاليات ومفارقات، خاصة أن الفاعل الديني يتطلب الابتعاد عن العمل السياسي، لكنه غالبا ما يستدعى للانخراط في الدفاع عن ثوابت الدولة. تحولات المجال الديني في 3 مراحل وفي رصده لتحولات الحقل الديني المغربي، يتوقف الباحث عند 3 مراحل أساسية، تمثلت الأولى في مرحلة بناء حقل ديني مغلق، تقوم على تكريس الأحادية الدينية للمغرب، وتحديد هوية دينية للمغاربة قائمة على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، وهي مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي. فيما شكلت المرحلة الثانية بناء حقل ديني شبه مغلق، وذلك منذ ثورة الخميني في إيران في 1979؛ حيث تم بداية الاستعانة بخدمات السلفية الوهابية لمواجهة تنامي المد الشيعي. ولاحقا، وتحديدا عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بالولايات المتحدة، تم الاستعانة بشركاء دينيين آخرين، خاصة حركة التوحيد والإصلاح المغربية التي توصف بأنها الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، قائد الحكومة المغربية منذ ولايتين. أما مرحلة بناء حقل ديني مفتوح، فانطلقت منذ 2011 مع ما ثورات الربيع العربي، واحتجاجات 20 فبراير/شباط بالمغرب، وهي المرحلة التي تضمنت اعتماد دستور جديد ينص على حرية المعتقد، وإحداث تحول كبير في الفتاوى الرسمية للمجلس العلمي الأعلى في قضايا مثل حد الردة. كما انفتحت السلطة السياسية المغربية، خلال هذه الفترة، على من كانت تعتبرهم مخالفين من داخل المنظومة الإسلامية أو من خارجها، وخاصة التطبيع مع رموز السلفية أو السماح للشيعة المغاربة بممارسة طقوسهم، أو السماح بظهور تنسيقية للمسيحيين المغاربة. وعموما، شدد ظريف في كتابه على أن السعي إلى إقامة دولة حديثة في المغرب وإقرار ديمقراطية المواطنة دستوريا، يستدعي تحولا في طبيعة المجال الديني بالمملكة. ويعتبر محمد ظريف من أبرز الباحثين المغاربة المتخصصين في قضايا الفكر عامة وقضايا الفكر السياسي و العلوم السياسية بصفة خاصة. ويرى النقاد أن ما يميّز كتابات ظريف هي منهجيته الأكاديمية الفريدة والفذة، والتي يحر من خلالها على الانضباط بصرامة لمواصفات البحث الموضوعي وقواعد الكتابة العلمية. من أبرز كتاباته "الحركة الطلابية المغربية" (1996) و"الدين والسياسة في المغرب: من سؤال العلاقة إلى سؤال الاستتباع" (2000).