* 12 ديسمبر, 2017 - 11:37:00 لقد مرت مدة ربع قرن على إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب، ولا زالت السلطات الجزائرية الذين اتخذت هذا القرار مستمرة في عنادها رغم أن عددا من الذين يمسكون هذه السلطة، نظراً لسِنِّهم المتقدم،قد انتقلوا إلى دار البقاء ولم يبق منهم معنا في هذه الحياة الدنيا إلا رئيسهم الحالي الذي يبدو أنه لا زال يقاوم بشدة نوائب الدهر والذي يجب أن نعترف له بهذه القدرة المتميزة على التشبث بالحياة وبالسلطة. ليس الهدف من هذا القول هو السخرية من أي أحد ولكنه البرهان على أننا أمام حالة من الاستخفاف بشعبيْن جاريْن ومن التجاهل لمصالحهما ومشاعرهما، وخصوصا سكان المناطق القريبة من الحدود على الطرفين. هذه الحدود التي يبلغ طولها حوالي 1600 كيلومتر لا تفصل فقط بين البلدين بل تجمع مئات الآلاف من السكان الذين يقطنون على جنباتها والذين تعودوا على مدى التاريخ أن يمارسوا التجارة ويتصاهروا وتقاسموا أفراحهم وأحزانهم لأنها حدود لم يعرفوها إلا منذ فترة الاستعمار الفرنسي القريب العهد نسبيا . ومن هذا المنطلق فإن سكان المناطق الحدودية وجدوا أنفسهم يُعاقبون وكأنهم رهائن بهذا الإغلاق الظالم والمؤلم للحدود حيث توجد عشرات الأسر لا تفرق بين أفرادها إلا مسافةً كيلومترين أو ثلاثة كيلومترات ولكنهم مُجبَرون على السفر مسافة ألف كيلومتر أو أكثر لزيارة بعضهم. إن أقوى ما يُعبِّر عن هذه الروابط المتينة هي أننا نحن سكان المناطق الحدودية عندما كنا أطفالا صغارا كنا نقضي العطلة المدرسية على قصرها في البلد المجاور الذي كنا نعرفه أحسن مما نعرف بلادنا! إن سكان المناطق الحدودية الذين تعودوا على نمط خاص من الحياة، رفضوا فورا إغلاق تلك الحدود ونظموا أنفسه لحماية أنفسهم من هذا الظلم، ولو بطرق غير شرعية. وهكذا أصبحت التجارة تهريبا للسلع وأصبحت الزيارات العائلية اختراقا إن غياب الشرعية عن هذه الأنشطة المعيشية أمر مقبول من طرف السكان الذين يعتبرونها خدمة طبيعية وضرورية وكذلك من طرف السلطات التي تغض الطرف ما عدا في بعض الفترات النادرة التي يشتد فيها التوتر بين البلديْن. لقد كانت السلطات الجزائرية تهدف عبر إغلاق الحدود إلى خنق المغرب اقتصاديا ولكنها لم تفلح رغم مرور ما يقرب من ربع قرن من الزمان. لقد تعزز الاقتصاد المغري خلال هذه المدة وأصبح أكثر قوة وانتعش نظامه المصرفي والمالي وشبكة شركاته الصغيرة والكبيرة التي لا تتردد اليوم في تصدير نموذجها إلى القارة الأفريقية واكتساحها. وهذا ما يجهله السيد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، فهو إما لا يمتلك المعلومات الصحيحة أو يتحدث بسوء نية أو كلاهما معا! أن الخاسر الحقيقي هو الفضاء المغاربي الكبير الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة بأكملها لأن المهارات والكفاءات المغربية والتونسية ولكي أظل مهذبة حتى الجزائرية، يمكنها أن تفيد السكان في كل تلك البلدان حتى تحقق آمالها و يحصل الجميع على الجنسية المغاربية التي سوف تضطر الحكومات يوما أن تعترف بها وتتعامل معها بدل الرضوخ المستمر للمصالح الضيقة لمن يمسكون السلطة. من هذا المنظور، فإن ساكنة مناطق الحدود الجزائرية المغربية، بفضل قوة الروابط التي تجمعها يمكنها أن تصبح في المستقبل القريب عامل السلم والسلام بين البلدين. ولذلك فإني بصفتي فردا من ساكنة منطقة الحدود، أطلق ندائي هذا اليوم بكل قوة من أجل التهدئة وإصلاح ذات البيْن وأتمنى من صميم الفؤاد أن يلقى ندائي آذانا وقلوبا صاغية من طرف أمثالي ومثيلاتي من مجاوري الحدود، ومن طرف كل ذوي النيات الحسنة من الجهتيْن . * صاحبة دكتوراه عن الأحوال المعيشية منذ 1994 في مناطق الحدود المغربية الجزائرية، صدرت على شكل كتاب من طرف دار النشر الفرنسية لارماتان عام 2015. ترجمة المقال من الفرنسية للعربية: أحمد ابن الصديق مصدر النص الفرنسي: هاف بوست مغرب