1 –مدخل: اعتاد طلبة الحقوق عند الحديث عن السلط أن يعتمدوا ذلكم التقسيم الكلاسيكي الذي يتحدث عن ثلاث سلط هي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. لكننا في المغرب لسنا أمام هذه السلط الثلاث الكلاسيكية فقط، بل نحن أيضا أمام سلطة رابعة وهي أم السلط ألا وهي السلطة الملكية. إن الدستور المراجع لا يقوم بفصل للسلط، بل يقوم بقتلها رمزيا وسياسيا. فلا سلطة إلا والملك على رأسها إما بالرئاسة، أو بالتدخل. بالإضافة إلى هذه السلط الثلاث، باعتبارها ضحايا للمنطق السياسي التحكمي، نثير الانتباه إلى طرفين مهمين في حياة المغاربة، لن يتمكنا، إذا تم إقرار هذا الدستور المراجع، من الإفلات من قبضة الآلية التحكمية، وهما المواطن البسيط من جهة والأحزاب غير الممثلة في البرلمان لأي سبب من الأسباب من جهة أخرى. كيف ذلك و ما هي الفصول التي تشرعن لعملية القتل الرمزي للسلط في الدستور المراجع؟ 2 – فصول الإكراه والإقصاء: في الفصل الثلاثين (30) من الباب الثاني، الخاص بالحقوق والحريات، هناك جملة يصعب الانتباه إلى خطورتها لأنها لا تتعلق بالقضايا الكبرى التي غالبا ما تثير انتباه الملاحظين مثل قضايا الهوية وقضايا العلاقات بين السلط، وغيرهما من القضايا المصيرية. تقول هذه الجملة بالحرف " التصويت حق شخصي و واجب وطني ". إن هذه العبارة تعطي الحق للسلطة التنفيذية، في حالة ما إذا تم إقرار هذا الدستور، في أن تعاقب كل مواطن لم يؤدي هذا " الواجب الوطني"، دون أن تهتم هذه السلطة التنفيذية بما يمكن أن يقدمه هذا " المارق" من ملاحظات وجيهة حول افتقاد عملية الاستشارة لكل الشروط الضرورية لإضفاء الطابع الديمقراطي عليها شكلا وجوهرا. رب قائل يقول إن هذا الاشتراط لا تخلو منه بعض الديمقراطيات العريقة. جوابنا على هذا الاستدراك هو انه ليس هناك مقدس في الممارسة الديمقراطية، هذا بالإضافة إلى أن هذه الديمقراطيات العريقة تحرص كل الحرص على توفير كل ضمانات الحرية والنزاهة التي تتطلبها الاستشارات الانتخابية على كافة المستويات بهذا الفصل سيتوفر المخزن على الغطاء القانوني بل الدستوري ليعاقب كل من انتهج خيار المقاطعة لأي استشارة. هذا عن الإكراه الذي سيسمح الدستور المراجع بممارسته، أما عن الإقصاء فيكفي التأمل في الفصل العاشر. يصرح الفصل العاشر(10) ضمن الباب الأول الخاص بالأحكام العامة، بأنه يضمن للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شانها تمكينها من النهوض بمهامها في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويضمن لها كذلك حرية الرأي والتعبير والاجتماع. هذا جميل، لولا أن هذا الفصل يتحدث فقط عن المعارضة البرلمانية، و يهمل الأحزاب التي ليست لها تمثيلية في البرلمان. وفي هذا الإهمال والإقصاء تستوي الأحزاب المعارضة والأحزاب الموالية. ومع ذلك، فمنطوق هذا الفصل يعترف ضمنيا بان الأداء السياسي للأحزاب لا ينحصر في المجال البرلماني فقط، بل يمتد ليغطي الحياة السياسية. وقياسا على هذا كان عليه أن يتعهد بحماية حقوق الأحزاب التي ليست ممثلة في البرلمان معارضة(بكسر الراء) كانت أو موالية. إن هذا النص نابع من ثقافة سياسية لها وجهان متكاملان وغير متلازمين بالضرورة، هما الإجماع من جهة والإقصاء من جهة أخرى. فمن يخرج عن الإجماع يتعرض للإقصاء، لكن قد يتعرض للإقصاء من كان ضعيفا ولو كان من دعاة الإجماع، وذلك، في اقل الحالات من أجل التقليل من وجع الدماغ. هذه هي مظاهر القتل التي سيتعرض لها المواطن المعارض أو " المارق"، مثلما سيتعرض لها الحزب المعارض أو " المارق" الذي لم تسمح له الآليات الماكرة، أو مواقفه التي هي حق غير قابل للتصرف, من دخول البرلمان. دستور يشرعن لثقافة سياسية تقوم على منطق الإجماع، ومنطق الرعية. 3- فصول التحكم و الاحتكار: أركز هنا على عملية قتل السلط الكلاسيكية التي يشرعنها الدستور المراجع. القداسة أو سلاح القتل الرمزي الرهيب: هناك من يعتقد أن إزالة لفظ " قداسة" من الدستور، والتخلي عن الصياغة القديمة التي تقول "شخص الملك مقدس" يكفي للحديث عن انتفاء ما يسمى القداسة من الدستور. هلل البعض لحذف المنطوق الذي يقول أن شخص الملك مقدس، وإحلال عبارة شخص الملك لا تنتهك حرمته (الفصل 46). لكم ما لم يتم الانتباه إليه هو أن ما يقابل عند أهل الاختصاص اللفظ الأعجمي Sacré ليس هو اللفظ العربي قداسة بل اللفظ العربي الحرام أو الحرمة. وتدعم الأحاديث هذا المنحى حين يقول الرسول (صلعم) في خطبة الوداع أن دماء المسلمين وأموالهم بينهم حرام كحرمة يومهم هذا(يوم الوقوف بعرفة) ومكانهم هذا( جبل عرفة). يمكن القول إن لفظة الحرمة تؤدي معنى "القداسة" بشكل أقوى من لفظ "مقدس". إن التعبير المقترح في الفصل الواحد والأربعين (41) لا يقلل من القداسة في شيء، بل إنه يذكرنا بالعبارة التي تنهى عن انتهاك حرمات الله." كان من الأفضل أن يكون التعبير كالآتي:" للملك واجب التوقير والاحترام وشخصه لا ينتهك بما هو رمز للسيادة". ونظن أن التوقير والاحترام كمظهر من مظاهر التقدير يحيلان على موقف سلوكي أخلاقي لا تبجيل فيه ولا تمييز فوق بشري. مع لفظتي التوقير والاحترام تحضر الأخلاق والاتيقا، في حين تحضر مع عبارة " انتهاك الحرمات" الدلالات التيولوجية واللاهوتية. يمكن القبول بنوع من " القداسة السياسية" في حالة اعتبار الملك ممثلا رمزيا للدولة أو الأمة، لا يمارس أي مسؤولية سياسية تدبيرية عمومية، فتكون القداسة هنا من صنف القداسة التي نمنحها للعلم الوطني بشكل عام. إن قتل السلط يبدأ من هذا الفصل التقديسي، بما هو فصل يجعل المسالة الدينية في طابعها الإفتائي محتكرة من طرف المؤسسة الملكية، هذا مع العلم أن الجسم العلمائي المروج له رسميا في المشهد العام، يتميز بخصائص لا يمكنها أن تكون في خدمة أي تعاقد سياسي ديمقراطي. سأكتفي هنا بذكر خفيف للصلاحيات التي أعطيت للملك، ستكون، إن تم إقرار الدستور المراجع، دعامة لعملية القتل الرمزي للسلطات ذات الصلة. لن احلل، إذ هناك من الدراسات والمقالات الشيء الكثير في هذا الشأن. لقد جمع الملك بين يديه كل عناصر القوة، من قوة رمزية دينية(41) وقوة رمزية سياسية تأسيسية (172+173) وقوة مادية من جيش(35) وأمن(54)، وقوة دبلوماسية سيادية(55) وقوة قضائية(56) وأم القوى أو القوة التنفيذية الشاملة وهي القوة الإستراتيجية التدبيرية للشأن العام من خلال المجلس الوزاري(48+49). هذا بالإضافة إلى قوة الكلمة وفصل الخطاب (52). من كل هذه السلط، أو عناصر القوة التي يتمتع الملك بها في الدستور المراجع يمكن الوقوف عند الفصلين 48 و 49 لنرى المدى الكبير والحقيقي لسلطة الملك. يمكن للمرء أن يطبل ما شاء له من التطبيل لفائدة الصلاحيات التي أصبحت للوزير الأول، عفوا لرئيس الوزراء، لكم الفصل 49 يزيل الغشاوة عن الأبصار. يمكن لرئيس الوزراء مثلا أن يفكر داخل مجلسه الحكومي في إطلاق عمليات تنقيب عن النفط في عرض البحر لحل الأزمة الطاقية البنيوية بالمغرب، لكن مشروعه هذا قد يتوقف لان المجلس الوزاري يعتبر أن هذا الإجراء لا يدخل في خانة السياسات العامة للدولة، وبالتالي فإن الطاقة الشمسية أو يمكن أن تشكل بديلا أولى. وقل نفس الأمر عن كل المجالات، فقد ترى الحكومة أن مدربا وطنيا انسب للمنتخب الوطني لكرة القدم في حين يرى المجلس الوزاري أن هناك إستراتيجية رياضية عامة لا مكان فيها إلا لمنطق التعاون الدولي الرياضي الذي سيكون من مقتضياته الالتفات إلى الخبرة الكروية الفرنسية التي تلفت إلى الخبرة المغربية (إن وجدت) في العاب القوى. مجمل القول، إن المقارنة بين صلاحيات المجلس الوزاري وصلاحيات المجلس الحكومي، لهي وحدها كافية للتأكيد على هيمنة السلطة الملكية، أي السلطة الرابعة، على السلط الكلاسيكية الأخرى. وحدها كافية كذلك لان نقول إن هذا الدستور المراجع لا يقدم أرضية للملكية البرلمانية، بل يرسخ استمرارية الملكية التنفيذية التحكمية الفردية ذات المناحي الاستبدادية. فرئيس الوزراء(كذا) يحكم لكن الملك يتحكم. هكذا نكون أمام قتل للسلط في الوقت الذي كنا ننتظر أن نكون أمام فصل للسلط. 25 يونيو 2011