اعتاد حسام الحملاوي على المشاكل مع السلطات المصرية، فقد استدعاه جهاز أمن الدولة ثلاث مرات بسبب نشاطه عندما كان حسني مبارك في السلطة. وكان يتمنى أن تنهي الثورة المصرية مثل هذه الممارسات لكن هذا لم يحدث. وجرى استدعاؤه مرة أخرى للاستجواب لكن عنصرا واحد قد تغير. لم يكن جهاز أمن الدولة هو الذي استدعاه هذه المرة وإنما ضابط بالجيش أراد استجواب المدون بسبب اتهامات أطلقها عبر التلفزيون للشرطة العسكرية بارتكاب انتهاكات. وقال الحملاوي «لم تقم هذه الثورة لنستبدل الجيش بحسني مبارك باعتباره من المحرمات». وأضاف «المؤسسة العسكرية جزء من النظام القديم... لابد أن تحدث فيه تغييرات في مصر الثورة». وشكل هذا التغيير تحديدا ربما يكون اكبر سؤال يواجه المصريين الآن. وتعهد الجيش بتسليم السلطة لمدنيين بعد أن تولى السلطة عندما تنحى مبارك عن منصبه في 11 فبراير. ولا يشك كثيرون في أن الجيش يريد الانسحاب من إدارة الشؤون اليومية للبلاد لكن في الوقت ذاته لا يتوقع كثيرون أن يذعن قادة الجيش لقيادة مدنية عندما يعودون إلى ثكناتهم. ويقول محللون إنه بدلا من ذلك من المرجح أن ينتقل الجيش إلى ظلال السياسة كحام للأمن القومي وهي عبارة مطاطة تتيح للجيش التدخل من وراء الكواليس والدفاع بقوة عن مصالحه التجارية وغيرها من الامتيازات. وكان الجيش هو المؤسسة التي خرج منها كل رؤساء مصر السابقين على مدى نحو 60 عاما ومنهم مبارك الذي كان قائدا للقوات الجوية. وقال الحملاوي الذي يكتب في مدونة عرباوي «أشعر أنهم صادقون فيما يتعلق بتسليم السلطة لحكومة مدنية.. لكن هذا لا يعني أنهم سيتخلون.. عن دورهم في الساحة السياسية المصرية». وبعد أن ثارت احتجاجات بعد استدعاء الجيش بعض الأشخاص لاستجوابهم قال الحملاوي إن الضابط الذي استجوبه يوم 31 ماي وعده بالنظر في الأدلة التي قدمها عن حدوث أي انتهاكات على يد الشرطة العسكرية. ويمكن لتلك الحوادث أن تثير غضب المصريين الذين أصبحوا يتمتعون بالقدرة على التعبير عن آرائهم بحرية أن تشوه صورة الجيش التي بلغت عنان السماء عندما تولى المسؤولية الأمنية عوضا عن قوات الأمن التي كانت لا تحظى بالشعبية. وتعهد الجيش بإجراء انتخابات برلمانية في سبتمبر أيلول تعقبها الانتخابات الرئاسية. وقال كمران بخاري المحلل في شركة ستراتفور للمعلومات «الجيش المصري هو المؤسسة التي يمكن أن تحافظ على تماسك البلاد وتدفعها إلى الأمام. إنه الوحيد القادر على ذلك». ومضى يقول «لا أتصور أنه سيتنازل عن السلطة لنظام برلماني وليد يوجد به رئيس أيضا». وتابع قائلا «هناك مصالح مادية له كمؤسسة. وضعهم المميز.. إنهم يريدون أن يتمكنوا من الاحتفاظ بذلك.. هناك بواعث قلق حقيقية فيما يخص الأمن القومي». ولتحقيق هذه الغاية هناك عدد من النماذج التي يمكن لمصر تقليدها. وأقرب هذه النماذج لمصر تركيا حيث يقوم الجيش بدور حامي الدستور العلماني منذ عشرات السنين وأطاح بحكومات عندما لمح تهديدا لذلك. ومع صعود حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للسلطة أضعف هذا الدور للجيش. وهناك نموذج باكستان على سبيل المثال حيث قال بخاري إن هناك «قاعدة غير مكتوبة تنص على أن كبار القادة العسكريين يشاركون في عملية صنع القرار أو عملية صنع السياسة الخارجية». ويمكن أن تضع مصر صيغة خاصة بها. وقال بخاري إن الجيش ربما يرغب في إضافة بند في الدستور ينص على ضرورة مشاورته فيما يتعلق بالأمن القومي لضمان أن تكون له كلمة في صنع القرار. وينفي الجيش وجود أي طموح له من هذا القبيل. وقال مسؤول عسكري لرويترز طلب عدم نشر اسمه «الدستور الحالي يحدد وظيفة الجيش وإذا تغير هذا فسيكون عبر البرلمان بعد دراسات وبناء على مطالب الشعب». ومضى يقول «لكن حتى الآن ليست هناك خطط لتوسيع سلطات الجيش أو منحه سلطات جديدة». لكن ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية قال في تصريحات نشرت في صحيفة المصري اليوم في ماي إن الدستور يجب أن يحقق للجيش «نوعا من التأمين حتى لا يكون تحت هوى رئيس الدولة أيا كان شخص أو شكل هذا الرئيس». وقال أيضا إنه يجب ألا يسمح للبرلمان باستجواب القوات المسلحة. وأثارت مثل هذه التصريحات غضب المعلقين. وقال عمرو الشوبكي في مقال إنه يجب ألا يحظى الجيش بأي حصانة خاصة لكنه قال إنه لابد أن يكون له دور في حماية الديمقراطية المصرية. وبالنسبة للوقت الراهن لا تخضع المؤسسة العسكرية للتدقيق الشعبي. وكما كان الحال إبان عهد مبارك فان الميزانية العسكرية ما زالت أمرا غامضا ويسيطر الجيش على إمبراطورية تجارية لكن حجمها غير واضح. وتساءل دبلوماسي غربي عن حجم المصالح التجارية للجيش مقارنة بالاقتصاد ككل وقال «التقديرات متفاوتة بصورة كبيرة.. حتى أن بعضها يصل إلى 40 في المائة.. وهو ما أعتقد أنها نسبة غير دقيقة على الإطلاق. نحن لا نعلم على سبيل التحديد». ويشير البعض إلى نسبة أكثر واقعية بين 10 و15 في المائة. ويدير الجيش مصانع للمنتجات البلاستيكية وسلع أخرى. كما أن مهندسين من الجيش هم الذين شقوا طريقا سريعا يربط بين القاهرة وميناء العين السخنة على البحر الأحمر وتحمل التذكرة التي تحصلها السلطات مقابل استغلال هذا الطريق عبارة «وزارة الدفاع». ومن أجل استرضاء المواطنين قبل واحدة من أكبر الاحتجاجات بعد تنحي مبارك أصدر الجيش ملحقا من أربع صفحات في صحيفة الأهرام الرسمية يبرز فيه مساهماته الاقتصادية. وسرد الجيش شركات الأدوية التي يملكها والملاعب التي أقامها والأرض الزراعية التي استصلحها. وبالنسبة لكثيرين في مصر التي يسكنها 80 مليون نسمة والتي ولد ثلثا سكانها خلال حكم مبارك ولم يعاصروا حاكما غيره فإن وجود الجيش يمنح شعورا بالأمان. ويوقر كثير من المصريين الجيش بسبب دوره في محاربة بريطانيا وفرنسا القوتين الاستعماريتين السابقتين في حرب 1956 وإسرائيل خاصة في حرب 1973 التي أدت إلى استعادة شبه جزيرة سيناء. والجيش هو المؤسسة الوحيدة فعليا في الدولة التي لم تتأثر بالاحتجاجات. وهو يمنح المستثمرين الثقة بينما تعمل البلاد على إعادة بناء نفسها. وقال انجوس بلير من بلتون فايننشال «من أجل الاستمرار ولتوفير عنصر الأمن فان وجود مؤسسة تابعة للدولة تعمل بكفاءة أمر مهم» مضيفا أن هناك حاجة إلى «تطور في مؤسسات أخرى». لكن هناك كثيرا من المصريين الذين أصبحوا يشعرون بعدم الراحة مما يرونه تعاملا غير متقن من الجيش فيما يتعلق بحكم البلاد. وأثار حظر لإضراب العمال وهو قرار سانده الجيش غضب محتجين اتهموه بخيانة ثقتهم فيه. وليست هناك قضايا واضحة تم فيها تطبيق هذا القانون. وتظاهر مصريون ضد ما يقولون إنه تلكؤ الجيش في محاسبة مبارك. ومن المقرر محاكمته بشأن اتهامات بالقتل والكسب غير المشروع في الثالث من غشت. ويصر الجيش على أنها مسألة قضائية ولا علاقة له بها. وفي محاولة من الجيش لتهدئة المواطنين ظهر أعضاء في المجلس الأعلى للقوات المسلحة في برامج تلفزيونية حوارية لشرح وجهات نظرهم حيث لم يكونوا معروفين في عهد مبارك. وكان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة يوما الملحق العسكري لمصر في باكستان وهو على دراية على ما يبدو بمثالب الحكم العسكري. وكتب السفير الأمريكي في برقية تم تسريبها وتعود لعام 2009 عن كلام صدر عن طنطاوي في ذلك الحين قال فيه «أي بلد أصبح الجيش فيه مشاركا في الشؤون الداخلية محكوم عليه بمواجهة كثير من المشكلات». --- تعليق الصورة: المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة