* 18 أبريل, 2017 - 12:55:00 في قلب مدينة الدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، يعيش منذ فصل الشتاء الأخير حوالي 200 مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء بدون مأوى. قساوة المدينة خلقت مظاهر تضامن وكذا توتر بين المغاربة وهؤلاء الأجانب. إفريقيا صغيرة أنشئت على هوامش محطة ولاد زيان الطرقية بالبيضاء. بحي درب السلطان الشعبي حط الرحال منذ يناير 2017 مهاجرون غير نظاميين من دول غينيا الاستوائية، الكاميرون، مالي والكوت ديفوار. حوالي 200 مهاجر بدون مأوى يبيتون في جوار المحطة الطرقية الأخطر بالمغرب. هذا المقام المؤقت يطول منذ 4 أشهر في ظروف عيش لا إنسانية. "لقد أمضينا فصل شتاء قاس، وكل يوم نستقبل وافدين جدد من مرحلين من نواحي الناظور والفنيدق"، يصرح لموقع "لكم" عبد الرحمان. تواجد المهاجرين الأفارقة في منطقة حساسة اجتماعيا يتم في ظل مراقبة غير معلنة للسلطات المغربية. وضع من الهشاشة خلق مظاهر تضامن بين المسحوقين مغاربة وأجانب. لا إنسانية البيضاء بدأت حكاية هذا المخيم غير المجهز في اليوم الأول من سنة 2017، بعد محاولة تسلق الحاجز الفاصل بين "بنيونش" وسبتة المحتلة من طرف 1000 مهاجر غير نظامي، قامت السلطات المغربية بترحيل مئات من هؤلاء نحو مدن مختلفة منها فاس، والرباط والدارالبيضاء. بالعاصمة الاقتصادية تم "رمي" المهاجرين بالمحطة الطرقية. منذ الأيام الأولى من يناير تأسس تدريجيا هذا المخيم على أرضية ملعب كرة القدم المحاذي للمحطة. يقول سيكو، وهو مهاجر من سكان المخيم، وعينه على الأفرشة المجمعة في أحد نواحي الملعب: "توصلنا بإعانات من طرف جمعيات مغربية عبارة عن أغطية وأفرشة". ويضيف سيكو المكلف بمراقبة أمتعة زملائه داخل المخيم طيلة اليوم: "نحن نعلم أننا في منطقة يمر منها عدد من اللصوص. لذلك ننظم أنفسنا حتى نتفادى سرقة أمتعتنا". قاطنو المخيم الآخرين ينتظمون في مجموعات، منهم من يتسول صدقة في نقط مدارات المدينة والآخرون يشتغلون في مهن صغيرة بقطاع البناء. سيكو، ذو 20 ربيعا لن ينسى أول ليلة أمضاها بالمخيم، ويتذكر "المحطة مكان مخيف جدا بالليل كما بالنهار. المجرمون هنا لا يتوانون عن سرقة أوراق الهوية أو هواتف المهاجرين، لكنه يضيف، "الغالبية العظمى من المغاربة هم شعب مضياف، فلولا دعم ساكنة الحي لما استطعنا تجاوز فصل الشتاء القاسي ببرده ومطره"، يصف هذا المهاجر اليافع القادم من غينيا. التعايش بين المهاجرين والمغاربة تمرين ليس بالسهل. اختيار عدد من المهاجرين تأسيس مخيم ليلي ثان أمام منازل ومحلات تجارية بالحي أثار حفيظة الساكنة. بعد ثلاثة أشهر من التعايش، الوضع بات يؤشر على توترات قادمة. تشتكي حورية، وهي من سكان الحي: "لا يمكن أن يستمر الوضع على هذه الشاكلة. كيف لنا أن نعيش كل يوم ويبيت العشرات من الأشخاص تحت منازلنا وأمام المحلات التجارية ابتداء من السابعة مساء"، وتواصل شكواها: "نحن جد متفهمين للوضع الصعب لهؤلاء الناس لكن وجب على الدولة أن تجد حلا لهم". موقف الدولة المتفرج يقابله تحرك عدد من جمعيات المجتمع المدني لكن بإمكانات ضعيفة ومتواضعة. تقول مديرة إحدى الجمعيات البيضاوية الداعمة للمهاجرين في وضعية هشة: "نحن بدأنا بمساعدة هؤلاء المهاجرين منذ الخريف الماضي، العدد تزايد في الأشهر الأخيرة حيث نستقبل بمركز الاستقبال النهاري حوالي 200 شخص يوميا. نقوم بتوزيع أغطية وملابس ونوفر لهم بعض الخدمات الصحية الأساسية. أكيد أن الحاجيات كبيرة جدا". وبالإضافة إلى هذه الجمعية يقوم "الإسعاف الاجتماعي المتنقل بالدارالبيضاء" بالتدخل في توجيه المهاجرين من أجل الولوج خاصة للخدمات الصحية. "المحطة" توحد الفقراء بدون مأوى يوم زيارتنا للمخيم صادف وصول عدد من المهاجرين من الناظور. ثلاثة شبان وصلوا للتو مشيا على الأقدام، كانوا جد منهكين ولا يدرون أين سيبيتون تلك الليلة. تم استقبالهم من طرف أحد المهاجرين القدامى ومدهم بشيء من الماء. استقرار المهاجرين الاضطراري بالمحطة أنتج علاقات تعايش مع مغاربة بدون مأوى هم الآخرين. حميد، 23 سنة، مهنته "جباس" قادم من إيميناتوت بدون عمل ومأوى. يعيش مع المهاجرين منذ 3 أسابيع. يقول حميد: "الحياة في البيضاء جد صعبة ولم أحصل على عمل. أمضي اليوم في المخيم خوفا من المجرمين. نعيش ونأكل جمعيا. في الليل أذهب للنوم في مقاهي المحطة". حميد أصبح صديقا للمهاجرين رغم أنه لا يعرف أي لغة أخرى غير الدارجة المغربية للتواصل معهم. وداخل مجتمع المهاجرين هذا يعيش عدد من الأطفال والشباب المغاربة يبحثون عن مكان آمن وسط محطة صعبة المراس. في مخيم "أولاد زيان"، تختفي الجنسيات وتنمحي الاختلافات اللغوية والدينية ويجتمع مغاربة وأجانب في مواجهة قساوة الحياة في مدينة كبيرة مثل الدارالبيضاء هربا من جحيم الفقر وسياسات الهجرة المملاة من طرف الاتحاد الأوروبي. *صحفي مستقل