من باريس أطل علينا المتحدث عفوا الناطق (فبين المسميين بون شاسع) الرسمي باسم النظام المخزني، عفوا مرة ثانية باسم الحكومة المغربية، خالد الناصري ليعبر عن رحابة صدر حكومته وسلطتها التي وصفها بالعمومية، قائلا "إننا كسلطات عمومية ليس لدينا أي مشكل على الاطلاق مع شباب حركة 20 فبراير". استغربت في البداية ولم أصدق العبارة، ربما لأني لم أستوعب قصده من مسمى "السلطات العمومية" ومن توصيف "المشكل" ومن تحديد "شباب حركة 20 فبراير"، لكنه رفع الإشكال ومعه اللبس الحاصل وأوضح بما لا يدع مجالا للشك أو "سوء الظن" أنه "عندما يتعلق الأمر بشباب يناضلون من أجل ملكية برلمانية أي دفع مسلسل الاصلاحات إلى أعلى مستوى، يمكن أن أؤكد لكم أننا نمد يدنا لهؤلاء الشباب الذين هم أبناؤنا ويوجدون في صلب انشغالاتنا" (1). خالد هو في مناصرة الحكومة، ثابت لا يبدل ولا يغير، ولا غرابة في ذلك، لكن الغريب في خرجته الإعلامية هذه وفي توضيحه البين ثلاث مواقف ينصب فيها نفسه الأعرف بها والناطق باسم القائمين عليها: أن الشباب يناضل من أجل ملكية برلمانية، التي هي أعلى مستوى في مسلسل الإصلاحات؛ أنه ومعه السلطات العمومية (حيث نون الجمع في أننا) يمدون أيديهم للشباب؛ أن هؤلاء الشباب هم أبناؤنا (بنسبتهم إلى نونه الجمعية) ويوجدون في صلب انشغالاتنا (ذات النون)؛ حركة 20 فبراير ومسلسل الإصلاحات ينصب الناصري نفسه ناطقا رسميا باسم شباب 20 فبراير، فيقرر بأنهم يناضلون من أجل ملكية برلمانية، ويزيد توجيها لمسار نضالهم فيقرر أنها أعلى مستوى في مسلسل الإصلاحات التي يسعون إلى تحقيقها، ونسي أو تناسى "حضرته" بأن حركة 20 فبراير حركة شعبية خرجت من رحم المعاناة، مكتوية بلظى الظلم والجور والاستبداد وشتى صنوف القهر والقمع، ومحروقة بنيران الفساد والإفساد المسلط عليها لتخريب العقيدة ومحو الهوية وتضليل الثقافة، ومكلومة تنتفض ضد التفقير والتجهيل وسياسة الريع وإغناء الغني وتفقير الفقير، وحماية "اللصوص" ومتابعة "الشرفاء". نسي أو تناسى "سعادته" أن أول مطلب للشعب أن يكون الحاكم الحقيقي باعتباره مصدر السلطة، لا الرعية المحكوم بالحديد والنار، نسي أو تناسى أن من آكد حقوقه أن ينعم بخيرات بلده التي تنهب أمام ناظره بلا حساب أو عقاب، نسي أو تناسى أنه شعب غارق في تدني مستوى التعليم وتفشي الأمية، وتدهور الخدمات الصحية وانعدام التغطية، وغلاء الأسعار.. نسي أو يتناسى أن ثورة تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من انتفاضات الشعوب العربية نتيجة حتمية لحكم مستبد على غير رشاد، وتدبير كثر فيه "بارونات" الفساد... فكيف يا حضرة الوزير الناطق باسم حكومة لا تعاني ما يعانيه الشعب، ولا تألم لما يألم منه، ولا تعرف حتى لغته التي يتحدث بها (فضيحة الفرنكفونيين أصحاب لغة وهل كرهنا في دقة واحدة...)، كيف تنسى كل ذلك أو تتناساه، وتنصب نفسك ناطقا باسم حركة أول مطالبها وأشهرها إسقاط الفساد والاستبداد، واختيار الحاكم ومحاسبته، وفصل الثروة عن السطلة. السلطة تمد يدها لشباب 20 فبراير عفوا حضرة الوزير أخطأت التعبير، فأجدر بك أن تقول "أؤكد لكم أننا كسلطات عمومية نرفع أيدينا على هؤلاء الشباب"، فهناك فرق كبير بين أن "تمد يدك ل" وأن "ترفع يدك على"، والفرق بيانه كالآتي: - لم تمد السلطة العمومية يدها للفقير والمعوز والمحتاج كي تنفق عليه من خيرات بلده إحقاقا لحقه لا عطية ومنة، ورفعت يدها عليهم جميعا حين خرجوا ينتفضون احتجاجا على أوضاعهم المزرية، فنكلت وقمعت وكسرت وجرحت، والطامة الكبرى أن قتلت (وما خبر استشهاد كمال عماري الذي تريد تسليط الضوء بالكامل على وفاته ببعيد). - ولم تمد السلطة يدها للمريض والمعدوم لتداويه في المستشفيات العمومية كحق واجب في التغطية الصحية، ولم تمد يدها للطبيب فتستجيب لأبسط الشروط التي تتطلبها مهمته الإنسانية قبل وظيفته المعاشية، ورفعتها عليهم عاليا فلا تكاد تفرق بين الطبيب بالأمس المصاب بأيدي السلطة اليوم. - ولم تمد السلطة يدها للمتعلمين وهم قلة ممن كافحوا وكابروا وثابروا لاستكمال مسارهم العلمي والمعرفي فتمنحهم ما يستحقون من "ميزانية الدولة" نفقة على مستقبلها وجيلها اللاحق، ورفعتها على أكابرهم بعد أن حصلوا الشواهد ونالوا أشرف المراتب، لتنكل بهم وتعنفهم أشد التعنيف على رؤوس الأشهاد. - ولم تمد السلطة يدها للشرفاء ممن حملوا لواء الإصلاح وأرادوا التغيير نحو مستقبل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ووصفتهم ب "متطرفين يسعون الى تشويه أي مبادرة" و "تموقعوا دائما في الواجهة ضد المؤسسات" و"يسيرون في طريق زعزعة الاستقرار" ومنعهتم من التعبير، ورفعت يدها عليهم فقمعت واعتقلت وسجنت... الحكومة تنشغل بمطالب "الشباب" عفوك حضرة الوزير فإني وضعت الشباب المقصود في قولك بين معقوفتين، حتى أتبين أي شباب قصدت حين نسبتهم إليك ووصفتهم بأبنائك الذين هم في صلب اهتمامات وانشغالات التدبير الحكومي، فلست أعتقد أنك تعني بهم من ذكرت سابقا ممن خرجوا ومدت الحكومة يدها إليهم، عفوا ورفعت أياديها عليهم، فأولائك لم تتحقق مطالبهم، وما زالو يناضلون من أجلها، فهل لك أن توضح من هم؟؟؟. وعفوك إن أحرجتك (ولا أعتقد ذلك حاصلا البتة والكل يعرف السبب) في أسئلة ثلاث أنتظر الإجابة عنها قريبا: ألم يطالب الشباب بإسقاط الحكومة التي أنت الناطق الرسمي باسمها؟؛ ألم يطالبوا بمحاسبة ومتابعة المفسدين وعلى رأسهم وزيركم الأول صاحب "النجاة"؟؛ ألم يطالبوا بدستور شعبي ديمقراطي، تجسد فيه الإرادة الشعبية؟؛ لا أنتظر الجواب منك، فليس كلامي يعنيك، ولا أنت تعنيني، فأنا ابن حي شعبي، من وسط المعاناة قمت أنتفض، وجوابي في الساحة أسمعه حين ترتفع الهتافات والشعارات مرددة حكمة الشعر وإرادة الشعب: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر وكنت دائما أردد في ختامه مع الجماهير بأعلى الصوت سينكسر.. سننتصر ------------------------- حسب تقرير نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، الناطق الرسمي باسم الإعلام المخزني.