11 فبراير, 2017 - 09:45:00 في الوقت الذي يُتداول اسمها بقوة في أروقة المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، شمالي المغرب، وأن تتسلم جائزة في الإبداع الأدبي، تلازم الأديبة المغربية المخضرمة "خناثة بنونة" بيتها بسبب مشاكل صحية في الجهاز التنفسي. تتحدث "بنونة" إلى الأناضول بصوت واهن، وهي تراجع بطاقة دعوة لحضور الافتتاح الرسمي لمعرض الكتاب الذي جرى أمس الأول الخميس، وأخرى لحضور حفل تسليم الجائزة التي تحمل اسمها، وتتساءل إن كانت بعض نفحات من العافية تصيبها وتسعفها لحضور المعرض. إلا أن الجسد مهما بدا مكدودا ومُتْعَبا، فالروح ما تزال يقظة ونشيطة، وتدل على اهتمام ثقافي وأدبي قديم، ترجع جذوره إلى سنوات الستينات حيث كانت "خناثة بنونة" تنحت اسمها في مجالات الثقافة والأدب والإعلام والمسرح. لم يكن إذ ذاك في الساحة الثقافية المغربية أي اسم نسائي يُذكر، وهو ما شجعها على ركوب مغامرة الكتابة والإبداع الأدبي، فأصدرت عام 1967 وهي في عقدها الثالث من العمر مجموعة "ليسقط الصمت" لتدشن بها تاريخ السرد القصصي بالمغرب. في عاصمة المغرب العلمية مدينة فاس (شمال) رأت النور سنة 1940، حيث فتحت عينيها في وسط كان قلب المغرب نابض بالحركة الوطنية المغربية، وأفكار التحرير والمقاومة. من تلك الرحم خرجت إبداعات "خناثة بنونة" متوهجة كروحها وملتزمة بقضايا الوطن والأمة، وهو ما يمكن تَلَمسه في عناوين إصداراتها التي جاءت تِبَاعا بعد ذلك، "النار والاختيار" عام 1969 وهي أول رواية لكاتبة مغربية، و"شروق" عام 1965 وهو عنوان المجلة التي أصدرتها كأول مجلة ثقافية مغربية، وثاني مجلة عربية بعد "روز اليوسف". إضافة إلى مجموعة "العاصفة" عام 1979، و"الصورة والصوت" سنة 1981، ورواية "الغد والغضب" سنة 1984، ثم "الصمت الناطق" و"الكتابة خارج النص" سنة 1987. وتحكي "بنونة" أن الزعيم الوطني الراحل علال الفاسي كان له فضل عليها، إذ تنبأ بنبوغها الأدبي وعمل على احتضانها، والثناء عليها ووصفها بأنها "ابنة المغرب التي لم يلد مثلها من قبل"، ولذلك فقد حال دون زواجها وهي ابنة أربعة عشر عاما. وفاء لتلك العلاقة منحت صاحبة "الحب الرسمي" (مجموعة قصصية أصدرتها سنة 2006)، مكتبتها العامرة هدية لمؤسسة علال الفاسي بالرباط (مؤسسة فكرية غير حكومية) لإتاحتها لعموم القراء. ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي تهدي فيها شيئا لخدمة قضية ما، فقد تبرعت بمداخيل روايتها "النار والاختيار" لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتبرعت بعائدات جائزة القدس الأدبية، لبيت مال القدس. تؤمن صاحبة كتاب "الذاكرة المسترجعة" (أصدرته سنة 2008)، أن "الكتابة قوة ناعمة"، وتعتبر أن كل مسارها الفكري والأدبي كان من أجل الدفاع عن الهوية والدين والتاريخ والحضارة، وعن الماضي والحاضر والمستقبل". اشتغلت "بنونة" معلمة في بداية مسارها، ثم مديرة لثانوية ولَّادة (مدرسة ثانوية) في الدارالبيضاء، لكن اسمها فاق كل الحدود الجغرافية، وتردد في أكثر من منتدى وجائزة. واعترافا لريادتها وتجربتها الفريدة في الكتابة، من منطلق المثقف المنخرط في قضايا مجتمعه، تُسلم اليوم السبت، ضمن فعاليات معرض الكتاب، جائزة تحمل اسم "خناثة بنونة" للابداع الأدبي في القضايا الأسرية المقدمة من مركز الدراسات الأسرية (غير حكومي) بشراكة مع وزارة الثقافة. وحول مسارها الإبداعي عقدت عدد من المؤتمرات الأدبية في موضوع "المقاومة والسرد"، كما تلقت وساما ملكيا من الملك محمد السادس في احتفال عيد العرش عام 2015، وكرمها "الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية" (غير حكومي) في 2015، لدفاعها عن اللغة العربية وهي المناسبة التي قالت فيها قولتها الشهيرة "المرتد عن لغته كالمرتد عن دينه". وانطلق المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء في دورته ال23، أمس الأول الخميس، ويستمر حتى ال19 من فبراير الجاري. وينتظر أن يبلغ زوار المعرض خلال الدورة الحالية، حوالي 350 ألف زائر، حسب ما أعلن عنه وزير الثقافة محمد أمين الصبيحي. ويوفر المعرض لزواره أكثر من 100 ألف عنوان، و3 ملايين نسخة من الكتب، تقدم من طرف 702 عارضاً من 54 بلدا مشاركا في هذه التظاهرة.