08 فبراير, 2017 - 11:21:00 الماء سر الحياة.. وسكان واحة "أمتضي" في الجنوب المغربي، يعرفون جيدا أنه سر الحروب والنزاعات كذلك.. فعلى مر التاريخ، اشتهرت الواحة الواقعة بين سفوح جبال الأطلس الصغير في عمق الصحراء، بجريان مياه عين "بوكاع" طوال أيام السنة، وبدون أن يتأثر منسوب المياه فيه بمواسم الجفاف أو ندرة الأمطار. وسط فج صخري عميق تمتد واحة خضراء على طول وادي "أمتضي" لحوالي 3 كيلومترات، بأشجارها الوارفة من نخل ورمان، ما جعل المستقرين بها عرضة لهجمات متتالية عبر القرون.. فكان لزاما على ساكني هذه "الجنة" وسط الصحراء أن يجدوا رمزا آخر للحياة، أطلقوا عليه اسم "إيكودار"، وهي المخازن الجماعية. فبين منابع الماء، التي تزين واحة "أمتضي" بأحواض وشلالات ساحرة، انتصبت حصونها التاريخية الشامخة، التي حمت ساكنيها من غارات الطامعين في خيراتهم، وسمحت بتخزين مؤونتهم ومحاصيلهم بعيدا عن كل متربص. تاريخ هذا الفج الصخري، وبحسب دراسات علمية، يعود إلى نشاط جيولوجي قبل أكثر من مليون سنة، حيث تكونت تضاريسه بفعل التعرية وقوة جريان المياه. وخلَّفَ هذا النشاط الجيولوجي أشكالا فنية على جنبات الوادي تسر الزائرين، فضلا عن تكتلات طينية على شكل صواعد وهوابط وكهوف خلفتها شلالات مائية كانت متدفقة باستمرار من أعالي الكتل الصخرية، ونحتت المياه لنفسها مصارف طبيعية بين هذه الكتل المكونة من صخور ورمال وطين تجمعت وتصلبت على مدى ملايين السنين. حصون منظمة إبراهيم أضرضور، وهو شاب من سكان "أمتضي"، قال للأناضول إن هذه "الحصون كانت تستخدم في القرون الماضية كمخازن جماعية يحفظ فيها السكان أموالهم وقوتهم ومحاصيلهم الزراعية في فترات تاريخية غاب عنها الأمن والاستقرار في المنطقة.. وكانوا أيضا يلجأون إليها للاحتماء في فترات القلاقل والحروب القبلية". في الواحة يوجد "أكادير اكلوي"، وهو حصن، وفق سكان المنطقة، جرى تشييده قبل أكثر من تسعة قرون، ثم أعيد بناء هذا المعمار التراثي الجبلي أكثر من مرة، ويتميز بهندسة محكمة ومنيعة، إضافة إلى أبراج للمراقبة. للولوج إلى الحصن يلزم الزائر تجاوز أكثر من بوابة. ويتكون هذا البناء من أربعة طوابق مقسمة إلى أكثر من 90 غرفة للتخزين، ولكل أسرة غرفتها الخاصة وفق الأعراف القديمة المنظمة للحصن. الحصن الثاني، الذي لا يزال شامخا، يسمى "اكادير ندعيسى"، وهو يطل على قرية "ادعيسى"، وقد فُتح للسياح منذ ستينات القرن الماضي، ولا يختلف كثيرا في هندسته عن حصن "أكلوي"، ويتكون هو أيضا من غرف للتخزين وأبراج للمراقبة وأسوار محصنة. مواصلة المسير في عمق واحة "أمتضي"، تقود الزائر إلى طبيعة خلابة ومياه متدفقة على شكل شلالات تروي الحقول والأشجار. سياحة وزراعة طول السنة تجذب الواحة سياحا مغاربة وأجانب. وقالت "فال ليير"، وهي سائحة بريطانية، للأناضول: "أنا معجبة جدا بهدوء الواحة وسكانها الطيبين، وكونها لا تزال تحتفظ بمورثها الطبيعي والتاريخي، الذي يشرح لنا كيف استطاع سكانها مقاومة مشاكل ومصاعب الحياة، على جميع الأصعدة". وبجانب السياحة، لا يزال سكان "أمتضي" يزاولون نشاطا زراعيا معيشيا، يشمل أشجار اللوز والخروب والزيتون والرمان، وبعض الخضروات. لكن التغيرات المناخية في السنوات الأخيرة جعلت الواحة تفقد الكثير من الأراضي المخصصة للأنشطة الفلاحية؛ بسبب الفيضانات والسيول التي تجرف الأراضي، وتهدد معالمها التاريخية العريقة. ووفق عمر بالحوس، وهو شاب يرافق السياح، في حديث للأناضول، فإن "السكان لم يعودوا يعتمدون على المحاصيل القليلة جدا كمصدر عيشهم اليومي، لهذا فنحن في أمس الحاجة إلى الدعم الدائم للحفاظ على هذا الموروث البيئي، الذي يساعد السكان على الاستقرار، ويساهم في الحفاظ على البنايات التاريخية، لنضمن استمرار تدفق السياح".