اعتبرت الناشطة الأمازيغية مريم الدمناتي عضو المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات في حوار مع "لكم" أن نداء تيموزغا من أجل الديمقراطية التي تعتبر إحدى الموقعين عليه يهدف إلى طرح تصور لما يجب أن يكون عليه شكل الانتقال السلمي إلى الديمقراطية في المغرب في ظل الحراك الذي يعرفه المغرب ودول المنطقة ولإبراز انخراط الأمازيغ في دعم المد الثوري المنادي بالتغيير واتحادهم مع غيرهم في الأهداف معتبرين قضيتهم حزءا لا يتجزأ من المشروع الديمقراطي، وعن نداء تيموزغا وعدد من القضايا التي لها ارتباط بالقضية الأمازيغية كان للموقع هذا الحوار مع الباحثة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. أجرة الحوار عماد استيتو ما هي أهدافكم من وراء إصدار نداء تيموزغا؟ يهدف نداء "تيموزغا" بالدرجة الأولى إلى تحسيس المغاربة بالمطالب الأمازيغية في الدستور وفي السياسات العمومية، وذلك بتقديم الشروحات اللازمة لهم من أجل رفع اللبس عن العديد من الأفكار التي ظلت غامضة لدى بعض الناس أو غير واضحة بما يكفي، وقد اعتبرنا أننا في المرحلة الحالية التي هي مرحلة حاسمة بكل المقاييس، ملزمون بتوضيح مطالبنا للشعب المغربي، من أجل كسب الرأي العام، وإشاعة القيم الديمقراطية من البوابة الهوياتية واللغوية والثقافية، حيث يستحيل وجود مشروع ديمقراطي متكامل بدون عمق ثقافي. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فيهدف النداء إلى التعبير عن مساندة الفاعلين الأمازيغيين لحركة 20 فبراير ودعمها للحراك الشبابي الذي أعلن عن نفسه بصوت عال في الشارع المغربي، حيث نعتبر أنّ ما يحدث حاليا في المغرب وفي العديد من الدول المغاربية والشرق أوسطية هو سياق غير مسبوق لا ينبغي أن يضيع، وقد كان الصوت الأمازيغي دائما يمثل سندا كبيرا للقوى الديمقراطية الحية في البلاد، حيث كان لا يتردّد في مساندة كل المناضلين من أجل قضايا عادلة، لأن الأمازيغية ثقافة تحمل في ذاتها قيم التحرر والمساواة والكرامة. ما هي أهم مرتكزات وتصورات النداء الذي أصدرتموه؟ يرتكز النداء على تحليل سياسي للمرحلة الراهنة يبرز بأن الإستبداد السياسي هو مصدر النكسات التي يعرفها بلدنا على غرار العديد من البلدان الأخرى، وأنّ غياب وثيقة دستورية تقوم على تعاقد اجتماعي قد أفرغ المؤسسات من مدلولها الطبيعي في الأنظمة الديمقراطية، وجعلها بنيات صورية، ومن الناحية الثقافية يبرز النداء كيف أن نموذج الدولة الذي تمّ تبنيه، والذي اعتمد مبدأ الإختزال في الشأن الثقافي واللغوي قد أدّى إلى تهميش الأمازيغية و التخطيط لإبداتها من أجل فرض هوية مركزية يتم تعميمها على كافة جهات المغرب، على حساب التنوع المغربي الذي هو إرث تاريخي لا يمكن للمغرب أن ينهض بدونه، ويبرز النداء كذلك بأن المغرب قد اشتغل لأزيد من خمسين سنة بدون مشروع ثقافي واضح، لأن الهدف كان هو تدمير ثقافة الشعب لصالح ثقافة الفئات المهيمنة. وبجانب هذا كله يقدم النداء مطالب الأمازيغ في الدستور وفي مختلف المجالات بشكل مفصل الغرض منه توضيح تلك المطالب وعلى رأسها مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية الذي من شأنه أن يحلّ بشكل نهائي المشاكل التي تتخبط فيها في التعليم والإعلام على وجه الخصوص، وفي الفضاء العمومي عامة . هل ثمة نقط اختلاف مع ما تقدمت به بقية الجمعيات والتنسيقيات الأمازيغية من اقتراحات للجنة تعديل الدستور؟ لا توجد نقط اختلاف ولكن توجد إضافات لدعم مطالب الجمعيات الأمازيغية وتوضيحها، فالفاعلون الأمازيغيون متفقون بالإجماع على ضرورة دسترة الأمازيغية كلغة رسمية وعلى كل مطالبهم التقليدية، ولكن المقاربات وأشكال الحجاج والمرافعة هي التي تختلف، والنداء هو شكل من أشكال الترافع من داخل الحركة الأمازيغية، حرره مثقفون وفعاليات من الحركة، ونعتقد بأن جهود كل الفاعلين سواء الجمعويين منهم أو الأفراد والباحثين والطلبة والفنانين هي جهود تتكامل فيما بينها لتصبّ في هدف واحد هو ضمان المكانة اللائقة بالأمازيغية في مؤسسات الدولة المغربية. تتحدثون عن الهوية الأمازيغية كهوية أصلية للمغرب ، هل هذا يعني بالضرورة إنكار الوجود المتجذر للمكون العربي داخل المجتمع المغربي؟ هذه من الإشاعات التي كانت متداولة بالمغرب والتي أصبحت الآن تنحسر شيئا فشيئا مع تزايد الوعي بالطابع التعدّدي للهوية وللحقل الثقافي المغربي، وترجع هذه الإشاعة إلى أن الناس قد تربوا سواء في المدارس أو عبر وسائل الإعلام على الأحادية والإقصاء، مما يجعلهم يردّون بعنف على الخطاب التعددي الديمقراطي الذي يتنكرون له ويتخوفون منه، لأنهم لم يتربّوا على القبول بالتعدد والتنوع وعلى الحق في الإختلاف، فهم صورة للتعليم الذي تلقوه، والذي علمهم أنهم "عرب" و أن المغرب "بلد عربي" ينتمي إلى ما يسمى ب "الوطن العربي"، وعندما يستمعون إلى من يتحدث عن الأمازيغية ينعتونه بنعوت سلبية لأنهم أصبحوا ضحايا إيديولوجيا إقصائية، أما الحقيقة فهي أن الأمازيغية هي الهوية الأصلية بحكم التاريخ، أي أن الأمازيغية كانت هي اللغة والثقافة الأولى على أرض المغرب منذ آلاف السنين، وهذا لا يستطيع أحد أن ينكره، والتحقت بها كل العناصر الأخرى التي ترسخت بدورها وأصبحت لها مكانتها، لكنها اتخذت طابعا أمازيغيا خصوصيا هو الذي يميز المغرب عن العراق مثلا أو عن السعودية، فالمكون العربي موجود بالمغرب منذ قرون طويلة، ولا يمكن إنكاره أو حذفه بجرة قلم، لكنه ليس المكون الوحيد بل توجد قبله الأمازيغية ومكونات أخرى عريقة. وفي الوقت الذي كنا نقول ذلك داعين إلى تكريس سياسة تدبير للتعددية المغربية، كنا ننعت بالعنصرية، بينما العنصرية في الواقع هي الخطاب الذي ينكر الأمازيغية ويريد التعريب المطلق للمغرب وهو أمر مرفوض كليا. فتعددية الخطاب الأمازيغي وقبوله بكل المكونات هي التي تجعل منه خطابا ديمقراطيا أقوى من الخطابات الأخرى، بل أكثر من ذلك فالخطاب الأمازيغي يلفت الإنتباه إلى المكونات الأخرى أيضا كالمكون اليهودي والإفريقي والمتوسطي التي يتم السكوت عنها عادة. ونحن نفتخر على أن الكثير من المكونات التي يتحدث عنها الناس اليوم كنا السباقين والوحيدين تقريبا إلى إثارتها. يشعر البعض وكأنكم تنطلقون للدفاع عن حقوق اللغة الأمازيغية من منطلق مهاجمة اللغة العربية واعتبارها لغة دخيلة على المجتمع المغربي ومناوئة للعربية؟ كما أسلفنا في الجواب السابق، فاللغة الأمازيغية هي اللغة الأصلية لسكان المغرب بشهادة التاريخ، واللغة العربية أيضا لها تواجد عريق بالمغرب منذ قرون، وهي اليوم لا تعتبر لغة أجنبية عند المغاربة بل على العكس فهم يعتبرونها لغة الدين و يحترمونها سواء كانوا ناطقين بالأمازيغية أو بالعربية، والخطاب الأمازيغي كان واضحا في هذا الموضوع حيث طالب دائما بترسيم الأمازيغية بجانب العربية وليس على حسابها، ففي مذكرة الجمعيات الأمازيغية إلى الملك الحسن الثاني عام 1996 وردت هذه الصيغة بوضوح وكذلك في مذكرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى الملك محمد السادس عام 2006، و نفس الشيء ورد في مذكرات الجمعيات الأخيرة، فالمطلب هو المساواة بين الأمازيغية والعربية وليس فرض إحداهما على حساب الأخرى، والذين يقولون غير ذلك عن الخطاب الأمازيغي يحاولون زرع البلبلة والتشويش على المطالب الديمقراطية للفاعلين الأمازيغيين. ومن هذا المنطلق أذكر بأنّ اللغات لا تتصارع أو تعادي بعضها البعض، وأن خاصية الثقافات واللغات والحضارات هي التبادل والتفاعل والحوار وليس الحرب والصراع والتصادم، وأن الذي يتصادم هو الإيديولوجيات السياسية بسبب الإقصاء وانعدام الديمقراطية. ألا ترين أن في الحديث عن "منتسبين إلى العروبة" و "أمازيغ " عوض الكلام عن مغاربة نوع من الأبارتايد العنصري ؟ الأبارتايد العنصري هو اقتراح قانون للعربية وآخر للأمازيغية، تمتيع العربية واللغات الأجنبية بالميزانيات والكتابة بها على واجهات المؤسسات العمومية وترك الأمازيغية في الهامش ومحاصرتها في كل المجالات، إنتاج 80 ساعة في الأسبوع من البرامج التلفزيونية بالعربية والفرنسية في كل من القناتين الأولى والثانية وبثها في أوقات الذروة، وإنتاج ساعة وخمسين دقيقة في الأسبوع بالأمازيغية وبثها في الثامنة صباحا، هذه هي مظاهر السياسة العنصرية بالمغرب والتي ضحيتها الأمازيغية، و لهذا نلحّ على الإعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة رسمية من أجل توفير الحماية القانو نية لها وإدراجها مع غيرها على قدم المساواة في كل المجالات، أما المقصود بالمنتسبين إلى العروبة فهم الذين يعتبرون أنفسهم عربا ولا يعترفون مطلقا بأي انتساب إلى الأمازيغية وهم يعيشون في المغرب، فكل المغاربة أمازيغيون لأنهم يحملون قدرا من الأمازيغية في كيانهم، سواء كانوا يشعرون بذلك أم لا، فالذي يتكلم الدارجة مثلا يتحدث الأمازيغية بدون أن يشعر من خلال توظيفه للعديد من الكلمات والتعابير الأمازيغية والتي ليست عربية، لأن الدارجة المغربية كما هو معلوم نتاج تفاعل تاريخي بين الأمازيغية والعربية، وأعتقد بان تطور الحياة الديمقراطية بالمغرب، وإنصاف الأمازيغية هو الذي سيفرز في النهاية شعورا وطنيا منسجما بالإنتماء إلى المغرب وإلى "تامغرابيت" بشكل طبيعي. انتقادكم من خلال النداء لوجود " منتسبين إلى العروبة " في مراكز القرار دون مراعاة تمثيلية الفاعل الأمازيغي هل هذا يعني أنكم تقترحون نظام كوطا مثلا يشترط وجود الفاعل الامازيغي؟ لا نشترط نظام كوطا ولكن نشترط أن تحترم تمثيلية فاعلي الحركة الأمازيغية في اللجان والمجالس الوطنية، لأن عدم وجود أية تمثيلية يؤدي كما لاحظنا في العديد من التجارب الماضية إلى إغفال مطالب الأمازيغية وعدم أخذها بعين الإعتبار، أو تناولها بشكل كاريكاتوري كما حدث في ميثاق التربية والتكوين مثلا . طالبتم بحذف جميع العبارات والمفاهيم التي لا تنص على مبدأ تعدد الهوية كالمغرب العربي، ماذا سيكون موقفكم لو لم يتم تغيير هذه العبارة وبقية العبارات التي تختزل الهوية المغربية في العروبة والاسلام؟ سيكون هذا تناقضا مضحكا، فالإعتراف بالأمازيغية في الدستور معناه حذف تلك العبارات لأنها إقصائية بكل المقاييس ولا تتلاءم مع الإعتراف بالتعددية، وهذا ما حدث في كل الديمقراطيات العالمية، فعندما يتمّ تغيير الدساتير من أجل الإنتقال إلى الديمقراطية يتم تطهير النصوص القانونية من كل العبارات المسيئة إلى هذا الطرف أو ذلك، تصور مثلا لو أنه في جنوب إفريقيا تم الإبقاء على عبارات الميز العنصري التي كانت في قوانين الأبارتايد، كان ذلك سيبدو تناقضا صارخا، لأن الوثيقة الديمقراطية بحاجة إلى مفاهيم وعبارات ديمقراطية تضمن المساواة والعدل للجميع. ما ردكم على من يقول أن اللغة الأمازيغية الآن راهنيا غير مؤهلة لتصبح لغة رسمية؟ الردّ هو أن على من يقول ذلك أن يقرأ ويبحث ليفهم، فالأمازيغية الآن تتوفر على المعاجم العصرية وعلى قواعد صرف ونحو وتركيب موحدة كغيرها من اللغات، وعلى الحوامل البيداغوجية والديداكتيكية وعلى الكتب المدرسية للست سنوات الأولى، و كذا قصص مصورة للأطفال وأناشيد مسجلة وكل ما تحتاج إليه العملية التعليمية في المدرسة العصرية. والذي يقول العكس يمكنه أن يطلع بنفسه إن استطاع ذلك، والمشكل الآن هو أن ثمة بعض الأشخاص يتحدثون في الموضوع وهم لا يعرفون ما تم إنجازه في هذا المجال ولا يريدون أن يعرفوا، لأن قصدهم الإبقاء على الأمازيغية في وضعية الدونية والتهميش وهذا ليس موقفا ديمقراطيا. أما إن كان القصد بالقول إنها غير مهيأة عدم وجود أطر للدولة مكونة في الأمازيغية العصرية فهذا شيء لا يمكن أن يتحقق إلا بترسيم الأمازيغية في الدستور، لأن الدولة تكوّن أطرها في اللغة الرسمية، وهو ما يعني أن الامازيغية إذا لم تكن رسمية فلن يتم تأهيلها أبدا من هذا الجانب، فالترسيم لا يعني أن اللغة مهيأة لأن تلعب كل الوظائف، بل يعني أنها تكتسب الحماية القانونية من أجل أن يتحقق لها التأهيل المطلوب. ماهي الأسس التي بنيتم عليها رفضكم للتقسيم الذي اقترحته لجنة الجهوية الموسعة؟ رفضنا لذلك التقسيم آتٍ من أنه لم يأخذ بعين الإعتبار العامل الثقافي والتاريخي في التقسيم بل أغفله تماما عن قصد، وذلك بهدف تشتيت الجهات وبناء تقطيع على أساس اعتبارات لا تهتم بالعامل البشري والثقافي، وهذا يؤدّي في النهاية إلى تبني منظور مركزي للجهوية، بنفس الهواجس الأمنية القديمة التي رسّخها وزير الداخلية ادريس البصري، وهذا في اعتقادنا متجاوز لأنّ المغرب ينبغي أن يقوم بتدبير قضاياه بمنظور جديد ومستقبلي، فالجهات المغربية التي لا تتعدى سبع جهات كبرى وتاريخية، هي جهات تتمتع كل واحدة منها بشخصيتها الثقافية التي يمكن أن تساعد على إنجاح مشاريع التنمية وذلك لما توفره من عناصر ترابط سوسيوثقافية بين السكان وهذا هو ما تمّ إغفاله من طرف اللجنة المكلفة التي كانت تضمّ أعضاء تكونوا أساسا على النموذج المركزي الفرنسي الذي لا يمكن أن ينجح إذا ما طبق على المغرب. كيف تتصورون مستقبل اللغة الأمازيغية في المغرب؟ مستقبل الأمازيغية رهين بالوثيقة الدستورية القادمة، فإذا ما تمّ ترسيمها كما هو مطلوب وكما تدعو إلى ذلك أغلبية الأحزاب السياسية الآن، وأغلبية المجتمع المدني المغربي، وكل القوى الحية، فإن مستقبلها سيكون بلا شك مزدهرا وواعدا لان ذلك سيسمح أولا بالحفاظ عليها، ثم بالنهوض بها في كل القطاعات و خاصة في التعليم الذي هو أساس كل شيء، إما إذا لم تتوفر الحكمة السياسية لدى الحكام المغاربة وحكموا بإقصاء الأمازيغية كما كان ذلك منذ خمسين سنة، فإن النتيجة لن تكون في صالح السلم الإجتماعي والإستقرار السياسي للبلاد، فالهدف من مراجعة شاملة للدستور هو ضمان الإنتقال السلمي إلى الديمقراطية ، بينما الإستمرار في تهميش الأمازيغية سيكون مؤشرا لاستمرار الصّراع في موضوع الهوية واللغات، في الوقت الذي ينبغي فيه الحسم و المضي إلى الأمام. --- تعليق الصورة: مريم الدمناتي