-شكلت الحركات الاحتجاجية التي تجتاح المغرب _كما دول أخرى_ فضلا عن موضوع إدانة الإرهاب للمؤسسات الإعلامية المتحذلقة مناسبة هامة لممارسة التحيز. ولهذا الغرض نخصص هذا المقال لبسط بعض أنماط و أشكال التحيز التي عرفها ويعرفها الإعلام المغربي . - بدءا لابد من الإشارة إلى أن التحيز الإعلامي ؛معناه: أن تتحيز وسائل الإعلام للوضع الراهن ضد التغيير ؛ أو للتغيير ضد الراهن ؛ أو للسلطة ضد قوى المعارضة أو لجماعة إثنية ضد أخرى. كما لا يخفى على أحد أن التحيز يحمل في طياته دلالة التحامل بما يفيد الإيديولوجيا ، فهو قبل أن يكون فنا لترويض الجماهير و تسطيحها و تعليب وعيها، يظل نسقا من الأفكار الزائفة ، التي لا يمكن فهمها إلا باعتبارها ترجمة لمصالح الذات السياسوية التي سرعان ما تتعرى بتعري الخطاب الذي ينقلها. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أنواع التحيز الكثيرة التي يعرفها الإعلام المغربي أو التي لا يفترض أن يعرفها على الأقل في هاته الفترة الحرجة بالذات؛ نذكرها منها: التحيز للحق : وهو تحيز المؤسسة الإعلامية لما تراه أنه "الحق" أو لما تعتقد أنه كذلك ، فالمعتقد بالحق هنا ليس معناه أن المتحيز له لا يخضع ذاته و أحكامه للمنظومة القيمية أو للحق الذي يوجد خارجه ، وإنما معنى ذلك أنه "تحيز للحق" في جوهره حكم أو اجتهاد قابل للإبطال ، و صاحبه يعي ذلك جيدا.فتُمَرَرُ إذن الأخبار الكاذبة تحت طائلة أو ذريعة أو غطاء الحق والقانون . التحيز للباطل : ومن بين صوره ما يلي : + التحيز للسلطة : وهو تحيز حاصل عن التخلي الكلي عن ذاتية المؤسسة الإعلامية وعن إرادوياتها و اختياراتها الحرة و النزيهة حيث تصير المؤسسة عبدا للسلطة. هذه الأخيرة التي تصبح هي المرجعية ، و ما تقوله هو الحق ، وهذا حال الإعلام المغربي فعوض أن يشكل سلطة إعلامية يتحول إلى إعلام عميل للسلطة . + التحيز للذات : ويتحصل حينما تجعل المؤسسة الإعلامية من نفسها المرجعية الوحيدة المقبولة ،وهذا ما نلمسه في القنوات التي تدعي السبق الصحفي/الإعلامي في كل شيء حتى في شهادات الزور. + التحيز للقوة : و هو تحيز بدون إكراه ، يتحصل عندما ترضى المؤسسة الإعلامية الضعيفة بأحكام الآخر بغية تحقيق مصلحتها ونفعيتها الذاتية ، دونما إيمان منها بأن ما يقوله هذا الآخر هو الصواب. + تحيز واع : وهو تحيز من يختار خطاً إيديولوجيا بعينه ، ثم ينظر للاحتجاجات من منظوره ، و يقوم بعمليات وحملات دعاية و تعبئة في إطاره، + تحيز غير واع : وهو تحيز نتج عن تراكم مجموعة من الخطوط الإيديولوجية داخل الإعلام المغربي فجعلته لا ينظر للحركات الاحتجاجية إلا من خلالها ، وبدون وعي منها. وهو ما يزيد من ضراوة التحيز غير الواعي ؛ حيث إن التحيز الواضح الواعي عادة ما يفصح عن نفسه ، كما هو الحال في الدعاية السياسية الرخيصة ، على خلاف التحيز الكامن الذي يجعل الجماهير تتأثر به دون وعي من جانبها . وهو الأمر الذي لا ينفي وجود العديد من الطرق التي يتم من خلالها توصيل التحيز الواعي بطرق خفية و دون وعي من جانب الجماهير ؛ نحو ربط مطالب محتجي حركة20 فبرايرمثلا بالعدل والإحسان والنهج ومحاربة الإرهاب، لمعرفتهم بأن من شأن هذا الربط أن يقلل من حجم احتجاجاتهم المطلبية على الرغم من عدم وجود أية علاقة حقيقة بين هذا وذاك. + تحيز داخل تحيز : وهو انتقاء بعض المقولات بعينها من الثقافة أو المنظومة السياسية التي تم التحيز إليها ابتداء و عرضها وكأنها المبادئ الكلية. و مثال ذلك ؛ تحيز إعلامي ما لشخص بعينه ينتمي لجهة دونما تحيزه لباقي أشخاص هذه الجهة، أو للجهة ككل باعتبارها شخصا معنويا ، يعتبر تحيزا للجهة من داخلها و بجزء منها ، وهو ما قد يفاد منه في بعض الأحيان التحيز الجزئي ، أي التحيز للجزء بغرض إفادة الكل .وقس على ذلك محاكمة بعض رموز الإعلام في هذه الفترة بالذات ،إذ الأمر يتجاوز الإعلاميين كأفراد إلى الإعلام كمؤسسات حتى لا تنقاد وراء الثورات الديمقراطية أو التحريرية الجارفة التي تجتاح العالم العربي برمته. و خلاصة القول : إن أبلغ وأقوى هذه التحيزات ما يمرر عبر لغة اللغة لأنها الأقدر على تحويل المواقف إلى "رسائل مشفرة" موجهة إلى خصوم ما سياسيين مثلا . ومن النافل القول إن للتحيز عوامله ، مثلما له عواقب تترتب عنه .سنقوم بذكر أهما: * عوامل التحيز : نوعان ، خارجية و ذاتية ؛ الأولى تتمثل في مجموع القوانين و القيم الخبرية التي تعتنقها المؤسسات الإعلامية ؛ إذ يجد الإعلامي المقهور نفسه داخلها مكرها على الامتثال و الانصياع لها ؛ والثانية مرتبطة بتكوينات الفرد الإيديولوجية التي تجعله في غالب الأحيان إلم نقل في كل الأحيان مسيئا للظن ، مُصْدِراً للأحكام القبلية ؛ * أما عواقب التحيز : فتتمثل في مترتبات نجملها في : نقص المعلومات التي تقدم للشعب المغربي عن الحركات والاحتجاجات والمواضيع التي تشغلهم ،و خلق صورة نمطية موالية لجهة دون غيرها ،و إساءة تقديم المعلومات؛ الأمر الذي ينتج عنه تضليل عقول الجماهير و تأسيرها وتحشيدها ، فضلا عن اتخاذ المواطنين لقرارات إشراطية بناء على أفكار مغلوطة و ناقصة ، و تحديد مواقفهم وفق ما تحدده المؤسسات الإعلامية من خلال ما تبثه وتقدمه لهم من معلومات ، وليس وفق ما تمليه الحقائق الموضوعية.