حاوره: محمد لودين 24 سبتمبر, 2016 - 11:05:00 سعيد بن جبلي مدون وكاتب وناشط مغربي مهتم بالشأن العام و حقوق الإنسان وقيادي سابق في جماعة العدل والإحسان . عمل مديرا ومحرر أخبار بموقع مغارب كم، وهو أحد مؤسسي حركة 20 فبراير التي أشعلت احتجاجات 2011 في المغرب.. صنفته مجلة الأكسبريس الفرنسية ضمن "المائة شخصية الذين يحركون المغرب" في عددها الصادر نهاية سنة 2010. أعلن عن إلحاده "تصحيح: تركه للإيمان أو تشكيكه في مسلمات الإسلام" بعد هجرته للولايات المتحدةالأمريكية. هل لك أن تعرف قراء الموقع أكثر عن بداية التزامك الديني ودراستك للشريعة مع العلم أنك حصلت على بكالوريا في الهندسة الكيميائية سنة 1998؟ نشأت على الالتزام الديني منذ نعومة أظفاري، وفي السنة السابعة من التعليم الأساسي كان لدي أستاذ سلفي التوجه، لايتحث في القسم بغير اللغة العربية الفصحى... وقد أثر في تأثيرا كبيرا وأصبحت مسلما ملتزما حتى قبل سن البلوغ، وكأي شاب غير مسلح بالحس النقدي... ومتأثرا بأستاذه السلفي... كنت أميل لهذا التيار عن غير وعي... فكنت أكره أهل الأديان الأخرى، وألقي اللوم على تبرج النساء، وعلى الناس غير المومنين. لكن الالتزام الصارم بدأ حين ولجت جماعة العدل والإحسان وأنا في الخامسة عشر من عمري... وكنت حينها انتقلت لمدينة الجديدة أتابع دراستي في شعبة الهندسة الكيميائية بثانوية الرازي التقنية. وفي هذه المرحلة كنت قارئا نهما... وكان لدينا مسجد خاص به مكتبة غنية بالكتب الإسلامية المتنوعة... فانتخبني التلاميذ قيما على هذا المسجد، أشرف على مجلته الحائطية وبرنامج الدروس والمواعظ الأسبوعية وبرنامج الصيام الجماعي المنظم، بالإضافة إلى إيقاظ التلاميذ لصلاة الفجر. وتوفير خدمات للمصلين لما في ذلك حمام مزود بجهاز لتسخين المياه للوضوء والغسل. كيف جاء انضمامك لجماعة العدل والإحسان؟ وما هي المهام التي شغلتها في الجماعة؟ قبل الانتقال لمدينة الجديدة، تم رصدي والاتصال بي في مدينة سيدي بنور من قبل صديق ينحدر من منطقتي، سبقني لثانوية الرازي التقنية وتم استقطابه من قبل جماعة العدل والإحسان، زارني وحدثني عن الجماعة وحثني على اختيار الثانوية التقنية لمتابعة التعليم الثانوي، وحين انتقلت للثانوية كان للجماعة تواجد ضعيف بالمؤسسة لا يتعدى أسرة تنظيمية واحدة من 4 أفراد، وكانوا يعملون على إنشاء أسرة جديدة من الأعضاء الجدد، وكان الأمر يأخذ سنة كاملة من الجهود والأنشطة ليتم فرز العناصر الصالحة للإدماج في التنظيم بشكل رسمي. وفي العطلة شاركت في المخيم الصيفي واحتككت بالمئات من أعضاء الجماعة وقيادييها، ومنهم المرحوم الشيخ محمد البشيري، ومع الدخول المدرسي للسنة الثانية اكتبست مكانا بين أعضاء الجماعة بشكل رسمي، ثم أتى قرار فصل البشيري بشكل صادم، فقدم نقيبنا استقالته، واستقال أغلب أفراد الأسرة الأولى، ووقع آخر تحت صدمة عاطفية، فترك الجماعة وتفرغ للموسيقى ومصاحبة الفتيات، وانقطعت روابطنا بالجماعة بضعة أسابيع، وبما أنني كنت حينها الشخص التالي في سلسلة القيادة، فقد صرت أقوم بالإشراف على نشاط الجماعة بالإضافة إلى نشاط المسجد العام تحت رعاية نقيب المائة الذي نسميه نقيب شعبة، لكنني لم أنل صفة النقيب بشكل رسمي لحداثة عهدي بالجماعة. ولم أكتف بالإشراف على أسرة واحدة، بل قمت بتشكيل عدة أسر من عشرات التلاميذ وكنت أشرف عليها بالتعاون مع نقباء آخرين، حتى صار وجود الجماعة في هذه المؤسسة قويا وملحوظا. وفي نفس الوقت أكمل حفظ الربع الأخير من القرآن، وألقيت أول محاضرة أمام مئات التلاميذ، ونشرت أول مقالة في مجلة دولية، وأشرفت على إصدار أول مجلة مطبوعة وتنظيم أسبوع ثقافي وخرجات ترفيهية. وبعد حصولي على شهادة البكالوريا في الهندسة الكيميائية عزفت عن التوجه لكلية العلوم، واخترت بدلا عن ذلك شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب، وهناك صرت أركز على خدمة الطلبة والنضال من أجل حقوقهم أكثر من الانشغال بالاستقطاب المباشر، وترقيت في سلم المسؤوليات والمهام بالكلية حتى صرت المسؤول الأول عن جميع طلبة جماعة العدل والإحسان داخليا وعن جميع مؤسسات الإطار الممثل للجسم الطلابي ولجان الأقسام بالكلية. وفي نفس الوقت كنت مسؤولا عن قطاع الشباب بالدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان والذي يضم الطلبة والتلاميذ والأنشطة الثقافية والجمعوية. ومكلفا ببضع مهام خاصة في مجال الإعلام. وبالموازاة مع ذلك كنت أقوم بتدريس فنون الخط العربي وفنون التصوير للمجموعات الطلابية المهتمة، كما كنت أقضي الصيف بين الاعتكاف على حفظ القرآن على الطريقة التقليدية والمشاركة في مخيمات الجماعة ورباطاتها واعتكافاتها وجامعاتها الصيفية. وقبل حصولي على شهادة الإجازة في الدراسات الإسلامية كنت قد حفظت القرآن كاملا، وحصلت على تكوين جيد في الإعلاميات، فخصصت بحث تخرجي لإمكانيات الذكاء الصناعي في تنقية الحديث وإعادة كتابة الأخبار الإسلامية. متى انسحبت من الجماعة؟ وما الأسباب التي دفعتك لذلك؟ مثل أي مؤمن حقيقي، كنت أحسن الظن بأعضاء الجماعة جميعا وأراهم في مرتبة الملائكة قياسا على نفسي، ولكن عندما ترقيت في المسؤوليات والمهام القيادية ازداد احتكاكي مع قيادات جماعة العدل والإحسان في جميع القطاعات، وبدأت ألاحظ أمورا ما خطرت على بالي أبدا، فقد رأيت منهم المناورات الماكرة تجاه بعضهم البعض وتزوير التقارير وتهميش الكفاءات، كما أنني صرت أشك باختلاق بعضهم للرؤى الناتجة عن هوس جماعي بالكرامات، كما خلصت إلى فكرة مفادها أن الجماعة لا ترغب في خدمة الناس ولا تغيير الأوضاع السياسية، بل هدفها الأوحد استقطاب أكبر عدد ممكن إلى تنظيمها الصوفي. فصرت أبتعد قليلا إلى أن انقطع الحبل التنظيمي بيننا، خصوصا بعد انتقالي لفاس لمتابعة دراستي في الشريعة والقانون، وقيادتي لمعركة طلابية بدون تنسيق مع الجماعة أو مؤسساتها، وهي المعركة التي كانت موجهة ضد بعض بنود قانون إصلاح التعليم خصوصا ما يتعلق بضرب مبدأ مجانية التعليم، وقد توجت بمقاطعة ناجحة للامتحانات لمرتين متتاليتين، قبل أن أعتقل في المرة الثالثة ويحكم علي بالسجن، حيث قضيت خمسة أشهر في سجن عين قادوس بفاس. وقد قام قياديو الجماعة بواجب الدعم في السجن وأثناء مغادرته. لكن حبل الود كان على وشك أن ينقطع من جهتي لا من جهتهم. هل بدأت رحلتك في الشك في نصوص الإسلام مباشرة بعد تركك للجماعة؟ وكيفت مرت هذه الرحلة من الشك إلى ترك الإيمان؟ بعد عشر سنوات في الجماعة، أمضيت 10 سنوات أخرى كاتبا وباحثا وناشطا حقوقيا، كنت أنفتح على أفكار جديدة كل مناسبة وأهدم أفكار قديمة، كنت أقترب بحرص شديد من الصف التقدمي وأبتعد من الصف الإسلامي الأصولي. حتى لم يعد الفكر الإسلامي يتسع لأفكاري وتوجهاتي، فصرت مفكرا إسلاميا على الهامش، أحاول التوفيق بين الإسلام وحقوق الإنسان بمفهومها الكوني، بما في ذلك حقوق المرأة والمثليين والأقليات الدينية والمرجعية العلمانية، حتى صار المسلمون يحسسونني أنني طارىء على دينهم، أنني صاحب فكر شاذ، بينما كنت أرى نفسي مجددا للدين وباعثا لروحه. ثم حدث خلال السنتين الأخيرتين من مسيرتي للتوفيق بين الدين والعصر أن زرت أمريكا بدعوة من وزارة الخارجية في إطار برنامج الزائر الدولي للقيادات، مخصص للحوار بين الأديان، حيث اطلعت على عدة أديان لم أسمع بها من قبل، وتفتحت أمامي آفاق جديدة في البحث، ثم عدت لمقاعد الدراسة الجامعية من جديد، لأضيف علم التاريخ إلى معارفي القديمة حول الإسلام والشريعة والقانون والإعلاميات، خصوصا وأن مخزوني من شواهد البكالوريا لم يكن قد نفذ بعد. حيث كان لدي ثلاث بكالوريات في الشريعة الإسلامية بالإضافة للبكالوريا الأولى في الهندسة الكيميائية. كان لمنهج البحث التاريخي وعلوم الآثار تأثير جذري على فكري، كما كان للتاريخ المصري جاذبية خاصة، جعلتني أخصص جزءا كبيرا من طاقتي للبحث عن الروابط بين المصريين القدماء والأديان الابراهيمية، وقد كانت الوقائع صادمة جدا، لقد وجدت قصة موسى الحقيقية التي تجاهلها المؤرخون العلمانيون لعدم اهتمامهم بالروايات الدينية، وتجاهلها المتدينون لعدم إيمانهم بالحقائق التاريخية واعتبار مصادرهم اللاهوتية في مستوى المصادر التاريخية، ورأيت أصولا لقصة سلميان وداوود وطالوت قد حدثت بعقود على الأراضي المصرية قبل أن ينقلها اليهود على كتابهم المقدس. لقد كانت الشواهد واضحة جدا، الأديان تنقل من التاريخ وتضيف بهاراتها الخاصة وما تسميه معجزات. لكن إيماني قادني لمقاومة الأدلة، لقد دفعني إيماني إلى الدفاع عن القرآن أمام التاريخ، كانت المحاكمة مرهقة وشاقة، وكنت المحامي والقاضي والخصم، لا أحد يساعدني، لا أحد ينزل معي إلى العمق الذي تعمقته في البحث وفي التأمل وفي التحقيق، حتى كدت أفقد عقلي تماما في سبيل إيماني، لولا التوقف عن البحث. كان عقلي المؤمن يتلقى الضربات تلو الضربات، لكنه كان يقاوم، وفي يوم ما، وعلى حين غفلة اكتشفت أنني فقدت الإيمان، لكن عقلي لا يزال معي سليما. فانفتحت أمامي آفاق جديدة للبحث، وصرت أرى الأمور بمنظور مختلف، وأنفتح على فرضيات جديدة كنت أرفضها من قبل بسبب إيماني. كان كل شيء واضح وضوح الشمس. والدين مجرد خدعة. بعد هجرتك لأمريكا وبعد أن أعلنت عن "إلحادك" كيف كانت ردة فعل أهلك وأصدقاءك؟ هل تلقيت أي تهديدات أو مضايقات خاصة من أعضاء جماعة العدل والإحسان؟ أحب أن أوضح أنني لست ملحدا، فأنا أعتبر نفسي مسلما غير مومن، فالإسلام مسألة ثقافية تلتصق بالإنسان شاء أم أبى، فقد يكون دمي أمازيغيا لكنني أحمل اسما عربيا بسبب انتماء قومي للإسلام، كما أنني أحمل بصمة الإسلام على جهازي التناسلي، إن انتمائي للإسلام لم يكن طوعيا أو واعيا، ولا يمكنك الخروج من شيء لم تدخله أصلا، كما أنني لا أنكر وجود الإله ولا أومن بوجوده، فإن كان موجودا فلن يكون إله المسلمين بالطبع. وإن كان غير موجود فما الداعي لتوصيفي بصفة الإلحاد؟ لقد اعتدت تلقي التهديدات، ولن أدعي الشجاعة لأواري خوفي وجبني، إنني الآن إنسان جبان أحب الحياة لقرون طويلة، ولست مستعدا للموت بطعنة غادرة من مسلم مسعور منوم مغناطيسيا مثلما كنت، لقد أفصحت عن اكتشافي لأمنح الناس فرصة لم تتح لي، فرصة للتفكير في الإسلام بدون تحيز، على أنه قد يكون خدعة مثلما آمنا أنه وحي من كائن أعلى. لن أتحدث عن عائلتي لأنه شأن خاص لا أحب الخوض فيه علانية، لكنني فقدت أصدقائي والكثير من معارفي، في الوقت الذي كسبت فيه آلاف الأصدقاء الجدد من نخبة الناس وعامتهم. وبينما تلقيت تهديدات وهجوم منظمة من عامة الشباب المنوم وبعض التيارات الإسلامية، إلا أنني لم ألحظ أي هجوم منظم من قبل جماعة العدل والإحسان رغم أنهم كانوا أول من هاجمتهم وانتقدتهم نقدا شديدا. هل لديك أي رسالة تريد أن توصلها لجماعة العدل والإحسان؟ أو للتنظيمات الإسلامية في المغرب بشكل عام؟ أعرف أنهم لن يفتحوا قلوبهم لها، لكنني أود أن أطمئن كل من يقرأ رسالتي أن القرار لم يكن بيدي، إن البحث والدراسة والتأمل العميق فقط ما قادني إلى الحقيقة اليقينية، الحقيقة التي تمنحني شعورا يفوق كل شعور جربته من قبل في حظيرة الإيمان أو حضرة الإحسان. أما أبناء عبد السلام ياسين فأقول لهم استمروا على الطريق، فأنتم تستعملون المخدر الأعلى جودة في السوق. باعتبارك كحقوقي كيف ترى واقع الحريات الفردية في المغرب؟ لا يستقيم الحديث عن واقع الحريات في ظل عدم وجودها أصلا. لا دستوريا ولا قانونيا ولا ثقافيا. هل تفكر في العودة للمغرب؟ أفكر في ذلك، لكنني لا أخطط له. فبقدر ما أشتاق أهلي وأحبابي هناك... بقدر ما أخاف أن أكون رقما جديدا في لائحة ضحايا الجهل أو الاستبداد. كلمتك الحرة في نهاية هذه المقابلة؟ أنا في بداية طريق الحرية... وكلمتي الأخيرة لم يحن أوانها بعد.