14 سبتمبر, 2016 - 02:11:00 حمل البيان الصادر عن الديوان الملكي مساء الثلاثاء، والذي هاجم فيه نبيل بنعبد الله وزير السكنى والمدينة، والأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية"، عدة رسائل موجهة إلى من يهمهم الأمر. فهذه ثاني رسالة مهمة تصدر عن المؤسسة الملكية في أقل من شهرين، وتزج بها في أتون الصراع السياسي الحزبي على بعد أسبوعين من انطلاق الحملة الانتخابية. فقد سبق للملك في خطاب رسمي موجه إلى الأمة يوم 30 يوليوز أن قرع مباشرة وأمام الشعب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، بسبب تصريحات صادرة عنه تحدث فيها عن وجود دولتين داخل المغرب، دولة رسمية يرأسها الملك ودولة لا يعرف من أين تأتي بقراراتها وتعييناتها. وحتى قبل ذلك الخطاب نسبت وسائل إعلام مغربية وأجنبية إلى مصدر وصفته بأنه "مقرب من الديوان الملكي"، بأن الملك غاضب من تصريحات رئيس حكومته. وبالنسبة للعديد من المراقبين فإن "التشخيص" الذي جاء في بيان الديوان الملكي الذي انتقد تصريحات سابقة لنبيل بنعبد الله، وقبل ذلك إشارة الخطاب الملكي إلى أن المقصود بانتقاداته هو عبد الإله بنكيران، يضع الديوان الملكي في تناقض مع خطابه، وهو الذي طالما طالب بالابتعاد عن كل إقحام للمؤسسة الملكية في الصراع السياسي الحزبي من خلال عمليات "التشخيص" التي غالبا ما يكون موضوعها الملك أو المؤسسة الملكية. فما كانت تنهي عنه المؤسسة الملكية وقع فيه بيان الديوان الملكي وبصورة واضحة عندما بين بأن المقصود بالانتقاد هو الأمين العام لحزب سياسي أشاد نفس البيان به وبآدائه ! ومن خلال قراءة أولية وسريعة لبيان الديوان الملكي الصادر ضد نبيل بنعبد الله، يمكن للقارئ أن يقف عند عدة رسائل حملها هذا البيان الذي فاجأ الجميع بتوقيت صدوره وبعباراته غير المعتادة. أولى هذه الرسائل تتمثل في توقيت صدور البيان، عشية انطلاق الحملة الانتخابية، وهو توقيت حتى وإن لم يكن مقصودا فهو يزج بالمؤسسة الملكية، التي طالما سعت إلى الابتعاد بنفسها عن الصراع السياسي وعن الحملات الانتخابية، في خضم هذا الصراع. فهذا البيان أقحم المؤسسة الملكية في أجواء الحملة الانتخابية بسبب ما سيكون له من تأثير على سلوك الناخبين والمرشحين خاصة أولئك المنتمين إلى حزب "التقدم والاشتراكية"، وأيضا على سلوك السلطة المكلفة بالإشراف المباشر على الانتخابات، أي وزارة الداخلية. الرسالة الثانية، هي ذات حمولة سياسية حساسة لأنها تضع "المستشارين" بالديوان الملكي فوق كل نقد أو انتقاد، بل وتماهيهم مع المؤسسة الملكية التي من المفروض أنهم ينتسبون إليها كموظفين وليسوا جزء منها ما يمسهم يمسها وما يضرهم يضرها. وهذا البيان يذكرنا ببيان سابق صدر عن الديون الملكي عام 1995 بعد فشل أول محاولة للتناوب التوافقي، ورفع إدريس البصري، وزير الداخلية آنذاك، إلى درجة "المقدس" الذي لا يجب المساس به. وللتذكير فقط، فالبصري الذي "قدسه" بيان الديوان الملكي آنذاك انتهى منبوذا من نفس النظام ومعارضا لبلده في فرنسا. الرسالة الثالثة، موجهة إلى الناخبين ومرشحي حزب "التقدم والاشتراكية"، ونعرف أن الحزب في الانتخابات الأخيرة لجأ إلى الأعيان للحصول على الموقع الذي يتبوأه اليوم داخل البرلمان. فكيف سيقرأ هؤلاء "الأعيان" وكلهم بلا قناعات سياسية، عبارات البيان الملكي التي تنتقد الأمين العام لحزبهم وتصف تصريحاته بالخطيرة؟ أما سلوك الناخبين فيمكن أن تكون لعبارات البيان تأثيرات متناقضة عليه، إذ يمكن أن تدفع من ليست لهم ارتباطات سياسية بالحزب إلى أن ينفروا منه، كما يمكن أن تحمس القلة ممن تبقوا من "مناضلين" داخل الحزب أو متعاطفين معه أو متحالفين معه للتصويت له انتصارا له ضد عبارات الديوان الملكي القاسية تجاه أمينه العام. الرسالة الرابعة، هي تلك التي سيؤولها عقل السلطة المشرفة على الانتخابات، فالنسبة لهؤلاء "خدام الدولة"، فإن من نزل عليه الغضب الملكي أصبح ظهره عاريا، وهو ما يفتح باب التأويل واسعا لتصريف عبارات الديوان الملكي، أو بعبارات القاموس السياسي الجديد "تنزيل" تلك العبارات على أرض الواقع بالأسلوب والطريقة المعروفة. الرسالة الخامسة، موجهة إلى أعضاء حزب "التقدم والاشتراكية"، عندما حرص بيان الديوان الملكي على التمييز بين الحزب وأمينه العام، والإشادة بالحزب بعد أن هاجم أمينه العام، فهذه دعوة واضحة إلى أعضاء الحزب لتغيير أو إقالة أو الانتفاض ضد أمينهم العام المغضوب عليه من طرف الملك، وفي هذا تدخل من أعلى مؤسسة في النظام السياسي المغربي في الشأن الداخلي لحزب سياسي المفروض أنه مستقل في قراراته واختياراته. الرسالة السادسة، موجهة إلى كل داعمي عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، وكل من يوافق على أن يصطف في جبهته الجديدة في مواجهة ما يسميه ب "التحكم". فالمعروف أن حزبي بنكيران وبنعبد الله، نجحا خلال الولاية الحالية للحكومة أن يطورا تحالفهما ويتعهدا بالحفاظ عليه حتى بعد الانتخابات. كما أن بنكيران وبنعبد الله كأمينين عامين تميزا بخطابهما المتماهي في مهاجمة ما يصفونه ب "التحكم". الرسالة السابعة، موجهة إلى كل من تعتبر السلطة المركزية أن لهم أيادي بيضاء عليها، بأنها لن تسمح لهم بأن "يأكلوا الغلة ويسبوا الملة". فالمعروف أن بنكيران وبنعبد الله كلاهما مدينان لنفس السلطة المركزية التي يصفونها اليوم ب "التحكم". بنكيران مدين لها بالترخيص لجماعته بتأسيس حزب سياسي عام 1997 عندما فتحت له "قوقعة فارغة" صاحبها سليل بيت نفس السلطة المركزية، لبناء حزبه وتقوية أجنحته. ونبيل بنعبد الله الذي ورث هو الآخر "قوقعة فارغة" من الزمن الشيوعي الغابر، مدين لنفس السلطة المركزية ببعث الروح في الحزب الذي مات مع موت إيديولوجيته قبل ربع قرن ونيف. الرسالة الثامنة، وبالرغم من أن بيان الديوان الملكي لم يذكر حزب "الأصالة والمعاصرة" بالاسم، إلا أن الإشارة إلى أن سبب نزول البيان هو تصريحات سابقة لنبيل بنعبد الله تنتقد أحد مستشاري الملك، والمقصود هنا هو فؤاد عالي الهمة، مؤسس هذا الحزب، يجعل تاريخ هذا الحزب، وخاصة لحظة تأسيسة شبه "مقدسة". فقد سبق أن صدر عن نفس الديوان الملكي بيان مطول ينتقد فيه مراسل وكالة الأنباء الفرنسية، الصحفي عمر بروكسي، عندما كتب مذكرا، في قصاصة من الرباط، أن فؤاد عالي الهمة هو مؤسس حزب "الأصالة والمعاصرة". الرسالة التاسعة، وهذه رسالة مزدوجة وفي نفس الوقت غير مفهومة. مزدوجة لأنها موجهة إلى الداخل والخارج في نفس الآن وبمضامين متناقضة. وغير مفهومة لأنها تحمل في طياتها من اللبس أكثر مما تسعى إلى توضيحه وبيانه. رسالة الداخل تضع المواطن في حيرة من أمره حول تموقع المؤسسة الملكية داخل رقعة الشطرنج السياسية المغربية، هل هي حكم أم لاعب مركزي يجب الاحتياط منه. ورسالة الخارج، وهذه أكثر غموضا لأنها تضح المراقب الأجنبي أمام صعوبة فهم المعادلة المغربية الاستثنائية: الملك ينتقد رئيس حكومته ووزيرا في حكومته لأنهما انتقدا مستشار الملك !