" القطيعة مع الماضي " ، " طي سجل سنوات الرصاص " ، " الإنصاف والمصالحة " ، " العهد الجديد للسلطة " ، " نهاية زمن المقدسات " ، " مسلسل الإصلاح الديمقراطي " ، " حفظ كرامة المواطن " ، " تعديل الدستور " ، " وداعا للقمع " ، " الحرب على اقتصاد الريع " ، " المبادرة الوطنية للتنمية البشرية " ، " استقلال القضاء " ، " البدء الفعلي لزمن الحرية " ، ... شعارات وعبارات تليت ولا زالت تتلى في المحافل والندوات والملتقيات والمؤتمرات الرسمية التي تنظمها السلطات المغربية لتزيين وجه المغرب في الداخل والخارج ، وتلميعه وتجميله أمام أعين المراقبين والنقاد والمهتمين بشؤون هذا البلد العزيز ، ورغم أن هذه الشعارات قد نجحت في أيامها الأولى في ملامسة مشاعر العديد من المواطنين ، وإسكات ثلة من المعارضين حينا من الدهر ، إلا أن الواقع المعاش جعلها مجرد عبر على ورق ، ومجرد أقوال تحتاج لمن يترجمها إلى أفعال تلبي طموحات هذا الشعب وتطلعاته وآماله وأحلامه ، فكان ما كان من انتكاسة ملحوظة طغت على جميع المستويات والمجالات وحولت معها الماضي الذي يراد له المحو من الذاكرة المغربية إلى حاضر يوقع كل يوم على نكبات وانتكاسات تؤكد صدق من قال أن " سوء التخطيط يؤدي إلى تخطيط السوء " . وهكذا كان فلا القطيعة مع الماضي وعقلياته نجحت ، ولا سجلات الرصاص طويت ، ولا الخطوط الحمراء انتفت ، ولا العهد الجديد تميز عن سابقه ، ولا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أفلحت في الحد من الفقر وآفاته والبطالة ومعضلاتها ، ولا مسلسل الإصلاح الديمقراطي نأى بنفسه عن الإخراج الرديء والإنتاج السيئ ، ولا كرامة المواطن تم صونها أو الذود عنها ، ولا القمع أمسك أنيابه وسياطه عن أجساد المواطنين ، ولا اقتصاد الريع تمت تصفيته ومحاربة أصحابه ، ولا القضاء استقل بنفسه عن الأوامر الفوقية ، ولا التقارير الدولية والمحلية ذكرتنا بخير أو تقدم ، ولا الحرية تم العفو عنها أو تمتيعها ولو بسراح مؤقت . بل وعلى الرغم من أننا نعيش في زمن اصطلح عليه دوليا بزمن الثورات العربية ، واصطلح عليه محليا بزمن 20 فبراير ، وعلى الرغم من أن البعض صفق وهلل لخطاب التاسع من مارس واستبشر من ورائه خيرا قد يعود ولو بيسير نفع على المغرب ، على الرغم من كل ذلك فإن حماة العهد الجديد وبعض من يسبحون في فلكهم ويستفيدون من بقاء دار لقمان على حالها يصرون على العيش في جلباب الماضي الأسود ويعضون بالنواجذ على سننه ولا يستحيون من جر المغرب إلى أفق غامض وإدخاله في نفق مظلم بدليل استمرار تشبتهم بسياسة واحدة لا شريك لها في معالجة القضايا والأزمات التي تؤرق مضاجع المغاربة وتحول دون تزحزح المغرب عن خانة أسفل سافلين كل عام ، سياسة تقوم على جعل المقاربة الأمنية والقمع الدائم وإسكات كل صوت معارض إما بالمساومة أو بسلطة القضاء نهجا وحيدا تساس به أمور البلاد والعباد ، وما يقع في هذه الأيام من اعتقالات بالجملة لأعضاء 20 فبراير وفض لوقفاتهم وتظاهراتهم بالقوة المفرطة ، وما يجري من تضييق مستمر على كل مناهض لاقتصاد الريع ومعارض للموازين المقلوبة وتربص لكل من ندد ببقاء معتقلات الخزي والعار على قيد الحياة ، كل ذلك وغيره كثير ما هو إلا دليل صغير على أن رقعة المقدسات في هذا البلد السعيد أمست تتسع يوم بعد يوم ، فبت تسمع عن مقدسات جديدة ما لها من سلطان في الشرع ولا في القانون ولا في العرف ، فالبرلماني مقدس ، والوزير الأول مقدس ، والناهب لخيرات الوطن مقدس ، والذي يعيث في الأرض فسادا وإفسادا مقدس ، ومعتقل تمارة مقدس ، ومهرجان موازين مقدس ، وشاكيرا وإلتون جون ومن هم على شاكلتهما مقدسون ، وهؤلاء المقدسون وغيرهم ممن نسينا يحرم الاحتجاج ضدهم ويعتقل كل من اقترب منهم ولو بشبر أو بكلمة ، والويل كل الويل لمن حاول نزع القدسية عنهم من قريب أو من بعيد . وفي مقابل اتساع رقعة المقدسات تتقلص المساحة المخصصة للحريات لتجعل من الصمت حكمة ومن الكلام تهمة ومن التظاهر نقمة ومن تصديق الشعارات الخاوية على عروشها واجبا ومن الرماد الذي يذر في العيون دواء وشفاء . إن واقعا كهذا الذي نعيشه اليوم هو بالتأكيد واقع لم ينشده لنا أجدادنا وآباؤنا ، وهو بلا شك واقع لا يرقى لتطلعات وأحلام الثلة العريضة من هذا الشعب ، وهو الأمر الذي يقتضي ممن يصر على العيش في الماضي عزيمة قوية وإرادة صلبة وجرأة تغيرية تقوم على مبدإ التشاور بين الفضلاء والشرفاء حول مصلحة الوطن ، وتحقن نفسها بحقن العدالة والمساواة والحرية والإنصاف ورد الحقوق لأهلها ، وتسييس الناس بالحلم والرفق واللين والحوار الهادف والمجادلة الحسنة وغير ذلك مما هو متفق عليه في أسس الديمقراطية ومنظومة الحقوق الإنسانية ، ولذلك لا نفتأ نؤكد على أن اعتماد سياسة النسخ واللصق بين عهدين ، وطي صفحة الماضي بفتح صفحات جديدة أنكى وأمر، ومعالجة مشكلة بخلق مشكلات ، وحل أزمة بالبحث عن أزمات أخرى ، وفسح المجال لميلاد مقدسات جديدة مع الإبقاء على أخرى قديمة ، ما هو إلا عبث في عبث لن ينتج لنا إلا أحداثا ووقائع لا نتمناها لمغرب أنهكت مواطنيه كثرة المقدسات وأفجعت ساكنيه الموازين المقلوبة وأعياهم طول الانتظار لترجمة الشعارات المرفوعة إلى واقع يلمس ، فانطبق عليه قول الشاعر : ألقاب مملكة في غير موضعها = كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد