16 مارس, 2016 - 06:51:00 قبل عشر سنوات، قامت صحافية بلجيكية من أصل مغربي، بانتحال صفة طالبة في السوسيولوجيا فتغلغلت، لمدة شهرين، في صفوف المجموعات الإسلامية الراديكالية ودخلت المساجد، التي لا ترفع صومعة ولا تحمل يافطة على بابها داخل حي "مولنبيك" الشهير، وسط العاصمة البلجيكية بروكسيل. طرحت هند فريحي على مستجوبيها أسئلة من قبيل: لماذا يرتكب الفرد جريمة باسم الله؟ من هم الإسلاميون المتطرفون؟ هل هم مستعدون للقيام بأعمال عنف داخل بلدان الاستقبال؟ حصلت الصحافية، المتخفية في ثوب الأخت في اللغة والدين، على أجوبة مرعبة ودقت ناقوس الخطر منبهة الى أن دوي الانفجار سيسمع في زقاق المدن الأوروبية لكن أحدا لم يسمع الجرس. "لوبتي ماروك" قبل أحداث باريس، ليلة 13 نونبر 2015، والتي شهدت سلسلة هجمات، منسقة ومدروسة بعناية بالغة، شملت عمليات انتحارية وإطلاق نار واحتجاز رهائن في مناطق متعددة من "عاصمة الأنوار"، توجهت صحافية بلجيكية من أصل مغربي الى حي "مولنبيك" الشعبي، أو le petit Maroc belge كما يحلو للبلجيكيين أن يسموه، فاعتمدت على أصولها المغربية وإتقانها للغة العربية وتدينها كي تقنع عددا من أفراد الجماعات الراديكالية بالحديث اليها ومرافقتها طيلة شهرين كاملين داخل أماكن اجتماعاتهم ولقاءاتهم و"دروس الموعظة" التي كانت بوابة للتجنيد من أجل الانتقام من "غرب كافر". في القرن العشرين كان الحي، الممتد على مساحة 5.9 كيلومتر مربع، عبارة عن فضاء لمؤسسات صناعية قرب قناة وعلى طول خط السكك الحديدية وهو ما جعله وجهة مفضلة للمهاجرين. أغلقت جل المؤسسات الصناعية أبوابها وترعرع في الحي جيلين جديدين من أبناء المهاجرين، خاصة المغاربة منهم، ومع فشل سياسات الإدماج التي حولت عددا من الأحياء إلى "غيتوهات"، ظهر الانحراف وارتفعت معدلات الجريمة وانتعش التهريب في وقت وجد فيه عدد من الشباب ضالتهم داخل جماعات إسلام رديكالي تدعوهم الى الجهاد كوسيلة لرد الاعتبار لأمة مقهورة. تطرف فوق الرفوف منذ عشر سنوات، اكتشفت هند فريحي، في رحلة تحقيقها الصحافي، كتب التطرف الموضوعة أمام الجمهور فوق رفوف المكتبات وحضرت لأئمة مساجد مرخص لها يتحدثون بشكل علني عن أهمية الجهاد كفريضة، لشباب تم استقطابهم في دروب الحي وبين خطوط الميترو. بعد شهرين من الملاحظة والاستجوابات كتبت الصحافية البلجيكية-المغربية تحقيقا مفصلا، ووضعت تجربتها بين دفتي كتاب. فوجئت الصحافية بالتجاهل التام للمعطيات والأرقام الذي ضمها الكتاب. "عمدة المدينة لم يعر كتابي اهتماما وكذا السياسيين ومصالح الأمن، الكل اتهمني بالمبالغة". بالنسبة لهذه الصحافية "فلا أحد كان يريد أن يرى الحقيقة ويتعامل معها بسياسات استباقية رغم أن كل شيء كان ظاهرا للعيان". لم تفاجئ هند بالربط بين أحداث باريس الدامية وحي "مولنبيك" بل تفاجأت بفداحة الخسائر وعدد القتلى. المعطيات بالنسبة للصحافية والعلامات كانت بينة للعيان "هجمات مدريد سنة 2004 وصلت خيوطها الى هذا الحي وكذلك هجمات المتحف اليهودي سنة 2014 بالإضافة الى هجمات Thalys فلما المفاجئة؟"، تقول هند فريحي. من "صناعة الإدماج" الى "صناعة الاعتدال" ترى هند أن القضية الفلسطينية واحتلال العراق كانا حطب الاستقطاب فيما مضى عبر اللقاء المباشر في الشوارع والميترو وغيرهما في صفوف شباب لم يستطيعوا النجاح في مساراتهم التعليمية والمهنية وأحيانا الأسرية غير أن الأمر تغير الآن حيث أصبحت ليبيا وسوريا عنوانا لإقناع الجهاديين الجدد، عبر الانترنيت الذي وسع قاعدة الملتحقين وداخل فئات جديدة تحمل دبلومات جامعية وتخرجت من مدارس عليا. فيما مضى، تقول هند، كانت السياسات تعتمد ما تسميه الصحافية "صناعة الإدماج" عبر جمعيات تعمل على تشجيع التجارب الناجحة لكن الصحافية تخشى أن العهد الحالي هو عهد "صناعة الاعتدال" الذي لن يكون فعالا، حسبها، الا من خلال الانتقال من مرحلة خلق مشاريع "لأجل" الشباب الى مرحلة خلق مشاريع "مع" الشباب.. وفي الفرق بين الكلمتين تكمن كل الفوارق.