الدعوة خرجت هذه المرة من السجن. وجهها المعتقلون في ملف ما يسمى ب"السلفية الجهادية"، وتطالب باقتحام معتقل تمارة السري واعتقال "العصابة" التي تقوم بممارسة التعذيب والتنكيل بالمعتقلين خارج كل الأعراف والقوانين التي تنص عليها أنظمة السجن في العالم، وتقديم عناصرها إلى المسائلة والمحاسبة. وأصحاب الدعوة هذه المرة هم من ضحايا هذا المعتقل الرهيب، اللذين أتاح لهم تطور تقنيات التواصل الحديثة، الفرصة للإدلاء بشهاداتهم الصادمة عما تلقوه من تعذيب مهين للكرامة الإنسانية، دون أن ينتظروا تنصيب هيئة جديدة للإنصاف والمصالحة، تقوم باختيار وتنقية الشهادات التي تريد بثها على التلفزيون الرسمي. اليوم يمكن لأي مواطن أن يطلع على شهادات معتقل مثل بوشتى الشارف، على موقع "يوتوب"، وهو يروي بمرارة طريقة تعذيبه من قبل جلاديه داخل سجن تمارة. ظل الملك الراحل الحسن الثاني ينكر أي وجود لمعتقل "تازممارت" الرهيب، وتهكم ذات مرة وهو يرد على سؤال لصحفية فرنسية قائلا لها "سيدتي، أنت لا تعرفين الجغرافية المغربية فقلعة مكونة هي عاصمة للورود في المغرب"، وبعد سنوات سيكتشف العالم السجون الرهيبة التي أقامها نظام الحسن الثاني في صحراء الريش و قلاع قلعة مكونة وأكدز... وستخرج الشهادات الصادمة لمن قضوا ربيع عمرهم وهم يعانون في صمت من ظلم حكم جائر. اليوم لا تحتاج الدولة المغربية إلى فتح أي تحقيق حول وجود معتقل تمارة الذي أنكر وجوده وزير العدل الراحل محمد بوزوبع، ونفس الشي فعله الراحل إدريس بنزكري، رئيس "هيئة الإنصاف والمصالحة"، فشهادات المعتقلين ضحاياه، وأغلبهم مازالوا معتقلين هي من تدلنا اليوم على مكان وجوده. وفضاعة ما يحدث بداخله كشف عنها نزلائه في شهادات تملأ اليوم فضاء الشبكة العنكبوتية. فما الذي تنتظره الدولة لإغلاق هذا المعتقل السئ الذكر، وفتح تحقيق في ما لحق بنزلائه من تعذيب مهين ومحط بكرامة الإنسان. في شهادة بوشتى الشارف، يورد أسماء لأشخاص قضوا داخل هذا السجن الرهيب تحت التعذيب، من بينهم عبد الحق بناصر، الملقب ب"مول السباط" الذي ادعت الرواية الرسمية بأنه مات بسبب انتفاخ في الكبد. و إذا كانت هناك اليوم، فعلا إرادة حقيقية للإصلاح، فإن من واجب الدولة فتح تحقيق في تلك الوفيات التي حصلت خلف أسوار هذا المعتقل. والتحري في كل الشهادات التي وردت على لسان معتقلين محسوبين على تنظيم "القاعدة"، قالوا إنهم اعتقلوا وعذبوا داخل هذا المعتقل، من بينهم محمد بنيام الإثيوبي، ورمزي بن الشيبة اليمني الذي خرجت تقارير لمنظمات دولية تروي تفاصيل تعذيبه بهذا المعتقل. فضائح هذا المعتقل لم تعد سرية، وقد آن الأوان للتحقيق فيها، والتحقيق مع مرتكبيها والمسؤولين عنها وتقديم المتورطين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من بينهم إلى المحاكمة. وقبل ذلك إغلاق هذا المعتقل الذي يسئ إلى صورة المغرب في الخارج، ويكذب كل صاحب إرادة للإصلاح. هذا المعتقل، كان بمثابة مركز لتقديم خدمات لأجهزة الاستخبارات الغربية، خاصة الأمريكية، التي كانت إدارتها تعرف بوجوده، بل وتستعمله للتعذيب والاعتقال التعسفي، ومن الجانب الأخلاقي فإن الشعب الأمريكي اليوم مدين للشعب المغربي بتقديم الاعتذار له عن تواطؤ وصمت إدارته عن كل الانتهاكات التي ارتكبت في هذا المعتقل باسم الحفاظ على امن الشعب الأمريكي.