أفرجت الوزارة في الآونة الأخيرة عن مطلب ملح ظل يراوح مكانه ردحا من الزمن ، إنه "إطار مفتش تربوي للتعليم الثانوي الإعدادي" و تم تضمينه في القانون الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية (23فبراير2024) في الفرع الثالث المادة 23 ، وكان من المنتظر أن يخصص الاعلان الصادر عن المديرية العامة للعمل التربوي مقاعد خاصة لمادة التربية الإسلامية، فكانت الاستثناء الغائب والمستبعد ، -إلى جانب التربية البدنية- عن مسلك تكوين المفتشين التربويين للتعليم الثانوي الاعدادي. أول ما يتبادر إلى الذهن كيف ستبرر الادارة هذا الاستبعاد(دورتي 2023/و2025)، ولنفترض هذا الجواب البدهي وهو غياب الخصاص، رغم أن الواقع يكذب ذلك، طالما أن كثيرا من المفتشين التربويين للتأهيلي مكلفين بالثانوي الاعدادي، بل البعض منهم مكلف بمديرية إقليمية أخرى. ومن المحتمل إذا أحسنا النية أن تغدق الوزارة على المادة بمناصب مضاعفة في الموسم الموالي، ومع ذلك سيظل الخصاص قائما, وحتى عدد المناصب المحدث لهذا الموسم لكافة المواد غير كافية، خصوصا أنها السنة الأولى لهذا التكوين. وعلى كل، بصرف النظر عن حيثيات قرار الاستبعاد, أود أن أشير بعجالة إلى التطورات التي شهدتها مادة التربية الاسلامية – تحديدا- العشرية الأخيرة، التي ساهمت إلى حد ما في جعل المادة على الهامش. كما هو معلوم، نحن على مشارف إنهاء عقد من الزمن على صدور منهاج جديد 2016 وإلى حدود كتابة هذه السطور لم تصدر وثيقة توجيهات تربوية، تستدرك وتسد ثغرات ما ورد في المنهاج وتزيل بعض الالتباسات، فطيلة هذه المدة الزمنية انشغل جميع الفاعلين التربويين، وكذا مدرسي هذا التخصص في مراكز التكوين والتربية ومركز تكوين المفتشين، تأطيرا وانخراطا وتنزيلا لمفردات هذا المنهاج الجديد أو المعدل بنفس إيجابي، واستغرق الأمر حيزا من الزمن في الشرح والتوضيح، وشرح الشرح، وما زلت أذكر في أحد اللقاءات التربوية، صرح أحد المؤطرين بأن السادة الاساتذة لم يستوعبوا المنهاج، وتلكم عبارة تقلل القدرات من المعرفية للفاعل البيداغوجي، وتنعته بقصور الفهم، ونشأ في ضوء ذلك مناخا يصور المنهاج كأنه وثيقة "مقدسة" واحتفظ الكثير من المفتشين التربوبيين بملاحظاتهم حوله دون أن تعرف طريقها إلى التنزيل رسميا، فانصبت الجهود على تدبير الامتحانات الإشهادية لكي تمر بسلام وحسب، وغاب النقاش والتداول الحقيقي، وتفكيك التصور العائم الثاوي في متن هذا المنهاج المعدل، اللهم إذا استثنينا مذكرة الجمعية المغربية لأساتذة التربية الاسلامية لتطوير المنهاج المراجع للمادة (2017) التي أشارت إلى بعض الملاحظات وبعض القصور، ووضعت بعض المقترحات قابلة للتنزيل، لكن جهود هذا الفاعل المهني داخل المنظومة التربوية لم تجد آذان صاغية، ولا حتى اهتماما يذكر، فكان شعار المرحلة من قبل صناع القرار التربوي ما يلي: كم حاجة قضيناها بتركها. فلربما سياسة إفراغها من محتواها وجعلها مادة بلا روح. إن الاهتمام بها يغيب ويحضر بحسب جهود أصحابها ومجاهدتهم في سبيل النهوض بها. وأخشى من المادة أن تؤتى من أهلها، ويكون مصيرها شبيه بعرش سليمان" ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته" سيظل الشكل موجودا حتى يأتي يوما ما من يدلنا على فراغه وموته. يمكن القول، أن من بين العوامل المساهمة في عدم الالتفات إلى هذه المادة أسوة بمثيلاتها، أن السادة المفتشين التربويين وضعتهم الادارة أمام أمر واقع، هو التكليف بالثانوي الاعدادي، وتم القبول بذلك، مما وفر للإدارة حلا يسيرا. وكذا تنزيل المذكرة الاطار بشأن المصاحبة والتكوين عبر الممارسة، التي صدرت في سياق الخصاص المهول للمفتشين التربويين في بعض المواد، وقد خلفت ردود فعل بين هيئة التفتيش بين معارض لها وذلك لدفع الادارة بتخصيص مناصب جديدة لتعويض الخصاص، وبين غاض الطرف عنها، رغم أن بعض المديريات سدت الخصاص في جل المواد فما تزال الادارة تحتفظ بالمصاحبة رغم انتفاء السبب الأساس من وجودها. ومما زاد الطين بلة أن بعضا ممن كان يهتم بمادة التربية الاسلامية على المستوى الأبستمولوجي و الديداكتيكي والبيداغوجي استقطبتهم المجالس العلمية (وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية)، وهناك من جذبهم العمل السياسي، ولم تعد لهم علاقة بقضايا المادة وإشكالياتها، وهناك فئة راكمت تجربة وخبرة مهنيتين، بل تلقت تكوينا في مركز المفتشين، قد التحقت بالتدريس بالجامعة، فقلت صلتها بالمادة، بالإضافة إلى جيل من المدرسين والمؤطرين المخضرمين قد أحيلوا على المعاش ، ففقدت المادة أحد الركائز الأساسية، ألا وهو العنصر البشري النشيط، طبعا، لا تعنيننا الاختيارات والتقديرات الشخصية التي تبقى في دائرة الحرية الفردية، وإنما إيرادها بنظرنا لبيان تأثر مكانة المادة في المنظومة التربوية بهذا التحول. وجد الجيل الجديد وضعا معقدا وهو الآن على ثغر فليحذر أن يُؤتى منه، حيث تستدعي المرحلة منهم بوصفهم فاعليين تربويين وممارسين ميدانيين أن ينتقلوا إلى مرحلة النقد الجذري البناء والانخراط الايجابي في تجويد المادة وتطويرها، من دون مجاملة أو محاباة أو انتهازية، قصد ترسيخ مكانتها المركزية في المنظومة التربوية . ضمن هذا السياق، نقترح أن تتضافر جهود أهل المادة عبر المشاركة المكثفة في أنشطة الجمعية المغربية لأساتذة التربية الاسلامية –من خلال فروعها وهو الخيار المتاح والميسر في الظروف الحالية- تسديدا وتصويبا ونقدا واقتراحا من أجل خدمة هذه المادة التي لا يختلف أحد عن أهميتها ودورها في ترسيخ الهُوية المغربية.