قبل أن يَنعقد وِفاق الحماية على المغرب صدر كتاب لامرأة باريسية تُسمى راينولد لادريت لاشاريير. وبالمناسبة، فالكتاب يُحقق سبقًا في الكتابة النسائية حول المغرب، ذلك أنه أول رحلة نسائية جابت جنوب البلاد بمعية زوجها الجيولوجي. وبخلاف كتاب ماتيلد زيس الذي جاء بعنوان: "فرنسية في المغرب"، والصادر عام 1912م، والمخُصص لمدينة طنجة، فإن لاشاريير في هذا الكتاب تُقرب إلى القارئ الفرنسي تفاصيل جد مهمة عن حياة السكان في الأطلس المغربي. فيما يتصل بجنس الكتابة، نحن أمام عرض توثيقي أكثر منه سرد داخلي. ومن حيث تفاصيل الرحلة، جابت لاشاريير المغرب على مرحلتين بين 1910 و1911، واستطاعت أن تنقل عنه معلومات ووثائق، كانت قد حَررتها في يوميات الرحلة تحت عنوان: "على امتداد طرقات المغرب ". وقتئذ كانت المدافع تُجلجل في فاس، والقبائل تحاصر قصر السلطان. فُصِّل الكتاب إلى جزءين، واختص الجزء الأول برحلة مراكش سنة 1910، وهي المدينة العذراء من أي احتلال أوروبي، وخصص الثاني لرحلة الدارالبيضاء وسطات. قضت لاشاريير في مراكش حوالي 15 يوما، وقامت بجولات في منطقة الحوز. فيما يختص الجزء الثاني برحلة 1912 من حيث تصوير مشاهد من الأطلس الكبير ومنطقة سوس وفاس وأخيرا العودة إلى طنجة عبر الطرقات غير المعبدة. رافق لاشاريير في رحلتها داخل الأطلس دفتر سفرها الذي جاء مُتضمنا لملاحظات وذكريات عن وقائع الرحلة، وحَفل بمعلومات عن حميمية المجتمع النسائي، وعادات وتقاليد المغاربة…نستطيع أن نُقر بأن هذا الدفتر يمثل الجانب الإثنوغرافي في رحلتها إلى المغرب. كما زارت لاشاريير حريم الباشا الكلاوي، ونقلت تفاصيل دقيقة عن حياة النساء المغربيات، وحول الأطعمة، وزينة النساء، وطقوس الخطوبة وحفلات الزفاف… تسرد لاشاريير رحلتها إلى مفاوز الأطلس الكبير عبر ممرات ضيقة وصعبة، حيث الثلوج تَسدُّ المنعرجات، والطريق غير مُعبدة ومحفوفة بالمخاطر والأهوال، وذَويُّ البارود يُسمع من مكان قريب إلى غاية وصولها إلى تارودانت. وتختتم رحلتها بنبرة لا تخلو من اشتياق "ها إني أغادر روحي الريفية، وأقايض لباس الفروسية الذي صار باليا بفستان باريسي، ولن يعود عندها وجود للرومية التي كُنتها، أستعيد صندوق أمتعتي الذي بدا لي هائلا مقارنة بحقيبتي المتواضعة التي رافقتني لمدة ستة أشهر، أما علبة قبعاتي فقد صارت تثير سخريتي، أفتحها ضاحكة وأنا أفكر بأن كل هذه الأشياء ستصبح ضرورية لحياتي القادمة…". عشرون سنة بعد ذلك، عاد زوجها جاك لادريت دولاشاريير إلى المغرب في مهمة رسمية، وحينها كان الموت قد غيَّب زوجته، وقد نشر جاك لاشاريير تقريرا سنة 1930 تحت عنوان "الابداع المغربي"، وأمكن للبعض أن يستنتج أن هذا التقرير خاتمة لكتاب زوجته.