أكد تقرير للمجلس الأعلى للحسابات فشل مشروع المدن الجديدة، تامسنا وتامنصورت والخيايطة والشرافات، في تحقيق الأهداف المسطرة، وصور هذه المدن على أنها تجمعات عمرانية متسمة بالتجزئة والتشتت في مجالات شبه قروية، تفتقر إلى أهم الخدمات والبنيات الأساسية، من نقل وإنارة ومساحات خضراء ومدارس ومستشفيات، وهو ما يجعلها غير ذات جاذبية، ولا تحقق الأهداف المنشودة منها. وقال المجلس في تقريره السنوي إن هذه التجمعات العمرانية تتطلب إعادة تأهيل شامل، مشيرا إلى أن حصيلة إنجاز المشاريع لا ترقى إلى مستوى الأهداف المتوخاة من هذه المدن التي انطلق العمل فيها منذ 2004, و كان الهدف منها تخفيف الضغط على المدن الكبرى في ظل تزايد نسب التمدن.
وأحصى التقرير بلوغ مجموع سكان هذه المدن 169 ألف نسمة، بنهاية سنة 2023، أي بنسبة 17% من الهدف المخطط له، والمتمثل في مليون نسمة عند نهاية إنجاز المدن الأربعة، لافتا إلى أن إطلاق مشاريع المدن الجديدة لم يستند إلى دراسات اجتماعية واقتصادية لتحديد تموقع هذه المدن ولضمان الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لإحداثها، إذ تم الاعتماد في تحديد مواقع هذه المدن، أساسا، على الفرص العقارية المتاحة. ونبه التقرير إلى أن المدن الجديدة ذات دور وظيفي محدود يقتصر أساساً على الإسكان، علما أن نجاح كيان حضري بهذا الحجم يرتبط بشكل وثيق باستجابته لاحتياجات محددة صناعية، أو زراعية، أو تجارية، أو سياحية، أو جامعية، أو إدارية.. ويتعين أن يأخذ الدور الوظيفي للمدن الجديدة بعين الاعتبار كل هذه الأبعاد دون أن ينحصر بشكل أساسي على وظيفة الإسكان. وحسب ذات المصدر فقد أدى غياب برمجة تدريجية محكمة للبناء داخل المدن الجديدة، وعدم تحديد الالتزامات المالية على الوجه الأكمل للفاعلين العموميين أو عدم الوفاء بها، إلى تفاوت بين التهيئة، وتشييد الوحدات السكنية، وإنجاز التجهيزات والمرافق العمومية، مع غياب تصور واقعي لتمويل بناء التجهيزات العمومية، سواء من قبل الشركاء في القطاع الخاص أو من قبل القطاعات الوزارية. وقد انعكس ذلك على وتيرة وآجال إنجاز هذه التجهيزات التي لم تتجاوز نسبة إنجازها 26% نهاية سنة 2023 وبالتالي على جاذبية المدن الجديدة. كما لا يأخذ الإطار التمويلي الحالي بعين الاعتبار تدبير واستغلال الخدمات والتجهيزات الأساسية الإنارة العمومية، والنفايات، والمساحات الخضرا، وغيرها. وتوقف التقرير على أن تمويل إنشاء المدن الجديدة يرتكز بشكل أساسي على القطاع الخاص، لكن عند متم سنة 2023، تم فسخ 46 من أصل 88 اتفاقية شراكة مع القطاع الخاص على مستوى المدن الجديدة الأربعة، أي ما يمثل 52% من العقود المبرمة. وتتراوح نسبة فسخ العقود بين 40% على مستوى مدينة الخيايطة و 100% على مستوى مدينة الشرافات، مما انعكس سلبا على وتيرة تطوير المدن الجديدة، وترجع أسباب الفسخ أساسا لعدم احترام الشركاء الخواص لالتزاماتهم التعاقدية. وانتقد التقرير التدبير المؤسساتي للمدن الجديدة من قبل القطاع المكلف بالسكنى بشكل أحادي لا يتناسب مع طبيعتها المتسمة بتعدد القطاعات المتدخلة بها، ما أثر على وتيرة إنجاز التجهيزات العمومية، في ظل اختلاف مقاربات مختلف القطاعات الوزارية التربية الوطنية، والرياضة، والتعليم العالي، والتجهيز والنقل، وغيرها. بلغت الميزانية التقديرية الإجمالية لإنجاز المدن الأربعة بكل من تامنصورت وتامسنا والخيايطة والشرافات حوالي 42 مليار درهم، تم تنفيذ حوالي 24.4 مليار درهم منها إلى متم سنة 2023، أي ما نسبته 58% من إجمالي الاستثمارات المقررة لبناء المدن الجديدة. وقد مكن تحليل طرق تمويل وتدبير مشاريع هذه المدن من الوقوف على مجموعة من الملاحظات.