في السر، كانت المقاومة الإسلامية (حماس) تعد عدتها لطوفان الأقصى، قبل أن تنقض على الكيان الغاصب يوم السابع من أكتوبر 2023 في غفلة منه. لتسجل، بذلك، ولأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو، نقطة استراتيجية عميقة في ميزان توازن الرعب بين كيان قوي، هاتك، مجرم، بكل ما تعنيه هذه العبارات في لغة الحروب والعسكراتية. ومقاومة، فاترة، محاصَرة، منكفئة على نفسها، فيما يبدو للعالم، وللعدو على وجه التحديد. حتى كان الطوفان المفاجئ، وكانت المواجهة الشرسة، التي امتدت لأزيد من عام، في ملحمة دموية غير مسبوقة على أرض الميعاد النبوي؛ غزة وحواليْها. وفي السر، كذلك، ظل العدو الصهيوني، ومنذ عقود، يعمل عمله المؤسِّس لمشروعه التوسعي البعيد في بلاد المسلمين، وهو يعلم، أكثر من كثير ممن يدَّعون فهمهم لطبيعة الصراع بين العدو والمسلمين، علم اليقين وحقه، أن موعد الزحف الأكبر للمسلمين سيأتي، لا محالة. وأن مِرْجَل الغضب لدى المسلمين لن يلبث أن يفور، فيحرق الأخضر واليابس، وإن كان يعتقد أن من سيخرجونهم من الديار داحرين، ليسوا مسلمي اليوم !. لذلك ظل يهيئ له، من داخل عالم المسلمين، حافظات يقينه شر هذا الغضب القادم. حيث اشتغل، في صمت، ينشر سمومه في كل بلاد المسلمين، مركزا على الرؤوس القائدة للأنظمة والحكومات، يستميلها، عبر عَرَّابه الأكبر، الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى أسقط أكثر الدول العربية والإسلامية في التطبيع بمختلف أشكاله الخادمة لمشروعه؛ السياسية، والعسكرية، والأمنية، والاقتصادية، والثقافية، والتربوية. ثم أشعل فتيل الصراع الفكري والأيديولوجي بين خصومه الجذريين، السنة والشيعة، فموَّل، وكوَّن، وهيأ، علماء مختارين بدقة (مجموعة منهم من خريجي الجامعة الإسلامية بتل أبيب التي يشرف عليها الموساد)، لنشر هذه الفتنة بين المسلمين، وشغل الأمة عن قضيتها الأولى بصراعات طائفية، تزيد في تعميق الجرح الذي يعاني منه العالم الإسلامي. كل هذا، لصرف الأمة عن الوحدة ضده، حتى يكمل مشروعه الاستيطاني، التوسعي، الذي حدَّ له امتدادا من النهر إلى النهر، في مرحلته التوسعية الأولى، ثم إلى يثرب* (السعودية) في المرحلة الثانية، وهو يعلم أن جيوب المقاومة ستظل تعرقل مساره التوسعي، وتعبث بسرابيله في مسيره نحو التوسع والهيمنة. ولقد اختار له من الحكام من يسهل على اللحى المتصهينة، هذا الانخراط الخبيث في نشر الفتنة بين قوى الأمة الممانعة. حيث ظهرت، منذ اندلاع الطوفان المبارك والفاضح، أصوات من السعودية، ومصر، والإمارات، على وجه التحديد، تهاجم المقاومة الوطنية والإسلامية بغزة والضفة، ورموزها، وتَسِم شهداءها الأبرار بكل نقيصة؛ بل تُصدِر فتاوى، تحت الطلب، تدعو إلى تجريم المقاومة، وعدم جواز الترحم على الشهداء لشُبَهٍ مضحكة، وحُجج تافهة، ردها أصاغر طلبة العلم فضلا عن أكابرهم. كل هذا، في محاولة لصرف المقاومة، المسلحة والشعبية سواء، عن أهدافها السامية، والفَتِّ من عضدها، والنيل من كبريائها، وتهوينها أمام العالم!. ولكن هيهات، هيهات!، لقد استوعب الأفاضل العظام، والسادة الكبار، والأحرار الشرفاء، من علماء الأمة الخُلَّص، خلفيات هذه الحملة الصهيو- دينية، ففضحوا أصحابها من دعاة "السلفَجِيَّة" العميلة، على ملإ العالم، وأسقطوا في أيديهم دعاواهم المتهافتة، حتى صارت، بفضل العلي الكبير، عارية يعبث بها الأطفال في المواقع، ويضحكون منها مِلْء الأشداق. نعم، لو لم يكن لهذا الطوفان المبارك مزية إلا أنه عرى عن هذه الوجوه البئيسة، من اللِّحى المتصهينة، التي صدعتنا بقال فلان وعلان من سلف الأمة الصالح، لكفاه إنجازا. فكيف به، وقد عدَّ له العادُّون، من المزايا، والإنجازات، في الأمن، والسياسة، والحرب، والاستخباراتية، والاقتصاد، والثقافة، والعلاقات الدولية، والتورط الفاضح للغرب المنافق، … ما يذهل كل خبير، وعالم، وباحث، و سياسي، عمَّا عَلِمَه وعمِل فيه؟!!. أجل، لا خوف على المقاومة ولا هي تحزن، فحسبها مساندة وتأييد أحرار العالم، وعلماء الأمة الأخيار، وقادتها الممانعين، وشبابها الطاهرين، الذين هبوا للنصرة، واسترخصوا المال والوقت في سبيل الأقصى الذي يجمع الأمة. أما اللحى المتصهينة، من أصحاب الفرش والأرائك الناعمة، والغرف المكيفة؛ فحسبهم غضب الله، ولعنة الشعوب، وانفضاح الأجندات، وتصدي الجهابذة الشرفاء،… فعليهم من الله ما يستحقون، ولا حول ولا قوة إلا بالله! دمتم على وطن ! "لقد وصلنا أورشليم، وأمامنا يثرب وأملاك قومنا فيها". ( قالها "موشيه ديان" يوم دخوله مدينة القدس في السابع من حزيران 1967).