صدر عن دار الفنك للنشر ، أول كتاب بالفرنسية من منشوراتها للسنة الجديدة تحت عنوان "السماء المربعة" للمناضل المغربي محمد السريفي فيلار، أحد منتسبي منظمة "إلى الأمام" في سبعينات القرن الماضي. الكتاب الذي يقع في حوالي 332 صفحة من القطع المتوسط، يحكي تجربة مناضل سياسي يساري اعتقل في بداية السبعينيات وقضى في السجن ما يقارب من سبع عشرة سنة، ضمن المجموعة السياسية المؤلفة من ثلاث منظمات يسارية ماركسية لينينية كانت تناضل، في سرية مفرضة، من أجل التغيير الشامل والجذري في مغرب السبعينيات من القرن الماضي، وفي ظل ظروف صعبة مطبوعة بالسلطة المطلقة التي كانت ل (حالة الاستثناء) التي فرضها النظام السياسي في المغرب سنة 1965 لإفشال الحياة الديموقراطية الوليدة بعد مرور حوالي عشر سنوات فقط على استقلال 1956.
ويسرد محمد السريفي فيلار (من الاسم العائلي لأمه خوانا الإسبانية). في كتابه هذا مراحل طفولته الطنجاوية، منذ أواسط الخمسينيات تقريبا، المطبوعة ضمن أسرة متوسطة الحال، ولكنها مختلطة بحكم أصل أمه الإسباني، بكثير من تطورات وتأثيرات المدينة (الدولية) المفتوحة على كثير من المظاهر واللغات والتصورات التي جعلت منه، منذ أن وعى ظروف الحياة من حوله، مناضلا سوف ينخرط فعليا، وهو في الجامعة وفي شبابه اليافع، في الحركة السياسية الشبابية المناضلة في إطار المنظمة الطلابية (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)، ثم في حركة (إلى الأمام)، المنظمة الوليدة في بداية السبعينيات التي راهنت، إلى جانب منظمات أخرى، على أهمية التغيير من خلال الثورة على الأوضاع القائمة. وسيعتقل محمد السريفي فيلار في العاشر من نوفمبر سنة 1974 إلى جانب المناضل القائد أبراهام السرفاتي ليقضيا معا، إلى جانب رفاق آخرين، سنوات طويلة بين سجني (غبيلة) بالدار البيضاء و(السجن المركزي) بالقنيطرة. وفي الكتاب فصول مثيرة عن طبيعة الاعتقال والتعذيب وسنوات السجن والتعلم والمعاناة والإضرابات الطويلة عن الطعام والحب الذي جمعه إلى المناضلة ربيعة الفتوح فلم يفترقا أبدا إلى يومنا هذا. ومن المعروف، وهو ما يذكره محمد السريفي فيلار بكل تقدير واعتبار وارتباط عاطفي شديد القوة والتعلق، أن ربيعة الفتوح رفيقته كانت عضوة نشيطة في حركة إلى الأمام، وأنها أعتقلت مثله وقضت،بعد المحاكمة، مدة خمس سنوات في سجن النساء بالدار البيضاء وفي القنيطرة بعد ذلك. وفي الكتاب جانب مهم يغطيه السرد لأطوار الحياة الخاصة وللظروف التي تثوي فيها وهو يتعلق بالمعرفة الفكرية والثقافية والأدبية التي تميز بها محمد السريفي فيلار وتطورت معه في تجربته السجنية، فأنتج بها، اعتمادا على اللغة الإسبانية، التي هي لغة الأم، ما لا يحصى من الأشعار والدراسات... التي لم يكن راغبا في نشرها. ومن هذه الزاوية فإن صدور كتابه الأول باللغة الفرنسية، وكاتبه فوق سن السبعين، ليعد تجربة خاصة ومتميزة، أما قيمته الأدبية وطرق عرض سروده وقضاياه فمثيرة مغرية أبدع الكاتب في عرض تفاصيلها بأسلوب سلس تجري فيه الأحداث والوقائع والتفاصيل بسهولة كبيرة تحدث تأثيرا نافذا في ذهن ونفسية القارء. وجدير بالإشارة أن صدور هذا الكتاب يتوج، إلى حدود اليوم ، تلك السلسلة الطويلة نسبيا من المؤلفات الإبداعية المحملة بأبعاد الشهادة والبوح فضلا عن (التأريخ) لبعض مراحل (سنوات الرصاص) التي كتبها مناضلون سياسيون ينتمون إلى اليسار الجديد وصدرت متفرقة، وفاقت اليوم ما يربو عن المائة، على امتداد ثلاثة عقود من الزمن تقريبا دشنها كتاب (كان وأخواتها) لصاحبه عبد القادر الشاوي الصادر في 1986.