إسرائيل والعالم كله يبدي حزنه البالغ على (6) محتجزين إسرائيليين قُتلوا، وتتصدر أسماؤهم وصورهم وقصص حياتهم وأسرهم نشرات الأخبار، مع أنهم ليسوا سوى غيض من فيض قصة الحرب على غزة، وليسوا سوى جزء ضئيل من ضحاياها. هكذا بدأ جدعون ليفي، زاويته في صحيفة هآرتس، قائلا بتهكم إن هيرش غولدبيرغ بولين وإيدن يروشالمي أصبحا من المشاهير رغما عنهما خلال أسرهما وبعد موتهما، كما بكى العالم قتلى الأسرى الإسرائيليين.
واستغرب ليفي التناقض المذهل بين التغطية الواسعة لحياة هؤلاء وموتهم، مقابل تجاهل المصير المماثل لأشخاص في مثل سنهم لا يقلون عنهم براءة وصدقا وجمالا، ويمثلون ضحايا أبرياء على الجانب الفلسطيني. ومع أن العالم يشعر بالصدمة لمصير غزة، فإنه لم يبد قط احتراما مماثلا للضحايا الفلسطينيين، فلا الرئيس الأميركي جو بايدن يدعو أقارب الفلسطينيين الذين استشهدوا حتى ولو كانوا يحملون الجنسية الأميركية مثل عائلة غولدبيرغ وبولينز، ولا الولاياتالمتحدة تطالب بالإفراج عن آلاف المختطفين الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل من دون محاكمة. والغريب أن إسرائيلية شابة قُتلت في مهرجان نوفا تثير تعاطفا وشفقة في العالم أكثر من مراهقة لاجئة من جباليا، كما يقول ليفي معلقا بأن الإسرائيليين أكثر شبها "بالعالم". لديهم أيضا أسماء وآمال وإذا كان كل شيء قد قيل عن تجاهل معاناة الفلسطينيين وإخفائها في الحوار العام الإسرائيلي، فإن ما قيل لا يكفي -حسب ليفي- لأن الفلسطيني الذي قتله الجيش الاسرائيلي في غزة كان له وجه واسم وقصة حياة، ولأن (17) ألف طفل قتلهم الجيش الاسرائيلي في القطاع منذ بداية الحرب كانت لديهم أيضا آمال وأحلام وأسر دمرتها وفاتهم. غير أن موت هؤلاء لا يمثل أي اهتمام بالنسبة لغالبية الإسرائيليين، بل إن بعضهم يفرح بها، في حين ينظر العالم خارج إسرائيل إليهم باعتبارهم ضحايا فظيعين لا يحملون أسماء ولا وجوها، مما يثير الاستغراب ويدل على فقدان الإنسانية، حسب الكاتب. ليس من الصعب -كما يقول ليفي- أن نتخيل شعور أهل غزة في مواجهة عالم هزته وفاة 6 محتجزين إسرائيليين دون أي اهتمام ب40 ألف فلسطيني قتلهم الجيش في غزة، ودون أي حديث عن غير المحتجزين الإسرائيليين. وتساءل الكاتب "ماذا عن مئات وآلاف المختطفين الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، وماذا عن المعتقلين الإداريين الذين يحتجزون دون محاكمة، وماذا عن 'المقاتلين غير الشرعيين' والعمال الأبرياء الذين تم القبض عليهم وهم محتجزون في ظروف جهنمية؟". فهؤلاء أيضا -كما يقول جدعون ليفي- لهم أسر قلقة لا تعرف ماذا حدث لهم منذ 10 أشهر، وهم أيضا محرومون من الزيارات من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقصص بعضهم لا تقل عن مقطع فيديو إيدن يروشالمي الذي نشرته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هذا الأسبوع. من هو جدعون ليفي؟ جدعون ليفي صحفي وكاتب إسرائيلي بارز، ولد عام 1953. ينشر مقالاته في صحيفة "هآريتس" العبرية، مثّل حالة فريدة في الوسط الإعلامي الإسرائيلي، إذ كرّس حياته المهنية على مدى 3 عقود لتوثيق جرائم دولة الاحتلال الصهيونية وفضح انتهاكها حقوق الإنسان الفلسطيني. طالب بإنهاء الحرب التي شنها الاحتلال على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ودعا إلى محاكمة قادة دولة الاحتلال على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين في القطاع. يرفض تأسيس دولة يهودية على أساس ديني، ويرى أن إسرائيل دولة فصل عنصري، ويعتقد أن الحل الأمثل لإنهاء الصراع، هو قيام دولة ديمقراطية واحدة تجمع اليهود والفلسطينيين، وفق نظام عدالة اجتماعي وحقوق متساوية مكفولة للجميع. وفي ما يلي ترجمة لنص المقال: "إسرائيل تقيم الحداد على المخطوفين الستة القتلى. أيضا العالم قام بالحداد على موتهم. أسماؤهم وصورهم وقصص حياتهم وأبناء عائلاتهم تصدرت النشرات الإخبارية في البلاد وفي العالم. هيرش غولدبرغ بولن وعيدان يروشالمي أصبحا مشهورين رغم عدم ارادتهما، في الأسر وفي الموت. العالم قام بالبكاء عليهم، كيف لا، ستة شباب جميلين، مروا بجهنم في الأسر وبعد ذلك تم إعدامهم بوحشية. لكن مخطوفينا الستة هم فقط الجزء الصغير في نهاية القصة، جزء صغير من ضحايا الحرب. وجعلهم قصة عالمية هو أمر مفهوم. ولكن المفهوم بشكل أقل هو التناقض غير المعقول بين التغطية الواسعة لحياتهم وموتهم وبين التجاهل المطلق للمصير المشابه لشباب من أبناء جيلهم، أبرياء مثلهم، ساذجون وجميلون مثلهم، ضحايا عبثية مثلهم، في الطرف الفلسطيني. العالم في الواقع في حالة صدمة من مصير غزة، لكنه لم يشارك في أي يوم في تقدير الشهداء الفلسطينيين. الرئيس الأميركي لا يقوم بالاتصال مع عائلات الشهداء الفلسطينيين، حتى لو كان معهم الجنسية الأميركية، كما اتصل مع عائلة غولدبرغ. الولاياتالمتحدة لم تقم في أي يوم بالدعوة إلى إطلاق سراح آلاف المخطوفين الفلسطينيين المعتقلين بدون محاكمة في إسرائيل. فتاة إسرائيلية قتيلة من حفلة "نوفا" تثير التماهي والشفقة في العالم اكثر من فتاة نازحة من جباليا، الفتاة الإسرائيلية تشبه "العالم" اكثر. لقد قيل كل شيء عن التجاهل وإخفاء ألم الفلسطينيين في الخطاب في إسرائيل. وحتى الآن لم يتم قول ما يكفي. لم يولد بعد الشهيد الفلسطيني في قطاع غزة الذي له وجه واسم وقصة حياة، أصيبت إسرائيل بالصدمة بسبب قتله. حتى ال 17 ألف طفل وفتى القتلى في القطاع كانت لهم أحلام وأمنيات وهم أبناء عائلات وتم تدمير عالمهم. هم لا يهمون الأغلبية هنا، وفئة مسرورة من موتهم. في العالم يعتبرونهم ضحية مخيفة، لكن أيضا هناك بشكل عام لا يوجد لهم وجوه وأسماء. قلوب الإسرائيليين هي مع الضحايا الإسرائيليين. لا يوجد أي شيء مفهوم وإنساني أكثر من ذلك. ولكن الحداد والحزن الوطني بهذا الحجم على المخطوفين الستة والتجاهل الكامل لعشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين هو مرض وغير اخلاقي. نزع الانسانية بدون أي إشارة إنسانية للضحايا، أو حتى الأطفال القتلى، الذين تم بتر أيديهم وأرجلهم، والأيتام والنازحين المصابين بالصدمة والجائعين والمرضى. مثل عشرات آلاف الاطفال كهؤلاء يوجد الآن على بعد مسافة ساعة من تل أبيب، وقلوبنا منغلقة تجاههم. المساعدات الإنسانية يتم إرسالها إلى الفلبين. وكلما بكت إسرائيل أكثر على المخطوفين والقتلى فإنه تظهر أكثر الفجوة غير المفهومة بين الحداد الوطني واللامبالاة المطلقة بالضحايا الفلسطينيين. من غير الصعب تخيل ما يشعر به سكان غزة ازاء العالم الذي اهتز بسبب المخطوفين الستة الإسرائيليين القتلى، في حين أنه يفقد الاهتمام بسرعة كبيرة بال 40 ألف فلسطيني قتيل. وعندما يتحدثون عن المخطوفين فانهم يتحدثون فقط عن الرهائن الإسرائيليين. وماذا بشأن مئات آلاف المخطوفين الفلسطينيين من القطاع ومن الضفة، والمعتقلين الإداريين، و"المقاتلين غير القانونيين" والعمال الأبرياء الذين علقوا، الذين لا يتحدث أي أحد عنهم وحتى لا يذكر عددهم. بعضهم على الأقل يوجدون في ظروف جهنم. أيضا لهم توجد عائلات تخاف عليهم، وليس لديها أي فكرة عن مصيرهم منذ عشرة أشهر، أيضا غير مسموح للصليب الأحمر زيارتهم. في هذا الأسبوع أصابتنا شيرين فلاح صعب بالدهشة عندما تحدثت في "هآرتس" في 2/9 عن أحد الشهداء الفلسطينيين في غزة، محمد حليمي، "ميدو"، ناشط في تك تك ابن 19 سنة، الذي قتل عندما ذهب لشحن الهاتف المحمول. المقال كان بصيص ضوء في الظلام. قتيل فلسطيني في غزة له وجه واسم بفضل تك تك وشيرين فلاح صعب عرضته. الحناجر تختنق من قصة ميدو ليس أقل من الفيلم الأخير عن عيدان يروشالمي. هل مسموح أصلا قول ذلك في إسرائيل 2024؟"