يستعد سكان ثلاث دول مغاربية للتوجه إلى صناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية، هي موريتانياوالجزائروتونس، ولك بين شهري يونيو الجاري وأكتوبر المقبل. المشترك بين الانتخابات في هذه البلدان الثلاثة هو الغموض وعدم اليقين والكثير من اجواء الترقب، رغم أنها لا تحمل الكثير من المفاجئات بالنسبة لشعوب المنطقة.
المشترك الثاني في هذه الاستحقاقات يتمثل في تفككّ المعارضة، وعدم قدرتها على رصّ الصفوف خلال هذه المنعرجات الانتخابية، نظراً إلى اختلاف الرؤى وتعدّد العوائق وغياب البرامج، وعدم وجود شخصيات كاريزمية قادرة على جذب ميولات الناخبين. وآخر مشترك في هذه الاستحقاقات هو غياب الشروط الديمقراطية أو تقلصّها بحيث تتدخّل عوامل مُتعدّدة لتكييف المشهد السياسي والاجتماعي داخل كل دولة على حدة، ليُختار من تستجيب قدراته للقوى المُهيمنة داخل دولته. الجزائر: غموض.. لكن بدون مفاجئات قبل شهر أعلنت السلطات الجزائرية، إجراء انتخابات رئاسية "مسبقة" في السابع من سبتمبر 2024، أي قبل ثلاثة أشهر من موعدها المقرر أصلا. وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان صدر إثر اجتماع ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون وحضره خصوصا رئيسا غرفتي البرلمان ورئيس أركان الجيش "قرر رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، إجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم 7 سبتمبر 2024". وفي الثامن من يونيو 2024، وقّع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المرسوم الرئاسي، المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة لإجراء انتخابات رئاسية مسبقة يوم السبت 7 سبتمبر سنة 2024، لكنه لم يعلن حتى الآن ترشحه لولاية ثانية أم لا، ما يترك الكثير من الغموض وكان تبون قد أكد في وقت سابق، أن قرار إجراء انتخابات رئاسية "مسبقة" جاء "لأسباب تقنية محضة"، وتابع "الأسباب تقنية محضة ولا تؤثر على سيرورة الانتخابات". ويبقى الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون (78 عاما) أكثر المترشحين قدرة على حسم الانتخابات لمصلحته والفوز بعهدة رئاسية ثانية منذ انتخابه عام 2019، وفي المقابل فإن من اللافت في هذه الاستحقاقات هو عودة الأحزاب التقليدية المعروفة تباعا وترتيبا: الإسلامية والديمقراطية واليسارية، بخلاف ما كان يحدث في الاستحقاقات الرئاسية السابقة, فقد تباينت الآراء بشأن مشاركة الأحزاب السياسية التقليدية بمختلف تياراتها مثل: "حركة مجتمع السلم" (أكبر حزب إسلامي في البلاد) وحزب "العمال" الذي تقوده لويزة حنون، وحزب "جبهة القوى الاشتراكية" (أكبر وأقدم حزب سياسي معارض في الجزائر)، لا سيما وأن هذه الأحزاب تعودت على مقاطعة الاستحقاقات الرئاسية المتتالية، وآخرها الانتخابات الرئاسية لعام 2019 وما تلاها. بالنسبة للويزة حنون الأمينة العامة لحزب "العمال" فإن هذه الانتخابات "تختلف عن سابقتها كون الانتخابات القادمة تكتسي طابعا غير عادي بالنظر للسياق العالمي والقاري والإقليمي الخطير جدا". أما "جبهة القوى الاشتراكية" (أول حزب سياسي ظهر في الساحة عام 1963، أي مباشرة بعد استقلال البلاد، وقاطع تقريبا معظم الاستحقاقات الرئاسية منذ أن انسحب زعيمه التاريخي حسين آيت أحمد من الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل 1999) فقال في بيان له إن هذه "الانتخابات ستوفر فرصة لإعادة التعبئة السياسية لاستعادة الفضاءات السياسية الديمقراطية". وجرت آخر انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2019 وفاز فيها تبون بحصوله على 58 في المئة من الأصوات، ليخلف حينها بوتفليقة الذي دُفع إلى الاستقالة بضغط من الجيش والحراك الاحتجاجي الشعبي. موريتانيا: عدم اليقين وفي موريتانيا أعلنت الرئاسة الموريتانية أن الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ستجرى في 29 يونيو المقبل. ومن بين الأسماء التي أعلنت خوضها الاستحقاق، الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يعد الأوفر حظا، رغم وجود الكثير من عدم اليقين في أن يحقق ولاية ثانية. وذكر مرسوم رئاسي نشر في أبريل الماضي أن الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بموريتانيا ستجرى في 29 يونيو، فيما يرتقب أن تنظم دورة ثانية محتملة في 14 يوليوز. ويتوقع أن يكون الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد الشيخ الغزواني (67 عاما) الذي يقود منذ 2019 هذا البلد المحوري الشاسع بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، وقطب الاستقرار في منطقة الساحل في مواجهة انتشار الجهاديين، المرشح الأوفر حظا في هذه الانتخابات. وحتى إن لم يعلن بعد ترشحه رسميا فإن المراقبين لا يشكون في ذلك. وبعد التباطؤ الاقتصادي بسبب جائحة كوفيد-19 ثم الحرب في أوكرانيا، جعل الغزواني مكافحة الفقر إحدى أولوياته. وفاز حزبه في الانتخابات التشريعية التي جرت قبل عام ب107مقاعد من أصل 176 في البرلمان، متقدما بفارق كبير على حزب التواصل الإسلامي الذي حصل على 11 مقعدا. وأعلن ثمانية مرشحين حتى الآن أنهم سيشاركون في الانتخابات. من بينهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي كان في السلطة من 2009 إلى 2019 وحكم عليه فيديسمبر 2023 بالسجن خمس سنوات بتهمة إساءة استخدام سلطته لجمع ثروة. وكان محاموه قد استأنفوا القرار. والسبت قال مسؤولون في حزبه، جبهة التغيير، الجاري تأسيسه، إن محمد ولد عبد العزيز سيترشح "بلا تردد" لخوض الانتخابات الرئاسية "لتخليص البلد من هذا المأزق الحقيقي الذي نحن فيه". كما أعلن الناشط والمعارض الشهير في مجال مكافحة العبودية بيرام الداه عبيدي الذي حل ثانيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، نيته الترشح. وبموجب بنود المرسوم، تبدأ الحملة الانتخابية منتصف ليل الجمعة 14 يونيو وتنتهي الخميس 27 يونيو عند منتصف الليل. تونس: أجواء الترقب في تونس تسود أجواء من الترقب، فيما يبدو مصير الانتخابات الرئاسية مجهولا، حيث لم تُعلن الهيئة المستقلة للانتخابات، الجدول الزمني والإجرائي للاستحقاق الرئاسي، واكتفت بالإشارة إلى أن الانتخابات ستعقد في الخريف القادم بين شهري سبتمبر وأكتوبر. ويبعث الغموض الذي يحيط بتحديد روزنامة الانتخابات الرئاسية في تونس، المزيد من القلق حول مصيرها، فيما يتوقع تأجيلها حتى العام المقبل لحين إجراء تعديلات على قانون الانتخابات لعام 2014، والذي لا تتطابق شروط الترشيح فيه مع ما جاء في الدستور الذي تمت الموافقة عليه في عام 2022 . ومما زاد هذه الانتخابات غموضا هو موقف الرّئيس التّونسي الذي لم يعلن ما إذا كان سيترشح لخلافة نفسه أم لا؟ وهل المعارضة ستلتقي على مرشّح موحّد بينها، أم أنّ السّباق سيعرف مشاركة أسماء كثيرة؟، الأمر الذي يُذكّر بالتشتّت الذي عرفته مناسبات انتخابيّة سابقة كعامل أثّر بقوّة في تشكيل السّاحة السياسيّة وتحديد مساراتها. واحتكر قيس سعيّد (64 عاما) المنتخب ديموقراطيا في أكتوبر 2019، كامل الصلاحيات في 25 يوليو 2021، ويحكم منذ ذلك الحين بمراسيم رئاسية، ويمكنه إقالة رئيس الحكومة أو وزرائه في أي وقت. كما عدّل الدستور في استفتاء أجري في صيف عام 2022، واعتبره امتدادا لعملية "تصحيح المسار"، حيث منحه الدستور صلاحيات واسعة، ممّا يخالف النظام البرلماني المعمول به منذ العام 2014.