يتفق الجميع على أن الكوميديا السوداء كمفهوم شامل يعنَى بمعالجة كل ما يمكن وصفه بالطابو داخل مجتمع ما، وحتى نكون أكثر دقة فالكوميديا السوداء جاءت لتسلط الضوء على ثلاثية الدين، الجنس والسياسة بطريقة ساخرة. لذلك فالذي يتوقعه جمهور هذا النوع من الكوميديا، أولا وقبل كل شيء، هو أن يضحك اولا. فهل ضحك جمهور "سي الكالة" الذي يقوم بتشخيصه محمد باسو؟ لنتفق أولا أن محمد باسو دائما ما أبان عن تفوقه وعلو كعبه عندما يتعلق الأمر بالمواضيع التي تناقشها أعماله، وأيضا من خلال حواراته وتصريحاته يظهر على أنه يبحر وحيدا هناك في عمق البحر في حين ظل زملاؤه من أقرانه، بل وأساتذته ايضا، يلامسون مياه الشاطئ بسبب افتقارهم للآليات الإبداعية والمعرفية التي تمكنهم من مجابهة الأمواج التي قد تكون عاتية. هذا العمق المعرفي الذي يميز باسو تجسد واضحا في "سي الكالة" من خلال الديكور، الصور المجسدة، المواضيع المثارة وأيضا من خلال اللغة المستعملة. و بالوقوف قليلا عند هذه اللغة فأعتقد أنه كان الأجدر بباسو أن يلجأ للإيحاء بدل الإفصاح. أقصد أنه لم يكن من الحكمة استعمال أسلوب مباشر وصريح وقاسي يغيب معه الشق الإبداعي. قد يقول بعض أنه يلامس الواقعية، وربما يقترب من مدرسة السخرية ironism التي تعتمد طريقة التلاعب بالألفاظ وقلبها قصد الاستهزاء من واقع معين داخل مجتمع معين. لكننا وعلى عكس من ذلك نرى أن اللغة المستخدمة لا هي واقعية ولا سخرية بقدر ما هي خطاب مباشر تنقصه التسميات فقط. هذا الخطاب المباشر، نعتقد، أنه السبب المباشر في غياب الكوميديا. فالمساحة الزمنية القصيرة المخصصة لكل حلقة والتي لا تتعدى العشر دقائق فضلا عن اللغة المباشرة الشبه جافة أفقدت باسو القدرة على إنتاج الطرائف gags لكنها ساعدته على إنتاج نوع جديد من الفن افتقده المغاربة بل ولا يعرف عنه الجيل الجديد أي شيء. لذلك فالانتشار الواسع لهذه السلسة وتحقيقها لأرقام مشاهدات عالية جدا مرده بالأساس للصدمة التي أحدثها هذا النوع من الخطاب الذي لم يعهده الجمهور ممن لم يعايشوا بزيز وباز، ولا سعيد الناصيري قبل أن يطبع مع الكوميديا الخفيفة التي فتحت له أبواب القنوات التلفزية العمومية. في الأخير، لا يمكننا إلا أن نثمن تجربة "سي الكالة" وصاحبها محمد باسو لأنه استطاع أن يغوص في عمق البحر دون خوف من الغرق ولا من التيارات الباردة التي قد تؤذيه، فعل ذلك، ربما، لأنه محمل بالمؤونة الفكرية والآليات المعرفية التي لها أن تحميه وتساعده على رسم الخطوط الحمراء التي إن ما تجاوزها سيغرق. باسو استطاع أن يخلق لنفسه مساحة شاسعة لم يقدر أحد من اقرانه ولا حتى من أساتذته صنعها لأنفسهم بعدما اكتفوا بالكوميديا الخفيفة والتي تلامس سطح المجتمع بنوع من التفاهة المقصودة. باسو لم يضحكنا لكنه أوجعنا أكثر..