امتلاك "قبر الحياة" مهما كانت بساطته ومساحته صار هاجس كل المغاربة، لكن سرعان ما تتحول هذه الأحلام إلى كابوس كل أسرة فقيرة مع بداية كل شهر، بعد أن تكبلها الأقساط والفوائد البنكية التي لا تنتهي. أزمة صاغت خيوطها الدولة، ولعب فيها المنعشون العقاريون دور البطولة، فنبتت معها مشاريع مدن "بدوية" لا تضمن كرامة ساكنيها، أمام غياب الشروط الدنيا للعيش الكريم، وأخرى راحت ضحية "نصب" شركات العقار. نصب واحتيال سبع سنوات من الانتظار من أجل تسلم قبر الحياة تحول إلى معركة كبيرة يخوضها ساكنة "تامسنا" من أجل رفع اليد عن بدء مسطرة بيع شققهم بالمحكمة التجارية بالرباط، بعد وقوعهم ضحية نصب واحتيال تعرضوا لها من طرف إحدى الشركات العقارية القادمة من ماليزيا بعد تملص مؤسسة العمران من مسؤوليتها. الملف يعرف عدة تعقيدات، حسب علي أمغار رئيس جمعية "مرج البحرين" ب "تامسنا"، معتبرا أن " اغلب المشاريع العقارية في المدينةالجديدةتامسنا تعرف تعثرا كبيرا". واعتبر أمغار أن "صمت الجهات المسؤولة حول ما قامت به الشركة الماليزية (الهدايا للاعمار) راجع بالأساس إلى تقصير من طرف جميع الجهات المتدخلة في الملف حيث تم الرهان على الشركات العقارية الأجنبية لانجاز المشاريع السكنية بالمدينة وتم تفويت الوعاء العقاري بأسعار تفضيلية في غياب تام للمتابعة ومواكبة هذه المشاريع. فكيف تم تفسير التزام شركة (الهدايا) بانجاز 5000 وحدة سكنية في إطار مشروع (مرج البحرين) دون التأكد من الإمكانيات المالية و التقنية لهذه الشركة؟" وأضاف رئيس الجمعية "بفعل الضغوطات التي نمارسها على جميع المستويات، فقد قضت المحكمة التجارية في الرباط، بعدم قبول الدعوى التي سبق أن رفعها، خلال شهر فبراير الماضي، بنك القرض العقاري والسياحي، والرامية إلى الإذن له ببيع حوالي 300 شقة لمواطنين تم النصب عليهم من طرف شركة "الهداية" الماليزية وأطراف أخرى، معتبرا أن "طي هذا الملف يحتاج إلى قرار سياسي نظرا لتعدد المتدخلين فيه". تعمير حضاري غير معقلن "تامسنا"، "الرحمة" و"الهراويين""، وغيرها من مشاريع المدن الجديدة، أفرزت نمطا تعميرا حضريا غير معقلن، فاستقبال أفواج من الأسر القادمة من مدن الصفيح، خلق معه وضعا اجتماعيا غير مسبوق، يتمثل في تكوين مناطق مترامية الأطراف مكونة في الأغلب من عمارات تقطنها أسر ذات دخل ضعيف، معظم شبابها عاطلين عن العمل، فتحول معها الوضع إلى بؤر متكاثرة قابلة للانفجار بسبب انعدام الأمن والتوترات الاجتماعية. ومع ذلك فالعجز في مجال السكن على المستوى الحضري ما زال يقدر بما يفوق مليون وحدة سكنية، أي ما يعادل ثلث حظيرة السكن الحالية بالمغرب، ومرد هذا العجز إلى انعدام التوازن المزمن بين العرض والطلب في مجال السكن المتناسب مع امكانيات الأسر ذات الدخل المنخفض، إضافة إلى ارتفاع تكلفته وتدني جودته، وهو ما أصبح يهدد بإشكالات اجتماعية خطيرة. هذا الوضع عزاه العديد من الفاعلين في المجال إلى فشل المدن "البدوية" الجديدة، وذلك بسبب عدم توفها على إي إطار قانوني ومؤسساتي يتيح لها أن تكون محل تقاطع للسياسات العمومية، وتموقعها في الغالب بضواحي المدن، مما يثير إشكال النقل العمومي والخدمات الاساسية المواكبة، الشيء الذي ساهم في التوسع الحضري عوض الحد منه، وإفراز نمط غير مستدام لتدبير المرافق العمومية الحضرية والخدمات الاجتماعية وخصوصا في المدن الكبرى. تأثير المآلات الاجتماعية للسكن الاجتماعي، وسياسة الاستدامة المعتمدة لحل قضية الإسكان بالنسبة للطبقات الفقيرة ، ودور السياسة المعتمدة في الحفاظ على السلم الاجتماعي في بعض المناطق، كلها عوامل تحالفت ضد شريحة واسعة من السكان، فخلقت إحباطا في نفوس سكان الأحياء الفقيرة، وغير الفقراء الذين ليس لديهم القدرة للولوج إلى السكن. اختلالات اجتماعية.. وغياب للخصوصية اختلالات كثيرة، دفعت عبد الله العلالي رئيس "الشبكة المغربية من أجل السكن اللائق"، إلى توجيه انتقادات لاذعة للدولة في تعاملها مع السكن الاجتماعي، معتبرا أن المشروع "لم يستطع أن ينجح على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والإجابة على الاشكالات المطروحة سواء تعلق الأمر بدور الصفيح أو البناء العشوائي أو المدن العتيقة الآيلة للسقوط". ومن ضمن الاشكالات التي حالت دون الاستفادة من السكن اللائق لهذه الشريحة، والتي عزاها العلالي إلى غياب مجموعة من المرافق كالمستشفيات ومؤسسات ثقافية وجمعوية ورياضية، وتحولت العديد من المدن الحديثة كسلاالجديدة ل"مبيت" فقط لعدد من الأسر، معتبرا أن بنية هذه المدن بشكلها العمودي يضرب في أصول الخصوصية المغربية. ودعا الدولة إلى التفكير في كيفية تكييف الساكنة المنقولة من المدن الصفيحية أو المدن العتيقة إلى المدن الإسمنتية العمودية، قائلا "وضع السكان في قفص أو سجن لا يتناسب مع طرق عيشه في السابق رغم استوطانه للسكن العشوائي، وبالتالي فهو يقتل الخصوصية المغربية". لوبيات عقارية تتحكم في السوق افتقار سياسة السكن الاجتماعي إلى تخطيط وطني يراعي الحاجيات الحقيقية في مجال السكن، كرس مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، اغتنى منه كبار المنعشين العقاريين باعتباره سوقا مربحا، علما أن سعر بيع للسكن الاجتماعي بالمواصفات التي يحددها دفتر التحملات تتراوح ما بين 195 ألف درهم و250 ألف درهم، وهو ما يفسر تمركز70 في المائة من عرض السكن الاجتماعي في أربع مدن ذات قدرة شرائية مرتفعة، أمام غياب تام للمراقبة التي تربط ما بين السعر والجودة. و اعتبر العلالي في هذا السياق أن المستفيد من هذا التسيب هم لوبيات العقار المتحكمة في السوق التي أصبح هاجسها انجاز شقق أكثر بكلفة أقل لبيعها بسعر أكبر، مبرزا في هذا السياق أن " قيمة الأرباح قد تصل إلى أزيد من 40 في المائة من قيمة المنتوج، هذا بالإضافة إلى استفادتها من شراءها للأراضي بأثمنة رمزية ، واسترجاع الضريبة على القيمة المضافة". ودعا رئيس "الشبكة المغربية من أجل السكن اللائق" الدولة إلى مراجعة وتقنين هامش الربح للمنعشين العقاريين، معتبرا أن السكن الاجتماعي يجب أن يتحلى بصفة المقاولة المواطنة. وبخصوص الإشكالات التي حالت دون نجاح المشروع الحكومي، يحصرها "العلالي"، في تعقيد مسطرة المعالجة، واستفادة بعض القاطنين الجدد بالأحياء الصفيحية وعدم استفادة القاطنين القدامى، وارتفاع فوائد قروض السكن، إلى جانب إجبارية المواطن على دفع تسبيقات غير قانونية أو ما يعرف ب"النوار"، إلى جانب لجوء السلطات إلى العنف من أجل إخلاء بعض القاطنين، وهو ما اعتبره رئيس الشبكة "ينافي الأعراف الحقوقية والدوليةّ. مافيا العقار تطارد التعاونيات السكنية أمام هذا الكم من الاختلالات، وهروبا من "اللوبيات العقارية"، ذهب البعض الآخر إلى تأسيس تعاونيات سكنية حيث بلغ عددها 1137 تعاونية في المغرب. في هذا السياق، أوضحت حياة زهير ممثلة مكتب تنمية التعاون أن التعاونيات السكنية تعرف منافسة شرسة من قبل المقاولين العقاريين، بالإضافة إلى ارتفاع ثمن العقار ومحدودية الوعاء العقاري بالمدارات الحضرية، وغياب امتيازات واضحة بالنسبة للتعاونية أسوة بالمنعشين العقاريين. في خضم هذه الإشكالات، دعت حياة زهير إلى وضع آليات تمويل ملائمة للدخل في تعاملها مع البنك، وتفعيل الفصل 408 من مدونة الشغل بشأن تقديم إعانات مالية للتعاونيات التي يتم تأسيسها طبقا للتشريعات الجاري بها العمل. إنقاذ العقار من "الاختناق" وإذا كانت نتائج السكن الاجتماعي سلبية في بعض جوانبها على المستهلك، إلا أن هذا القطاع ساهم، من جهة أخرى، في تطوير قطاع البناء والتجهيز، وشهد معه المغرب نوعا من الاستقرار في السنوات الأخيرة، سعت من خلاله الحكومة إنقاذ العقار من حالة "الاختناق" التي ضربته منذ مدة بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، وهو ما دافع عنه الصديق نايت الحاج، رئيس مصلحة السكنى وسياسة المدينة بالمديرية الجهوية للسكنى وسياسة المدينة بجهة الرباط، سلا، زمور، زعير. وقال الصديق أن مشروع السكن الاجتماعي حقق أهدافه، من خلال ارتفاع الطلب من جهة، والدعم المباشر للأسر المستهدفة وشفافية المعاملات والحد من المضاربة وظاهرة "النوار"، إلى جانب تنويع العرض من السكن الاجتماعي واستهداف كل المدن، وإدماج المقاولات الصغرى والمتوسطة. وأبرز الصديق أنه من أجل نجاح المشروع، بلورت الحكومة جيلا جديدا من السكن الاجتماعي عبر منظومة متكاملة تهم دعما مباشرا للمواطنين وتحفيزات متعددة للمنعشين العقارين عن طريق توقيع شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص. وبخصوص الركود الذي عرفه قطاع العقار، أبرز "أن هذا الركود لم يستثن السكن الاجتماعي الذي عرف بدوره ركودا"، والذي عزاه إلى ارتفاع العرض على الطلب. وبخوص الآثار الاقتصادية والاجتماعية للمشروع، أوضح انه تم توفير ما يعادل 18ألف سكن اقتصادي سنويا، مكن الاسر ذات الدخل الضعيف من الولوج إلى امتلاك منازل، والوقاية من انتشار السكن غير اللائق، مبرزا أن 77 بالمائة من المساكن تم اقتناؤها من طرف أسر لا يتجاوز دخلها الشهري 4000 درهم.