قال ميشيل بوفييه (Michel Bouvier)[1] – "لذلك يمكننا القول إن القوة المالية كانت دائما متشابكة بشكل وثيق مع السلطة السياسية وأنها حددت نوعها" – "التحولات في شرعية الضرائب والديمقراطية" البطالة تنخر جسم الشعب المغربي، ولا توجد عائلة مغربية لا تعيش مع هذا الوضع المأساوي، حتى العائلات الميسورة. الأرقام تتحدث عن نفسها. لا أخفي عنكم أنني شاركت في الانتخابات منذ انضمامي إلى الاتحاد الاشتراكي في عام 1982، ولكنني لم أعد جزءا من التنظيم منذ عام 2000. في الانتخابات الأخيرة (عام 2021)، لم أصوت لصالح الحكومة الحالية. عند تنصيبها من طرف الملك، كنت متفائلا بحكومة رجال الأعمال، آملا أن تجعل المغرب مزدهرا ومنعشا بلا بطالة. قلت مع نفسي إن الشركات التي يمتلكونها ستزدهر، وبالتالي سيزدهر المغرب بأكمله. ولكن خاب ظني في حكومة الكفاءات ورجال الأعمال. شهدت شركاتهم وثرواتهم ارتفاعا، في حين شهد المغرب انحدارا ملحوظا وفقا للإحصاءات الرسمية. رئيس الحكومة، على سبيل المثال، وفقا لموقع المليارديرات "فوربس"، شهد ارتفاعا في ثروته حتى نوفمبر 2023، بينما زادت معدلات البطالة في المغرب بشكل حقيقي. يبدو أن حكومة رجال الأعمال قد فشلت في مهمتها. لا داعي للإسراع، في الحقيقة ساطعة للعيان. قدمت الحكومة أرقاما منذ تنصيبها، تتعلق بخلق مليون فرصة عمل في غضون خمس سنوات، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك. ومع تقديم مشروع ميزانية 2024، قدم أحد الوزراء أرقاما خيالية حول فرص العمل التي قال إنها تم إيجادها هذا العام، لكن المندوبية السامية للتخطيط تقول إن الحكومة لم تخلق فرص عمل، بل قامت بتدمير فرص عمل بشكل أكبر. خلال تقديم مشروع ميزانية عام 2024، قدم أحد الوزراء أرقاما خيالية حول فرص العمل التي قال إن هذه الحكومة خلقتها خلال هذه السنة، والتي بلغت 313000 وظيفة. ولكن مؤسسة دستورية مختصة بالإحصائيات، المعروفة باسم المندوبية السامية للتخطيط (HCP) ، نفت هذه الأرقام ووصفتها بأنها " كذبة ثقيلة" من قبل الحكومة. بل أشارت الى أن الحكومة الحالية لم تخلق فرص عمل، بل على العكس قامت بتدمير 297000 وظيفة. فهمت جيدا أن الحكومة تدافع عن برنامجها، وأن المندوبية السامية للتخطيط تدافع عن إحصاءات. يجب التنويه إلى أن هاتين المؤسستين هما دستوريتان، وبالتالي رؤسائها يتم تعيينهم من قبل ملك البلاد. لا أخفي عنكم أنني قلق من الاثنين، سواء من الحكومة أو المندوبية السامية للتخطيط. المندوبية السامية للتخطيط تأسست في عام 2006 وأجرت إحصائية وتعريف للطبقة المتوسطة في المغرب في عام 2008. عند تقديم خلاصتها، وأشارت المندوبية إلى أن المغرب يعتمد نظاما يعرف ب " بالبالونات" وليس الساعة الرملية. واعترض على هذه النظرية الراحل إدريس بنعلي، الذي نفى ما قيل بأن نظام البالونات يكون خاصا بالدول المتقدمة، مؤكدا أن النظام الطبقي في المغرب يتألف من فئة صغيرة جدا من الأثرياء، وطبقة من الفقراء تمثل الأغلبية. وكان ذلك في عام 2008. الآن، في عام 2023، وبسبب جائحة كوفيد 19 والزيادة الكبيرة في الأسعار، أصبحت حتى الدول الصناعية تعاني من غياب شبه تام للطبقة الوسطى في مجتمعاتها. في هذا السياق، أشير إلى أن الرئيس الحالي للولايات المتحدةالأمريكية، جو بايدن، قد قدم مشروعا لإعادة النظر في وضع الطبقة الوسطى الأمريكية خلال انتخابات عام 2020، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز الطبقة الوسطى في الولاياتالمتحدة وفي نهاية المطاف تحقيق تأثير على مستوى عالمي. الآن، دعونا نعود إلى موضوعنا حول مشروع قانون المالية لعام 2024 وقضية البطالة. تقول الحكومة إنها تهدف إلى إرساء أسس الدولة الاجتماعية، ولكنها تواجه صعوبة في خلق فرص العمل، رغم أنها تتكون من أعضاء يعتبرون رجال أعمال. إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، التي تخصص لقضية البطالة، قد تكون غير دقيقة. لأن البطالة تمثل تحدياً حقيقياً في المجتمع المغربي، وأن الأرقام الرسمية قد لا تعكس الوضع الفعلي بشكل دقيق. إن مشكلة البطالة تعد قضية مهمة تتطلب التفكير الجاد والتدابير الفعالة لمعالجتها. لذا سنعتمد أرقامها لأنها الوحيدة المتاحة. أقول إن إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط ليست صحيحة بالمرة، فهي تنقص "شْوِية". والواقع المعايش يؤكد الرأي، لأن البطالة موجودة في كل مكان وكل عائلة. هذا واقع لا يحتاج لإحصائيات. وعلينا أن نأخذ بإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط (م س خ)، لأنها الوحيدة المتوفرة، ولأنها كارثة إحصائية. تشير إحصائيات "م س خ" إلى إلغاء 297000 وظيفة عمل بين أكتوبر 2022 وأكتوبر 2023. على عكس التصريحات الحكومية، فإن الحقيقة تظهر أنه لم يتم خلق سوى 31300 وظيفة عمل، مما يظهر أن الحكومة قد قدمت معلومات غير دقيقة في هذا السياق. وفقا لبعض التقديرات، يعد مستوى البطالة هو الأسوأ منذ عام 2006، وهو العام الذي بدأت فيه الإحصائيات الرسمية. تقول الإحصائيات الرسمية إنه تم تسجيل 248000 عاطل جديد عن العمل، مما رفع إجمالي عدد العاطلين في المغرب إلى حوالي 2000000. يظهر مستوى النشاط (اليد العاملة) نسبة قدرها 13.5٪، وهي النسبة التي تعكس العدد الإجمالي للأفراد العاملين (البالغ عددهم 27.5 مليون مواطن مغربي في الفئة العمرية بين 15 و64 سنة). من بين هؤلاء، يُظهر أن 12.2 مليون فردا يعملون، بينما يبحث 1.4 مليون فرد عن عمل، مما يؤدي إلى أن 15.3 مليون فرد يتخلفون عن سوق العمل. هذا يعني أن معدل الشغل في المغرب يتجاوز نحو 44.3٪، وهو أدنى مستوى في تاريخ المغرب. تظهر الأرقام بشكل صريح الوضع الصعب الذي يواجه الشباب والشابات في المغرب: 15،3 مليون من المغاربة خارج مجال الشغل، 51،2 في المئة من العاملين لا دبلوم لهم، 80،2 في المئة من النساء خارج ميدان الشغل، أي ما يفوق 11،2 مليون من النساء، 77،2 في المئة من الشباب ما بين 15 و24 سنة خارج عن ميدان الشغل، 25،2 في المئة من الشباب والنساء، ما بين 15 و24 سنة، لا تكوين مهني لهم، لا دبلوم، وهم خارج ميدان الشغل، نسميهم بالفرنسية (NEET) بمعنى شباب بدون عمل، بدون تعليم وبدون تكوين مهني، 42 في المئة من الشباب في المدينة عاطل عن العمل، لذا فان رغبة جامحة للهجرة السرية، 61،4 في المئة من الشباب والشابات الحاملين للشواهد العليا معطلين… أكتفي بهذا المقدار، إن وضع البطالة معروف منذ زمان، لا تتحدث الحكومة عنه في مشروع قانون المالية لسنة 2024، ولا أحزاب الأغلبية، ولا أيضاً ما تبقى من أحزاب المعارضة البرلمانية. كان ينبغي أن يكون هذا الموضوع جزءا من صلب مشروع ميزانية 2024. والأدهى من هذا، أن وزيرا تجرأ بالقول إن الحكومة قامت بتخصيص 40 مليار درهم السنة الماضية لمحاربة التضخم، ناسيا أن هذا المال هو من ميزانية الدولة، وبالتالي هو من ضرائب الشعب، وأن الحكومة بأكملها لا تخرج بشيء من جيبها، بل كل ميزانية الدولة تأتي من ضرائب يؤديها الشعب المغربي. وللقول بالحقيقة، بدأت الديمقراطية الغربية خلال القرن الثامن عشر باستخدام مال الشعب العمومي بشكل جيد.