لا يجب أن يساور أي مسلم شك بأن عملية طوفان الأقصى نصر عظيم للأقصى والقدس وللقضية الفلسطينية، مهما كانت الكلفة على مستوى عدد الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون كما يعلمنا القرآن الكريم، وعلى مستوى البنية التحتية بغزة. حدث كبير مثل هذا يستحق التضحية، وعادة التحولات الفارقة في القضايا العادلة تكون محفوفة بالكثير من التضحيات والكثير من الدماء. تتسارع الأحداث لتؤكد نتيجة واحدة لطوفان الأقصى، وهي النصر المبين للمقاومة الفلسطينية، وفي وجهه الآخر هزيمة مدوية تاريخية واستراتيجية للصهيونية، وارباك حاد للداخل "الاسرائيلي" جعل نخبته تدخل مرحلة الشك في وجود واستمرار الدولة، وهذه الحالة وحدها تكفي لتعميق الشك بين المستوطنين لسنوات طويلة. مؤشرات أخرى تؤكد النجاح الكبير لطوفان الأقصى، تجلت في استنفار الإدارة الأمريكية، وحلفيتها البريطانية، سواء من خلال تحريك حاملة طائرات وسفن بحرية، ودعم اسرائيل الذخيرة والسلاح، بالإضافة إلى الزيارة السريعة لوزير الخارجية الأمريكي ووزير الدفاع الأمريكي لعاصمة الكيان الغاضب. مؤشر على قدر كبير من الأهمية، يؤيد خلاصة نجاح عملية طوفان الأقصى، تجلى في فشل وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، في استصدار مواقف داعمة لخطة عزل حركة المقاومة الإسلامية حماس، وتهجير سكان غزة، من رئيس السلطة الفلسطينية، ومن الأردن ومن مصر والسعودية، اما لبنان فقد استبقت ايران تحرك بلينكن، وبعثت وزير خارجيتها لتنسيق الموقف هناك وقطع الطريق على امريكا. الجامعة العربية هي الأخرى، يُفهم من بلاغها رفضها للخطة، ولادانة المقاومة بشكل مباشر، ودعوتها لايقاف قتل المدنيين الذين لا يتواجدون حقيقة الا في غزة. مواقف باقي الدول المؤثرة والفاعلة، منها تركيا وروسيا، ذهبت في اتجاه الادانة الاخلاقية لإسرائيل، ومحاكمتها سياسيا على خرقها لقوانين الحرب، وبالتالي جعلها وجعل امريكا بدعمها اللامشروط لها، في موقف ضعيف أمام العالم وأمام القانون الانساني الدولي. واذا ما استمر الوضع على هذه المعطيات، خاصة مع ظهور مؤشرات قوية حول مناعة المقاومة، وسلامة مخزونها القتالي ونجاعته في الهجوم وفي الدفاع، فإنه يُتوقع أن تنطلق مرحلة "حفظ ماء وجه" الكيان ومن يحميه، من خلال القبول بالوساطة لوقف اطلاق النار، لأغراض انسانية في البداية، ثم إنهاء العدوان على غزة مرحليا، وهو ما بدأ بالفعل مع زيارة بلنكين لقطر. وهذا المسار متوقف على كشف فصائل المقاومة الفلسطينية، على عدد الأسرى الصهاينة، للوسطاء، لكي تنطلق فيما بعد مرحلة أخرى سيكون فيها نصر جديد لفلسطين.