صديقي العزيز، كنت تعلم، وكنا نعلم معك، بأنهم لن يتأخروا في السطو عليك؛ كنت تعلم، وكنا نعلم معك، بأن الزبانية المسعورة كانت تتقلى على جمر للانقضاض عليك؛ كنت تعلم، وكنا نعلم معك، بأنك أمسيت من زمان هدفا مفضلا لحقدهم، وأنهم بالتالي كانوا لا ينتظرون سوى أن تسقط الصومعة ليعلقوك على ما تبقى من أنقاضها... كنت تعلم، وكنا نعلم معك، بأنهم كانوا يعدون «حركتهم » ضدك عبر تعبئة بؤرهم القذرة، المتخصصة في الكذب والقذف والقدح والتشنيع وترويج الأباطيل واختلاق التهم وتلفيقها؛ بؤر تذكي نيرانها أقلام مأجورة لصحافيين مرتزقة... أجل، لم يذَروا صغيرة ولا كبيرة إلا حشدوها ضدك. طعنوا فيك... ضايقوك... اضطهدوك... شتموك... عيروك... جرجروك في الوحل. أولئك الأذناب المنبطحون، أذناب المخزن المتغطرس، الخائفون الوجلون، المشتكون دائما من حساسية مفرطة تجاه حرية التعبير والديمقراطية وفكرة المواطنة، المشبعون بحنين جارف وشوق فياض إلى العهد البائد وإلى نظامه التحكمي الذي قام على أكتاف جيش عرمرم من الجلادين الدمويين الذين لا دين لهم ولا ملة ولا ضمير. إنها الاستمرارية في التغيير... صديقي العزيز، تعلم أنت، كما نعلم نحن معشر الصحفيين، بأننا مجرد سجناء في حالة سراح مؤقت، مما يجعلنا نردد المقولة المشهورة التي يقولها الحي للميت: أنت السابق ونحن اللاحقون... لقد كنت تعلم علم اليقين بأنهم يمتلكون جميع الوسائل الممكنة وغير الممكنة لإخراسنا ورمينا وراء قضبان معتقلاتهم البشعة... كنت تعلم، كما نعلم، بأن «العدالة » توجد تحت نعالهم، طيعة، منصاعة، خانعة، صاغرة. ولم ينسوا فقط سوى أنه إذا كان بمستطاعهم أن يدخلونا السجن، فإنهم عاجزون عن إدخالنا السجن في عقولنا؛ وأنه إذا كان بميسورهم قتل الرسول، فإنهم غير قادرين على قتل الرسالة، وأنه لن يكون بمقدورهم شنق الكلمة وبالأحرى ذبح الأفكار. صديقي العزيز، إنهم يتهمونك بالإرهاب ليرهبونا. يتهمونك لكي لا تصدح حناجرنا بكلمات الحرية والصدق والعدالة، ولكي لا تكتبها أبدا أيادينا.. كلمات ودوا من أعماقهم لو صلبوها ثم صلبونا. يتهمونك بالإرهاب لكي تهيمن حقائقهم الكاذبة، وكلماتهم المزيفة، وأفكارهم القاتمة، الطافحة بالضغائن والأحقاد. صديقي العزيز، تعلم، ونعلم معك، بأنهم كثر أولئك المتحمسون المهووسون الذين جعلوا من أحزابهم محاكم للتفتيش، ونصبوا أنفسهم قضاة و »مغرقين » بالوكالة، ضاربين عرض الحائط بقرينة البراءة وبشروط المحاكمة العادلة، كاشفين بذلك عن وجوههم الفاشية البشعة، المناهضة لكل تغيير، والمعادية لأحلام الديمقراطية وقيم التسامح. صديقي العزيز، تعلم أنت، ونعلم نحن معك، بأنك اقترفت «أفظع الجرائم » حين تجرأت ورفعت عقيرتك بما اعتبروه منك وقاحة وجسارة حين طالبت ب: محاسبة كل مسؤول عن قراراته وأعماله كيفما كانت درجة مسؤوليته؛ كشف مناورات ودسائس المخزن الاقتصادي؛ التنديد بمفترسي الاقتصاد الوطني الذين يتخذون من قربهم من السلطة ذريعة لأكل الأخضر واليابس؛ فضح أسماء من نعتهم الوزير الأول بالعفاريت والتماسيح. وهذه «الجرائم » التي يريدون محاكمتك بها، نعلن على رؤوس الأشهاد أننا نساندك فيها ونتبناها معك. صديقي العزيز، بفضل كتاباتك ومواقفك، انهارت أسطورة التغيير، ورجعت دار لقمان إلى حالها سريعا. وإنك لتعلم، والمغاربة كلهم يعلمون، بأن موقع «لكم » هو المستهدف الأول بدون أدنى شك، وذلك لأنه قض مضجعهم وسلب الراحة من أنفسهم، فاكتسب بفضل ارتجالهم شهرة عالمية جابت كل الآفاق، وأكسبوك أنت بفضل تسرعهم رفعة وعزة صرت بها رمزا شامخا لكل المتيمين بقيم الكرامة والعدالة وحرية التعبير. صديقي العزيز، ختاما، أنت تعلم، ونحن نعلم معك، بأنه يمكننا، والمرارة في أعماقنا، إسقاط هذا البيت الشعري على واقع وطننا الحزين: لقد هزلت حتى بدا من هزالها ***** كلاها وحتى سامها كل مفلس أما في ما يخص مكر «كلاب الكرنة »، عبيد وزبانية المخزن، فتذكر ما قاله الإمام الشافعي: لا تأسفن على غدر الزمان لطالما ***** رقصت على جثث الأسود كلاب لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها ***** تبقى الأسود أسودا والكلاب كلاب