ما يحدث في الساحة السياسية اليوم جعلنا، نحن من نعيش في عالم السياسة طيلة اليوم، نكره السياسة و"لي جا من جهتها"، فماذا تركنا للمواطن البسيط ؟! ما يتداوله السياسيون في هذا البلد في الفترة الأخيرة لا يعني المواطن المغربي البسيط في شيء، لأن مشاكله اليومية تبقى فعلاً بعيدة كل البعد عن ما تتداوله الصحف والمجلات كل يوم عن السياسيين. المواطن البسيط لا يعنيه بتاتاً إن كان الأحرار سيعوضون الاستقلال، أم أن البلاد تتجه نحو انتخابات مبكرة، والمواطن البسيط لا يعنيه في شيء إن كان شباط ولشكر سينزلون إلى الشارع للاحتجاج أم لا، والمواطن البسيط لا يهمه إن كان الانفصاليون يحاولون إشعال الفتن في الصحراء تزامناً مع زيارة الملك إلى دولة مالي. والمواطن البسيط لا يهمه إطلاقاً إن كان الملك يقوم بزيارة تاريخية لإفريقيا أو أمريكا أو الهند، كما لا يهمه إن كان عبد الله البيضاوي مات مقتولاً أو منتحراً أو أن التونسيات عدن حوامل من جهاد النكاح في سوريا. والمواطن المغربي لا يعنيه إطلاقاً إن كان المغرب ينفذ أحكام الإعدام أو إن كانت القاصرات تغتصبن وتتزوجن مغتصبهن. ما يهم المغربي البسيط اليوم هو "طرف ديال الخبز"، وللأسف فسياسيونا وإعلامنا اليوم لا يتحدثون عن "طرف الخبز" الذي يبحث عنه المغربي. وكل اللغط الذي يروج منذ شهور في الساحة السياسية لا يضمن "طرف الخبز" للمواطن المغربي، ولا أحد يحمل هم هذا الوطن ومواطنيه. ففي نفس الوقت الذي يجري فيه رئيس الحكومة منذ شهور مفاوضاته مع مزوار في الفيلات الفخمة والمكيَفة، هناك مغاربة لا يجدون قوتاً ولا دواءً ولا ملبساً ولا مسكناً، ومفاوضات بنكيران ومزوار لا تهمهم في شيء. وفي نفس الوقت الذي تجتمع فيه المعارضة في مكاتبها المكيفة للتحضير لمظاهرات "الخمس نجوم" أو إصدار بيانات ضد صحفي لتصفية الحسابات أو للتضامن مع ضحايا هجوم إرهابي في كينيا، هناك طلبة لا يجدون غرفة في الحي الجامعي، وهناك مرضى لا يجدون نقلاً للوصول إلى المستشفى إن وجدت، وهناك بسطاء في هذا البلد استنفذوا كل الطرق لتحمل مصاريف رمضان والدخول المدرسي والعيد الكبير على الأبواب، ولا تعنيهم مظاهرات المعارضة في شيء أو بياناتها. المغربي يعيش في أسفل قاعدة هرم "ماسلوو"، وما يهمه اليوم هو أن يجد لنفسه شغلاً يضمن به قوته وقوت آبائه وأولاده، وأن يجد نقلاً كريماً يصل به إلى مكان عمله، ويجد مستشفى يثق فيها ليسلمها نفسه أو زوجته أو أبناءه، ويجد مسكناً يستر عائلته دون أن يدق بابه يوماً صاحب المنزل ليطرده لأنه لم يستطع أداء أجرته. المغربي البسيط اليوم لا تهمه اجتماعات بروكسيل أو جنيف، ولا تهمه صور السياسيين على الفايسبوك والجرائد. المغربي يبحث اليوم عن "طرف الخبز"، ولا يمكن لمن يعيش في القصور الفخمة ويركب السيارات الفاخرة أن يفهم معنى "طرف الخبز" إلا لو تذوَق في يوم من الأيام مرارة الحصول على "طرف الخبز". هي فقط دعوة للتأمل وإعادة النظر في رؤيتنا للأمور، فهل نحن فعلاً نمثل هذا الشعب أم أن جنون العظمة يجعلنا نكذب ونصدق الكذبة. لخبار فراسكم.