تقديم عبدالله حمودي نُشر التقرير الوارد أسفله في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة، وغالب الظن أنها تنشر لأول مرة تقريرًا من هذا النوع في الصفحة الثانية. ينشر التقرير صوراً لفلسطينيين بوجوههم وملامحهم، مما يحترم إنسانيتهم. ويقتبس بعض أقوالهم كما عبروا عنها بأنفسهم؛ وهذا قليلا ما يحدث. يأتي المقال في وقت ظهرت فيه خلافات بين اليهود في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الولاياتالمتحدة، حول التغيير الذي تريد حكومة نتنياهو المتطرفة إدخاله على "المحكمة العليا الإسرائيلية". لكل هذه الأسباب، من المفيد نشر ترجمة التقرير في المغرب باللغتين العربية والفرنسية، لاسيما وأنه يصف بشيء من الدقة اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين اليومية على بلدة فلسطينية توجد في موقع استراتيجي في الضفة الغربيةالمحتلة. ويبدو أن ذلك يقع بتواطئ مع جيش وشرطة الاحتلال اللذين يدعيان ان وجودهما يهدف إلى حماية هذه المدينة. ويتبين كيف أصبحت حياة الفلسطينيين جحيمًا، حيث أُجبروا على تحصين منازلهم، مما جعلهم يعيشون، نوعًا ما، فيما يشبه سجونا. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل شيء، فإن الفلسطينيين صامدون في مقاومتهم. ويظهرأن الهدف من هذه الهجمات المستمرة هو إجبار الفلسطينيين على الرحيل عن بيوتهم وأراضيهم والتخلي عن ممتلكاتهم، كجزء من التطهير العرقي الذي تمارسه قوات الاحتلال. أخيرًا، بمناسبة نشر هذا التقرير، لا يسع المرء إلا أن يندهش من غياب أي تصريحات ل "مواطنينا" اليهود الذين يعيشون في المغرب حول هذا العنف المطلق الذي يمارس ضد الفلسطينيين، باستثناء المناضل الكبير سيون أسيدون. وفيما يلي النص الكامل لترجمة تقرير "نيويورك تايمز" تقرير من بلدة حوارة في الضفة الغربية في كل مرة يسمع فيها عز الدين كسراوي البالغ من العمر 4 سنوات ضجيجا خارج منزله، يركض إلى التلفزيون للتحقق من الكاميرات الأمنية التسع التي ركبها والداه، خوفا من هجوم المستوطنين اليهود. وتقول عائلة كسراوي إن المستوطنين الذين يعيشون على تلة قريبة أرهبوهم لمدة عامين، وحاصروا منازلهم، وألقوا الحجارة والقنابل الحارقة وحاولوا تسلق الجدار في الخارج. مع كل هجوم، كانت هذه العائلة الفلسطينية من بلدة حوارة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل تحصن منزلها – مضيفة كاميرات ومتاريس معدنية وجدارا أعلى – بينما تؤجل العطلة العائلية وتأخذ من مصاريف أبنائها الجامعية لدفع ثمن كل ذلك. "إذا رأيت التدابير الأمنية ، فلن تصدق أنه منزل. الأمر أشبه بالعيش في سجن"، قالت والدة عز الدين، لينا كسراوي، 38 عاما. "في كل مرة يهاجموننا من زاوية جديدة، نرتب لتحصينات جديدة". تقع حوارة، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها حوالي 8,000 نسمة، على الطريق الرئيسي الوحيد الذي يربط بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، ويعبرها الفلسطينيون والمستوطنون الإسرائيليون بانتظام. وقد وضعها هذا منذ فترة طويلة في طليعة توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهي هدف لهجمات ومضايقات متكررة من طرف المستوطنين الذين يعبرون بالسيارات. لكن في 26 فبراير/شباط، وصل العنف إلى مستويات جديدة، مما أصاب سكان حوارة بالصدمة وتركهم يخشون على سلامتهم، مع تضاعف هجمات المستوطنين وتعهد الحكومة اليمينية الإسرائيلية بممارسة سيطرة أكبر على الضفة الغربيةالمحتلة. وفي ذلك اليوم، قُتِل مستوطنان برصاص مسلح فلسطيني مشتبه به أثناء مرورهما عبر حوارة، مما دفع حشدا غاضبا من مئات الإسرائيليين من المستوطنات الواقعة على سفوح التلال إلى مهاجمة البلدة والقرى المجاورة، وإلقاء الحجارة وحرق المنازل والشركات والسيارات. في أعقاب الهجوم، الذي قتل فيه فلسطيني، دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وهو نفسه مستوطن، إلى "محو" بلدة حوارة من الخريطة. وينتشر مئات الجنود الإسرائيليين الآن في شوارعها، وأحيانا يغلقون الطرق والتقاطعات، ويجبرون المتاجر على طول الطريق الرئيسي على الإغلاق، ويستولون على أسطح المنازل والمباني بأكملها. بعد أسابيع قليلة من الهجوم ، تواصل المدينة إجراء الإصلاحات ، حيث كانت السيارات المحترقة متوقفة في بعض الساحات والمباني التي تضررت من الحرائق المنتشرة على الطريق الرئيسي. ولم يذكر الجيش الإسرائيلي، الذي قال إن قواته موجودة هناك لنزع فتيل التوتر ومنع العنف، عدد الجنود الذين وضعهم في حوارة. على الرغم من أن حوارة مدينة صغيرة، إلا أنها كانت هي المركز الاقتصادي لهذا الجزء من الضفة الغربية. يأتي الناس من القرى الفلسطينية المحيطة وحتى الإسرائيليون من المستوطنات المجاورة إلى هنا للتسوق في متاجر المدينة وإحضار سياراتهم لإصلاحها في الورشات الميكانيكية على طول الطريق الرئيسي. ولكن الآن، مع وجود الجنود في كل مكان، والبنادق في متناول اليد، توقف الفلسطينيون عن القدوم، كما قال فراس ديميدي، 36 عاما، وهو صاحب سوبر ماركت. واعتبر إطلاق الصواريخ من لبنان الذي أصاب إسرائيل في 6 أبريل علامة على شراكة متنامية بين حزب الله، الميليشيا المهيمنة في لبنان، وحماس، الميليشيا الفلسطينية المتشددة التي اتهمها الجيش الإسرائيلي بتدبير الضربات. الغارات المميتة: كانت غارة للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في 22 فبرايرهي الثانية في أقل من شهر التي تنتهي بسقوط ما لا يقل عن 10 فلسطينيين قتلى و يظهر تحليلنا لمقاطع الفيديو كيف تحولت الغارة إلى واحدة من أكثر الهجمات عنفا في المنطقة منذ عقود. بدأت جماعات مسلحة جديدة في الظهور: في الضفة الغربية، اجتذبت شبكة عرين الأسود الصغيرة الشباب الفلسطينيين الذين خاب أملهم في قادتهم والغاضبين من العنف الإسرائيلي. كما انضم إليهم بعض المقاتلين القدامى. في الماضي، كان العديد من الفلسطينيين في المنطقة يعتمدون على الأراضي المحيطة بحوارة لكسب عيشهم، ويزرعون المحاصيل مثل الزيتون والتمور، ويبحثون عن الخضروات البرية. ولكن بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية في عام 1967 وفي العقود التي تلت ذلك، أصبحت أراضيهم الزراعية محظورة بشكل متزايد مع توسع المستوطنات في المنطقة، وتقطيع وتقسيم أراضي الضفة الغربية التي يأمل السكان أن تصبح يوما ما دولة فلسطينية. إحدى هذه المستوطنات المتنامية هي مستوطنة يتسهار، وهي مستوطنة لليهود المتدينين بنيت جزئيا على أرض فلسطينية خاصة، وتقع على التلال قرب حوارة وهي الآن على مسافة قريبة من المدينة. بعض المستوطنين هم من أتباع اثنين من الحاخامات المتطرفين، أحدهما الحاخام يتسحاق شابيرا، نشر كتابا في عام 2009 يعطي مبررا دينيا لقتل غير اليهود الذين يشكلون تهديدا لليهود. يقول سكان حوارة إن معظم مهاجمي 26 فبرايرجاءوا من يتسهار، التي يمكن رؤية حدودها الآخذة في الاتساع من شرفة عائلة كسراوي. عاش الشقيقان وطلاب الحوزة الدينية الذين أثار مقتلهم الهجوم، هيلل وياغيل يانيف، في هار براخا، وهي مستوطنة يهودية في التلال فوق نابلس. وازداد العنف بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربيةالمحتلة هذا العام. وفي الفترة من 1 يناير إلى 13 مارس، سجلت الأممالمتحدة 219 هجوما متصلا بالمستوطنين خلفت أربعة قتلى فلسطينيين وجرحت أو ألحقت أضرارا بممتلكات فلسطينية، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في نفس الوقت من العام الماضي. قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 فلسطينيا في الضفة الغربية خلال هذه الفترة. وقالت الأممالمتحدة إن الهجمات الفلسطينية على المستوطنين زادت أيضا بأكثر من الضعف خلال هذه الفترة، لتصل إلى 20 هجوما هذا العام، مما أسفر عن مقتل 12 مستوطنا وأجنبي واحد. تعهدت الحكومة الإسرائيلية بمزيد من الدعم للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتي تعتبرها معظم الدول في جميع أنحاء العالم غير قانونية بموجب القانون الدولي، لكنها نمت بشكل مطرد على مدى السنوات ال 40 الماضية. سموتريتش، وزير المالية الذي دعا إلى محو حوارة، هو من بين قادة الحكومة الإسرائيلية الذين يؤيدون ضم الضفة الغربية بأكملها، على أساس الاعتقاد بأن كل جزء من إسرائيل والأراضي المحتلة قد وعد به الله اليهود. وتعرف المحكمة الجنائية الدولية فعل قيام السلطة القائمة بالاحتلال بنقل سكانها إلى أراض محتلة بأنه جريمة حرب. ويقول الفلسطينيون إن الهجمات المتكررة التي يشنها المستوطنون تهدف إلى طردهم. في عام 2021، بلغ عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية أكثر من 465,000، وفقا لمنظمة السلام الآن، وهي مجموعة إسرائيلية تراقب النشاط الاستيطاني، مقارنة بما يزيد قليلا عن 200,000 في عام 2001. ويقول سكان حوارة إنهم ضحايا لمزيد من الهجمات لأن عددا قليلا من المستوطنين اعتقلوا بعد هجمات فبراير ومارس، في سياق يصفه الفلسطينيون بأنه إفلات تام من العقاب. وعلى الشرفات وأسطح المنازل في حوارة، وضع السكان أكواما من الحجارة لصد الهجمات، قائلين إنهم لا يثقون في الجنود لحمايتهم. وأنشأت حوارة، مثل مدن فلسطينية أخرى، مجموعات مراقبة الأحياء لإصدار تحذيرات مبكرة من مآذن المساجد المحلية في حالة هجمات المستوطنين. "لقد هاجمونا من قبل، لكن لم يصلوا إلى مستوى العنف الذي وصلوه في هذه المرة "، قالت السيدة كسراوي، وهي أم لأربعة أطفال ومديرة مدرسة، وهي تتذكر ليلة 26 فبراير وتقول :لقد ظننت أنهم سيذبحوننا ويحرقوننا أحياء". وقد وثّقت جماعات حقوق الإنسان بعض الهجمات على منزل أسرة كسراوي. تعيش نوال دميدي، 70 عاما، في شقة فوق سوبر ماركت ابنها في حوارة. تظهر لقطات كاميرا أمنية من المتجر في 26 فبراير مستوطنين يكدسون الألواح البلاستيكية على الباب الأمامي للمبنى ويشعلون فيه النيران. وخلفهم، يمكن رؤية الأضواء الزرقاء والحمراء لسيارة شرطة إسرائيلية، لكن السلطات لم تتدخل بينما كان المستوطنون يؤججون النار. وفي الزعترة، إحدى القرى الأخرى التي هوجمت في يوم 26 فبراير، حاول سامح الأقطش، وهو أب لخمسة أطفال، ومعه سكان آخرون، صدّ المستوطنين الذين كانوا يرشقون الحجارة ويحاولون اقتحام القرية. وكان خلفهم جنود إسرائيليون، على حد قول السكان. واندلع إطلاق نار وأصيب السيد الأقطش برصاصة في بطنه. ولأن المستوطنين والقوات الإسرائيلية أغلقوا الطريق الوحيد المؤدي إلى الزعاترة، اضطرت عائلته إلى اصطحابه في شاحنة على درب جبلية ولكنه مات في طريقه إلى المشفى . وقالت الأممالمتحدة إنه قتل إما على يد مستوطنين أو على يد القوات الإسرائيلية. وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الجيش لن يحقق في مقتل الأقطش. وأحال الجيش الأسئلة إلى الشرطة، التي أكدت أنها فتحت تحقيقا في وفاته. ومن الشرفة، أظهر ابنه ما قال إنه دليل على أن القوات الإسرائيلية ساعدت المستوطنين: قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت التي تحمل حروفا عبرية. وفي الأيام التي تلت الهجوم، قدم شكوى إلى الشرطة. لم يحصل شيء منه بعد. "القاضي والمجرم هما نفس الكيان "، قال الدميدي. وقال الجيش الإسرائيلي إن تحقيقا في رد الجيش على هجمات 26 فبراير خلص إلى عدم وجود عدد كافي من الجنود في المنطقة لمنع "أعمال شغب عنيفة". وأضاف أن الجيش تعلم دروسا حول إرسال تعزيزات بسرعة أكبر "عندما يكون هناك احتمال أن مثل هذا الحادث الخطير سيحدث مرة أخرى". لكن السكان قالوا إن الجنود ورجال الشرطة لم يتدخلوا لمساعدتهم فحسب، بل عندما ألقوا الحجارة وغيرها من المقذوفات ردا على المستوطنين، ردت القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين بالقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع، وفي بعض الحالات بالذخيرة الحية. وفي الوقت الراهن، يقول سكان حوارة إنهم يعيشون في رعب شديد خوفا من وقوع المزيد من الهجمات وأحد الأشياء التي أزعجتهم كان شريط فيديو موسيقي لأغنية بوب دينية يهودية شعبية بدأت تنتشر على الإنترنت وفي مجموعات المستوطنين على الواتساب، في الأيام التي أعقبت هجوم 26 فبراير وهذه كلماتها . "ما الذي يحترق الآن؟ حوارة"، "المنازل والسيارات أيضا تحترق – حوارة". "هيا نطرد المسنين والنساء والفتيات من هناك". "هيا نحرق كل شيء طوال الليل." بقلم : رجا عبد الرحيم، جريدة نيويوك تايمز (20 أبريل 2023) ساهم في هذا التحقيق كل من هبة يزبك وميرا نوفيك وغابي سوبلمان . تعريب المهندس احمد بن الصديق