يرى محللون أن الانتكاسات السياسية المتلاحقة التي يواجهها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، تعزز موقف الحركة الاحتجاجية المطالبة بإسقاط نظامه، رغم ان هزيمة الرجل الذي يحكم البلاد منذ 32 عاما لا تبدو قريبة. ويقول الباحث المتخصص في شؤون اليمن في معهد كارنيغي للسلام الدولي كريستوفر بوتشيك لوكالة فرانس برس "من الواضح جدا أن الوضع في البلاد بالنسبة إلى الرئيس علي عبد الله صالح، لا يسير كما يجب". لكنه يعتبر مع ذلك انه "من السابق لأوانه القول إن صالح لن يستمر في موقعه أو أن النظام لن يصمد". ويواجه الرئيس اليمني حركة احتجاجية متصاعدة تطالب بإسقاط نظامه، بدأت في يناير وتكثفت منذ منتصف فبراير. كان صالح الذي يحكم البلاد منذ العام 1978، أكد انه لن يتنازل عن الحكم قبل انتهاء ولايته الحالية في 2013، رغم الانتكاسات السياسية الأخيرة. وتعم التظاهرات البلاد من جنوبها إلى شمالها حيث يتمركز المتمردون الحوثيون الشيعة الذين أعلنوا في 21 فبراير انتقالهم إلى صفوف المحتجين، مطالبين برحيل الرئيس اليمني. وبعد يومين فقط من ذلك، أعلن نائب ينتمي إلى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم أنه تقدم مع سبعة نواب آخرين ينتمون إلى الحزب الحاكم أيضا باستقالتهم من البرلمان احتجاجا على قمع المتظاهرين وسقوط قتلى. وقد سبقهم إلى ذلك نائبان آخران. وفي 26 فبراير أعلن شيوخ في قبيلتي حاشد وبكيل النافذتين تخليهم عن صالح وتأييدهم مطالب المحتجين، علما أن صالح نفسه ينتمي إلى أحد فروع قبيلة حاشد. وانضم رئيس هيئة علماء اليمن عبد المجيد الزنداني إلى المتظاهرين واصفا الاحتجاجات بأنها "جهاد في سبيل الله" وحث المعتصمين أمام جامعة صنعاء على استمرار الاعتصام حتى تتحقق المطالب. وقال في كلمة أمام المعتصمين إن التظاهرات المستمرة في اليمن وكذلك في باقي العالم العربي "ينبغي إعطاؤها براءة اختراع لأنها اكتسبت وسيلة جديدة وفعالة وسريعة غير مدمرة في تغيير الأنظمة، وقد بحثنا عن هذه الطريقة منذ خمسين عاما". وفي اليوم التالي دعا الرجل الثاني في قيادة الحراك اليمني الجنوبي عبد الله حسن الناخبي مناصري الحراك إلى الالتحام بالتظاهرات مقدما بذلك، مرحليا على الأقل، مطلب إسقاط النظام على "فك الارتباط" مع الشمال. ولعل أسوأ ما يواجهه الرئيس اليمني هو الزخم العربي حيال مطلب التغيير الذي اكتسب اندفاعه القوي بعد الانتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر اللتين ألهمتا شعوبا أخرى حتى تثور على أنظمتها، وبينها الشعب الليبي. وترى الخبيرة في شؤون اليمن في معهد شاتهام هاوس جيني هيل أن "الشارع يضخ زخما جديدا في السياسة اليمنية تدفع العديد من اللاعبين الأساسيين إلى إعادة تقييم تحالفاتهم". ويقول نائب مدير معهد بروكينغز في الدوحة إبراهيم شرقية إن الأمور تسير في عكس تيار صالح، موضحا أن "تغييرا جديا في موازين القوى حدث خلال الأيام القليلة الماضية نتيجة انضمام قادة في القبائل" إلى الاحتجاجات. وهو يعتبر أن صالح "خسر قوة أساسية على الصعيد القبلي الذي يشكل جبهة مهمة في المواجهة التي يخوضها ضد المتظاهرين"، مشيرا إلى أن "دعم الزنداني للتظاهرات آمر في غاية الأهمية". ومع ذلك، يشدد شرقية على أن صالح "لم يخسر كل شيء" ولا يزال "يسيطر على بعض المؤسسات القوية مثل الجيش". بدوره يؤكد بوتشيك أهمية الجيش اليمني حيث يتولى أفراد من عائلة صالح مناصب رئيسية، معتبرا أن "الجيش والاستخبارات يمثلان مفتاح الأمور، نظرا لسيطرة العائلة عليهما". لكنه يرى أيضا أن الدعم الدولي لصالح سيشكل عاملا أساسيا في تحديد مصيره. ويقول انه "خلافا لتونس ومصر وليبيا، يتمتع اليمن بدعم المجتمع الدولي والولاياتالمتحدة والسعودية وغيرها من الدول المعنية". ويشير تحديدا إلى بواعث القلق على الصعيد الدولي من تنظيم القاعدة وفرعه في اليمن، كمبرر لدعم صالح. كما أن "حقيقة أن لا أحد يدرك ما الذي قد يحدث بعد صالح، يشكل مصدر قلق كبير يدفع الناس إلى التمسك به"، بحسب شرقية. من جهتها، ترى هيل أن "هناك شعورا متعاظما بان الاضطرابات في اليمن تسير نحو مرحلة متقدمة"، في وقت تضع الإدارة الأمريكية "كل بيضها في سلة واحدة مع ذهاب المساعدات العسكرية إلى وحدات النخبة الأمنية والاستخباراتية التي يقودها نجل صالح وأقرباؤه". وتشدد هيل على انه "إذا فقد صالح السيطرة، فإن هذا الأمر سيؤثر مباشرة على العمليات التي تقودها الولاياتالمتحدة في اليمن بحجة مكافحة الإرهاب". *أ ف ب --- تعليق الصورة: عبدالله صالح يمارس الرياضة